دراساتصحيفة البعث

جريمة أخرى يرتكبها أردوغان ضد العرب

د.رحيم هادي الشمخي

أكاديمي وكاتب عراقي

 

يعد التدخل التركي الجديد في ليبيا سابقة خطيرة على الأمن القومي العربي، فهذا التدخل الذي انتهجته تركيا العثمانية ينمّ عن جوهر المسألة الحقيقي من أن أردوغان رجل مهووس يريد من تركيا أن تمتد غرباً وشرقاً لإعادة أمجاد الدولة العثمانية، ومدّ النفوذ التركي العثماني لإيجاد موقع قدم في غرب الوطن العربي لتحقيق ما يصبو له أردوغان من أطماع اقتصادية وعسكرية وسياسية لتغيير خريطة الوطن العربي، كما فعلت «إسرائيل» اللقيطة في احتلالها لفلسطين العربية، وأطماعها في التوسع نحو النيل والفرات لرسم خريطة جديدة بمباركة أمريكا، لخدمة أهداف تركيا و «إسرائيل» اللتان تطمعان في احتلال الوطن العربي.

ومع معاناة الشعب العربي الليبي من نتائج احتلال أرضه بالقوة من قبل الولايات المتحدة الأمريكية ودول غربية أخرى شاركت في قتل هذا الشعب وتدمير حضارته ومنجزاته الوطنية لمصلحة الصهيونية والإمبريالية، نجد هذا الشعب اليوم وهو يعاني من الاحتلالات، ومن ضمنها التدخل التركي الجديد الذي ما انفكت مطامعه تتوسع في العراق وسورية عندما أدخل أردوغان قواته في مساحات واسعة من نهر الفرات بحجة المنطقة الآمنة لحماية حدوده من الإرهاب، وأردوغان نفسه هو الذي جاء بالإرهابيين إلى سورية والعراق لتدمير بنيتهما التحتية، وقتل الرجال والنساء والأطفال، وتهديم البيوت الآمنة بأهلها.

وهذا ما يؤكد رغبة أردوغان باحتلال أرض ليبيا، فالاتفاقية الأمنية التي أبرمت بينه وبين حكومة السراج، هذه الاتفاقية تعبّر عن تجنيد الإرهابيين من تنظيم «القاعدة» وبقايا «داعش» والحركات التكفيرية التي جلبها أردوغان إلى العراق وسورية، هي نفسها سوف تقف إلى جانب قواته في ليبيا ضمن القوات التركية التي تضمنتها الاتفاقية كما ورد في النص (إرسال قوات عسكرية إلى ليبيا جزء من الاتفاقية الأمنية بين الطرفين)، وعلى هذا الأساس بات من المؤكد أن هذه الاتفاقية قد شملت فتح المجال البحري الليبي أمام تركيا لنقل الأسلحة والمعدات العسكرية إلى حكومة السراج، وهو أكبر تحدٍّ للشعب العربي الليبي الذي يرفض الوجود العسكري التركي وأطماع أردوغان التوسعية. وبرغم أن الاتحاد الأوروبي قد رفض هذه الاتفاقية، وبصورة خاصة (الاتفاق البحري)، إلا أن التمادي التركي راح يروّج لشرعية هذه الاتفاقية، والتي وصفها الاتحاد الأوروبي بأن لا قيمة لها من الناحية القانونية، فهي لا تعبّر عن رأي الشعب الليبي.

أردوغان العثماني، منذ أن تسلّم السلطة في تركيا كان يحلم، كأسلافه، بالتمدد والتوسّع على حساب الدول العربية، وذلك لبسط سيطرته على مقدرات الشعوب، وهو في هذا المجال أصبح جزءاً من الدول التي تبحث عن الهيمنة والسيطرة على القرار السياسي للدول المستقلة، وذلك للسيطرة على آبار النفط والثروات الاقتصادية والاجتماعية والعسكرية، مثله كمثل أمريكا و «إسرائيل» اللقيطة وفرنسا وبريطانيا، وهو بذلك قد أوصل الشعب التركي إلى الهاوية في علاقته مع الشعوب الأخرى وبصورة خاصة مع (الشعب العربي) الذي تربطه مع الشعب التركي علاقات تاريخية منذ الماضي السحيق.

هذا هو أردوغان، هو المشكلة التركية التي نعيشها اليوم في القرن الواحد والعشرين، لم يكن أردوغان يعرف جيداً أن الشعب العربي الليبي كما هو الشعب السوري والعراقي عصي على من احتلّ أرضه من أمريكان وفرنسيين وإنكليز وطليان، ولم يقرأ أردوغان –على ما يبدو- تاريخ الدولة العثمانية التي ينتمي إليها، أن سيوف العرب البتّارة سوف تقطع آخر ورقة عثمانية يبعث بها أردوغان لتلميع وجهه الكالح في الوطن العربي.

.في ليبيا سوف يجرّب أردوغان حظّه العاثر أمام الشعب الليبي، وما مصير الاتفاقية الأمنية إلا الفشل والخذلان، فأمام الشعوب المناضلة تُمزّق وتُحرق كل التحالفات والاتفاقيات العدوانية، لأن الشعوب هي مصدر السلطات، وحريّ بنا أن نشير إلى أن أردوغان ينوي بناء قاعدة عسكرية في الغرب الليبي، شبيهة بالقاعدة العسكرية في منطقة آمرلي في شمال العراق، لتحقيق نوايا الإمبراطورية العثمانية الجديدة.

وأخيراً، إن أردوغان طرف مباشر في الحرب الليبية، كما كان طرفاً مباشراً في الأزمة في سورية من خلال دعمه للتنظيمات الإرهابية، ويبدو أن أردوغان لم يستخلص الدروس اللازمة من تجربته وسياساته السيئة في سورية التي خلقت لتركيا ما يكفيها من المشكلات الداخلية والخارجية.