محليات

عندما يتلاعبون بمصطلح “طب الكوارث”.. أطباء المشافي يقدرون والمرجعية عند “لجان الأخلاقيات”!

وفرت وسائل التواصل الاجتماعي الفرصة للكثير من المتطفلين لنشر مئات الإشاعات والأخبار الملفقة والكاذبة والتي لا أساس لها من الصحة عن فيروس كورونا وما رافقه من أحداث وقصص مأساوية حدثت في العالم، فعلى مدار الساعة نقرأ مئات البوستات التي تحتوي في الكثير منها على أكاذيب كل ما تفعله هو فقط بث الرعب والهلع والخوف لدى الناس.

ومع التوافق على أن أخذ الاحتياطات والإجراءات الاحترازية أمر ضروريٌ جداً ولا بد منه لنتمكن من تجاوز هذا الوباء الذي ألم بالعالم كله – ونحن بالطبع جزء نؤثر ونتأثر به – ولكن لا بد لنا من أن نكون أكثر مسؤولية تجاه ما نسمعه ونقرأه حتى لا نقع فريسة غوغائية البعض ممن يلفقون تلك الأكاذيب، وحتى نكون على قدر من المعرفة بما يحدث، ولنتمكن من التفريق والتدقيق بين ما هو صحيح وما هو مزيف. ومن بين الأخبار التي سمعنا عنها في الفترة السابقة مصطلح “طب الحروب” أو “طب الكوارث”، حيث تم التلاعب بهذا المصطلح واختراع تعريف مغلوط له. وحسب ما نشر البعض عن هذا المصطلح فهو يسمح للأطباء باختيار من يموت ومن يعيش، وما إلى ذلك من هراء وكلام فارغ لا يمت للحقيقة بصلة.

توجهنا بالاستفسار عن هذا الموضوع للدكتور حمدي نوفل الذي قال: التصرف الطبي في حالات الأوبئة والكوارث له شقان: الأول يتعلق بالحكومات، والثاني بالأفراد كالأطباء. أما الشق المتعلق بالحكومات فهو موضوع البنية التحتية، وفي حالة فيروس كورونا فإن أهم أمر يجب أن يتوفر هو أسرة العناية المشددة، أما الشق المتعلق بالأطباء فأنا اليوم كطبيب لدي أسرة عناية مشددة، وعلي أن أختار المريض الذي يستحق وضعه في سرير العناية في حال كان لدي أكثر من مريض بحاجة وعدد الأسرة أقل من عدد المرضى، هنا أيضا لدينا شقان: شق طبي بحت متعلق بما نسميه نظام فرز الحالات، وهو النظام الذي يساعد على تحديد شدة الحالة، فعادة – يضيف الدكتور نوفل – حين يكون لدينا عدد كبير من المرضى، يقوم جزء من فريق التدبير المختص بتصنيف الخطورة، بمعنى أن المريض الذي يمكنه وضعه الصحي من الانتظار يعطى لصاقة خضراء، والمريض الذي يكون وضعه أخطر قليلا يعطى لصاقة بطاقة صفراء أو برتقالية، والمريض الذي يكون وضعه أشد خطورة يعطى لصاقة حمراء وهنا يكون لهذا المريض أولوية بالتدبير، أما المريض الميؤوس من حالته فيعطى لصاقة سوداء، وهذا ما يسمى نظام الفرز الذي يتم على أسس طبية بحتة لا تراعي العمر، أو بالأحرى تراعي العمر كأحد العوامل وليس العامل الوحيد.. هذا فيما يتعلق بالشق الطبي الذي يخص الأطباء. أما الشق الآخر – يتابع الدكتور نوفل – فهو الشق الأخلاقي الذي يعتمد على أربعة مبادىء أساسية: المبدأ الأول هو مبدأ ذاتية المريض بمعنى حساب رغبات المريض، أما المبدأ الثاني فمتروك للأطباء ليقدروا ماهي المجالات التي سيفيدون فيها المريض، والمبدأ الثالث تقدير ما هي المجالات التي ستضر المريض، والمبدأ الرابع والأخير هو مبدأ العدالة. ويوضح الدكتور نوفل أن الأطباء عندما يتعاملون مع كل الحالات من الضروري أن يقوموا بموازنة بين المبادىء الأربعة، فمثلا عندما يأتي مريضان معا ولا يوجد إلا سرير عناية واحد، وفي حال كانت حالة أحدهما أخطر من الآخر، فالمسألة محسومة والسرير بالطبع سيكون للمريض ذي الحالة الأخطر؛ أما في حال كانت خطورتهما متساوية فهنا سيكون منح السرير على أساس موازنة بين المبادىء الأربعة التي تحدثنا عنها سابقا، وهذه الموازنة هي من جعلت الناس يضعون تعريفا خاطئا لطب الكوارث، فالكثير من الناس يعتقد أن الطبيب هو من يقرر من يموت ومن يعيش، وهذا الأمر غير صحيح على الإطلاق، لأنه – وكما جرت العادة – فإن هذا القرار لا يكون قرارا فرديا، وهناك لجنة في كل المشافي اسمها “رجال الأخلاقيات” قراراتها غير ملزمة، ويتم تشكيلها من الأطباء ذوي السمعة الحسنة والقدرة على الإلمام بالمبادىء الأربعة التي ذكرناها سابقا، وتتألف على سبيل المثال من طبيب تخدير وطبيب جراحة إضافة إلى طبيب داخلية، ويتم التشاور فيما بينهم على الحالات التي تأتي إلى المشفى، مع الإشارة إلى أن قراراتهم غير ملزمة ولا تملك أي قوة قانونية.

لينا عدرة