دراساتصحيفة البعث

“كوفييد -19” ينفي نظرية القطاع الخاص

ترجمة وإعداد: سمر سامي السمارة

 

في غضون أسابيع قليلة، برر وباء كورونا الجديد الحجة من أجل تدخل حكومي قوي في الأمور الاقتصادية للحفاظ على المجتمع، كما برر بالنسبة للدول القومية التعاون بروح التضامن الدولي.

وقد شهدت العقود الأخيرة، رفض الأيديولوجيين الغربيين دور الحكومة باعتبارها ملحقا “اشتراكيا” يعوق كفاءة رأس المال الخاص والأسواق الحرة المفترضة.

ولكن مع اضطراب الاقتصادات والشركات بسبب الانتشار العالمي لـفيروس كورونا، كان لابد للحكومات والدول من التدخل ولعب الدور الأساسي للحفاظ على الاستقرار  وعلى النظام الاجتماعي.

وقع الكونغرس في الولايات المتحدة مؤخراً، على خطة إنقاذ بقيمة 2.2 تريليون دولار لتحفيز الاقتصاد والرفاه الاجتماعي المزعوم، ويُعتقد أن تعبئة الموارد المالية هي الأكبر على الإطلاق في تاريخ الولايات المتحدة.

ويرى محللون أن خطة الإنقاذ هذه قد تكون في نهاية الأمر خطة إنقاذ أخرى للشركات، في حين تبقى احتياجات المواطنين العاديين مهملة بشكل كبير. إذ رصدت إدارة ترامب 500 مليار دولار لدعم الشركات، خصصت50 مليار دولار منها لشركة “بوينغ” وحدها. ويتبجح ترامب بتوقعات غير واقعية من أن الولايات المتحدة ستصبح “مفتوحة للأعمال التجارية” قريباً. والحقيقة في حال عودة الولايات المتحدة إلى العمل، فسيكون ذلك بسبب قيام الخزانة العامة بإنقاذ رأس مال القطاع الخاص. وبالتالي، لماذا لا تسود الملكية الحكومية للمصارف والشركات في المستقبل؟

إن النقطة الرئيسية هي أن الولايات المتحدة، الدولة الرأسمالية بامتياز تقدم درساً كاملاً يؤكد عدم قدرة القطاع الخاص على الاستمرارية بدون التدخل الكامل للدولة والتموبل الحكومي. وتثبت أزمة كورونا هذا المبدأ مرة أخرى، كما هو الحال في العديد من الأزمات الماضية الأخرى، مثل الكساد الكبير في ثلاثينيات القرن العشرين وعواقب الحرب العالمية الثانية.كما يظهر تأثير المرض أن الدول التي فشلت في تمويل الخدمات العامة وعلى وجه الخصوص الخدمات الصحية، تكون معرضة لأسوأ الآثار. ويمكن القول إنه كان من الممكن احتواء اندلاع هذا الفيروس الجديد بشكل أكثر ملائمة على نطاق عالمي لو أنه كان لدى الدول أنظمة رعاية صحية قوية يديرها القطاع العام. ففي إيطاليا وإسبانيا على سبيل المثال، حيث تعرضت الخدمات العامة للدمار نتيجة سنوات من التقشف الاقتصادي الذي تمليه الرأسمالية الليبرالية الجديدة، كان انتشار كوفييد -19 مدمراً. وقد أدى نقص المستشفيات المجهزة والطاقم الطبي بسبب سنوات من نقص التمويل المزمن إلى تفاقم تأثير المرض، ما جعل أوروبا بؤرة الوباء. لقد استجابت الصين وروسيا بصورة جديرة بالثناء لتزويد إيطاليا والدول الأوروبية الأخرى بالمساعدة الطبية، ما يدل على أهمية التضامن الدولي في أوقات الأزمات. و تستعد الآن الولايات المتحدة لانفجار في حالات العدوى والوفيات، حيث تبدو أنظمة الرعاية الصحية أكثر هشاشة مما كانت عليه في أوروبا بسبب نظام الاقتصاد الرأسمالي.أظهرت الصين -التي اندلع فيها الوباء في كانون الأول، ولكنها سيطرت عليه إلى حد كبير- كفاءة وفعالية التدخلات الحكومية القوية، وتتبع الحكومات الغربية الآن مجموعة من السياسات المتشددة المتمثلة في الإغلاق والتمويل العام. إذ يبدو أنه بين عشية وضحاها، بدأت الدول الغربية الرأسمالية تتخذ تدابير اشتراكية للحفاظ على بقائها.ومع ذلك، لا تزال رواية كوفييد -19 والعواقب العالمية المترتبة عليها تتكشف، وثمة مخاطر من الدول التي تستغل الأزمة كغطاء للنوايا الخبيثة للسيطرة على مواطنيها. ومع ذلك، يمكن أن تكون فرصة النهوض بالديمقراطية على نطاق عالمي هي النتيجة الأكثر إيجابية للتحدي الحالي. يقول الكاتب ماثيو إهرت: “في اللغة الصينية، يتم التعبير عن” الأزمة “و” الفرصة “بالكلمة نفسها وهذا المعنى الذي يحمل الازدواجية ينطبق بنفس القدر على الأزمة العالمية اليوم مثلما ينطبق على أي شيء آخر. والسبب هو أن السباق الذي يدور بين تلك القوى التي تمثل الدول القومية الشرعية في العالم دفاعاً عن الشعب ضد التكنوقراطيين المالتوسيين الذين يلتزمون بإدارة هذه الأزمة دفاعاً عن أنفسهم”.لا شك أن الأزمة يمكن أن تستمر بعدة طرق. وفي الواقع الراهن، قد يستغل رأس مال القطاع الخاص والمسؤولين في الدولة الوضع لتركيز السلطة على الاحتياجات العامة والديمقراطية، وهنا تتحدث هذه النتيجة عن دكتاتورية فاشية. قد يشعر المرء بالقلق من هذه النتيجة بالنسبة للدول التي أظهرت خضوعاً منهجياً لرأس المال الخاص، على غرار ما كان عليه الحال في العديد من الدول الغربية. من ناحية أخرى قد تنجح اليوم أخلاقيات تدخل الدولة الملائمة وروح التضامن الدولي المناسبة.كانت رؤية الدول القوية التي تعمل في خدمة الصالح العام الأكبر والتعاون مع الدول الأخرى على أساس تبادلي هي السمة المميزة للرؤية العالمية متعددة الأقطاب التي عبرت عنها الصين وروسيا ودول أخرى، بينما كانت النظرة الغربية لـ “الحكومة الصغيرة” وحتمية رأس المال الخاص والأحادية القطبية هي النظرة النموذجية للولايات المتحدة وشركائها الأوروبيين عبر الأطلسي.