تحقيقات

الحجر الصحي ..التزام علاجي و وقائي من الوباء..واهتمام باستثمار يومياته!


أجبر وباء كورونا الناس على الدخول في “الحجر الصحي ” الذي بات العلاج الوحيد بعد أن أيقن العالم خطورة كورونا وارتفاع أعداد المصابين به نتيجة العدوى التي ليس لها حل سوى العزل وتوفير الحماية الوقائية لمواجهة خطر انتشار الأمراض ومنها هذه الجائحة التي تهدد البشرية.
ويعود مصطلح الحجر الصحي لحقب زمنية قديمة وتحديدا للقرن 14 في مدينة البندقية الإيطالية واشتق من كلمة تعني أربعين يوماً وهي الفترة التي طلب فيها عزل ركاب السفن في جزر قريبة لمعرفة إذا ما كان لديهم أعراض مرض الطاعون، قبل أن يسمح لهم بالوصول لشواطئ المدن أثناء الوباء أو الموت الأسود الذي اجتاح أوروبا بين عامي 1347 و1352 ليقضي على قرابة 30% من سكان القارة، أي قرابة عشرين مليون إنسان.
وعرفت دمشق تطبيق العزل الصحي، وقام الخليفة الأموي السادس الوليد بن عبد الملك -الذي حكم عشر سنوات بين 705 – 715م ، ببناء أول مستشفى “بيمارستان” في دمشق وأصدر أمرا بعزل المصابين بالجذام وتجنب اختلاطهم ببقية المرضى في المستشفى.
الحجر الإلزامي
قصص كثيرة يرويها السوريون الذين يعيشون أوقاتهم في الحجر الصحي بنسب متفاوتة يمكن وصفها بالجيدة مقارنة مع غيرهم من باقي الدول التي فرض انتشار فيروس كورونا فيها حجراً إلزامياً مشدداً .بات اليوم حديث الشارع السوري يتركز حول مفردات الحجر الصحي ومراحل انتشار وانحسار فيروس كورونا وغيرها من التسميات التي رافقت هذه الجائحة . إضافة إلى الكثير من الظواهر والمنغصات اليومية التي يفرضها الحجر من ضغط نفسي وفترات اكتئاب ومشكلات مختلفة على صعيد الأسر التي وجدت في وسائل التواصل الاجتماعي الملاذ الوحيد لها لتمضية الوقت الطويل داخل المنزل .
الإعلام والتواصل الاجتماعي
لا أحد يستطيع إنكار خطورة تحول أداء منصات التواصل الاجتماعي من الدور الايجابي إلى أخذ زمام الأمور في الاستشارات الطبية والترويج لوصفات علاجية طبية وعطرية قد تكون مغلوطة.
وفي المقابل كان لهذه الوسائل دور ايجابي فعال في ظل انتشار فيروس كورونا المستجد و صدى تأثير لافت على الجمهور من ناحية التوعية وبث الإعلانات والنصائح التي كانت في بعض جوانبها تعمل عمل الطبيب ، لا بل أكثر من ذلك ولم يقتصر تأثير هذه النصائح على فئة المراهقين على اعتبارهم أكثر الناس عرضة لإتباع نصائح المؤثرين في مواقع التواصل الاجتماعي ويقلدونهم من دون وعي ويستخدمون تلك النصائح والعلاجات التي ينصحونهم بها عبر مواقع التواصل الاجتماعي فحسب ، بل تعدى تأثيرها إلى كبار السن والبالغين حتى أصبحوا أكثر استخداما لمحرك البحث وصفحات الفيس بوك بحثا عن آخر المستجدات حول فيروس كورونا .
لها دور فعال
لم يعد يقتصر  مواقع التواصل الاجتماعي على بث وتداول المعلومات وتكوين الصداقات بل تعدت مجالاتها واتسعت نطاقاتها لتشمل مواضيع أكثر دقة وأهمية على مختلف الأصعدة السياسية والاجتماعية والطبية،  حيث استطاعت تلك الوسائل تسليط الضوء وتحقيق التفاعلية حول التوعية الصحية، كما برزت أهميتها كوسيلة في نشر وتصميم الحملة الصحية التوعوية التي لاقت آذانا صاغية من قبل روادها ومستخدميها ما يعكس مدى الوعي الصحي للناس على اختلاف فئاتهم العمرية وتفاوتهم الطبقي والعلمي إذ أتاحت هذه الوسائل شكلا جديدا من أشكال التوعية الصحية بعروض مختلفة وشكل آني جعل أغلب الجمهور يتفاعل معها بشكل إيجابي بغض النظر عن الظروف المحيطة.
حب العمل التطوعي
لقد عاش السوريون عشر سنوات من الحرب ، عاشوها بمرها وعذاباتها ولكن روح الشباب استطاعت تخفيف الكثير من الآلام عبر تكوين فرق تطوعية قامت بمهام كبيرة واستطاعت وضع بصمة مميزة وكانت علامة فارقة في عمل الخير عبر مد يد العون والمساعدة لذوي الشهداء والمحتاجين، وباتت ثقافة التطوع تأخذ بالتوسع داخل المجتمع السوري الذي يحرص عند كل محنة تمر بها البلاد أن يكون شبابه ومتطوعوه هم السباقون للمساعدة والمشاركة في الكثير من المبادرات الإنسانية . الشاب عمار متطوع ضمن إحدى الحملات التي تهدف لنشر الوعي قال: اليوم جاءت محنة فيروس كورونا لتثبت أن الشباب المتطوع كان ولايزال حاضراً على مختلف الجبهات حيث سخر العديد منهم نفسه ليشارك الجهات الرسمية في أعمال التعقيم التي تقوم بها الحكومة بالإضافة لحملات توعية ونشر “بروشورات” خاصة للتوعية بمخاطر المرض.
كيف تقضي يومك؟
لم يتغير واقع الحال على كثير من السوريين فسنوات الحرب الطويلة أرهقتهم وجعلت منهم أشخاصاً يتأقلمون مع أعتى الظروف، واليوم موضوع الحجر الصحي لم يكن صعباً على الرغم من كل ما رافقه من تذمر سواء على وسائل التواصل الاجتماعي أو في حياتهم اليومية.
أم محمد ربة منزل تقول: لم يتغير علينا شيء مع فرض هذا الحجر، فأنا كل صباح أذهب لشراء حاجيات المنزل لأعود وأرى أبنائي منشغلين بهواتفهم الجوالة ، متمنية أن ينتهي هذا الحجر بأقل الخسائر النفسية ، فهم تعودوا على النشاط والذهاب لمدارسهم وجامعاتهم .
مطالعة الكتب الالكترونية
الشابة أنوار وهي طالبة في المرحلة الثانوية تقول ربما يمكن للقراءة والإطلاع عبر صفحات الفيس بوك أن تغنيك عن الكثير من الملل وإضاعة الوقت، فإن كنت قد حُرمت النزهات البعيدة فإن هذا شيء جيد ومفيد لاسيما خلال فترة الانقطاع عن المدرسة والكتب المدرسية لأستغلها في قراءة ومطالعة بعض الكتب العلمية والثقافية عبر الأنترنت, ولعل أجمل ما في أوقات الفراغ أن تكون مع كتاب مفيد وممتع في ذات الوقت، كالتي تتحدث عن طبيعة الإنسان أو سلوكياته المرتبطة بعلم النفس والإنجازات، كما تنصح أصدقاءها وتحفزهم على عدم إضاعة الوقت بالتصفح فقط وإن كانوا لا يفضلون هذا النوع من الكتب فعليهم بالأدب والشعر وفن الرواية والقصة حيث يوجد فيها الكثير.
للتسلية وإشغال الوقت
تقول السيدة أم آدم إنها فقدت السيطرة على زمام الأمور في منزلها فأبناؤها الثلاثة في سن المراهقة ولم يعد بإمكانها ضبطهم أو أن تفرض عليهم قرارات تصب في مصلحتهم لأنهم أصبحوا يعتبرونها أوامر و تضيف: لم يعد هناك موعد لفترات استيقاظهم الصحيحة أو وجبات طعام منتظمة وأصبح أغلب وقتهم على الأنترنت والفيس بوك و في كثير من الأحيان يعد هذا مضيعة للوقت، لكن رغم هذا من الصعب التوقف عن تصفحها لاسيما حالياً ، حيث أصبحوا كما من هم في سنهم مدمنين عليها بشكل خطير ، كما أنها أثرت على أمزجتهم بطريقة أكثر سلبية وخطرا مما كنا نتوقعها

سيف ذو حدين
أبو يوسف وهو رجل أربعيني موظف في إحدى الدوائر الحكومية ونتيجة انقطاعه عن مكان عمله بسبب الحجر الصحي قال: لاحظت لأول عدة أيام أنني كنت قد اعتدت فتح الجوال فقط لأتفقد الفيس و بات ذلك تصرفاً لا شعورياً عندي ، و بعد مرات متكررة من البحث عن الفيس في جوالي بلا جدوى انتابني الإحساس بالامتعاض و الشعور بمن حُرم من مصدر إدمانه و قد كنت ظننت أنني سأستطيع التخلي عنه دون أدنى صعوبة .
و ما حدث هو أنني لاحظت بعد ذلك أني بدأت أبحث عن مشاغل أخرى على الجوال بدل أن أتركه ،  و  خف تفاعلي مع الآخرين من أسرتي وأقاربي و يبدو أن التخلص من عادة التقاط الجوال و النظر فيه دون هدف ليست سهلة .
وبعد مضي أسبوعين على بداية التجربة شعرت أن عالمي الخاص بدأ يعود إلى حجمه الطبيعي و بدأت أحاول تعويض النقص الحاصل في تواصلي مع من هم حولي مباشرة عبر اكتساب أصدقاء جدد .
وأضاف “أبو يوسف” أن التقليل من وسائل التواصل الاجتماعي و تعويض ذلك بالمزيد من الوقت و التركيز مع الزوجة و الأطفال مفيد لصحتنا جميعاً بلا شك .
التوعية المجتمعية
عودة التوعية الأسرية والمجتمعية والإعلامية،مسألة ضرورية لمواجهة شراسة الحروب الألكترونية التي تستهدف مجتمعنا عبر وسائل التواصل الاجتماعي بشكل مباشر وغير مباشر ،و ضرورة الكشف عن حقيقة الوجه الآخر لهذه الوسائل ، وكشف حقيقة ما يدور فنها من شائعات تروج الخوف والذعر دون مبرر حول فيروس كورونا ، ويبقى الالتزام بالتعليمات والإجراءات الاحترازية هو السبيل الوحيد للنجاة .
دعاء الرفاعي