دراساتصحيفة البعث

الولايات المتحدة أول من يضعف في حرب النفط

ترجمة: علاء العطار

عن موقع “أميريكان هيرالد تربيون” 4/4/2020

أدت حرب النفط التي بدأتها السعودية بأمر من الولايات المتحدة، بغضون أسابيع، إلى تغير السرد من فرض “هيمنة على النفط الصخري” إلى “إدارة سوق الطاقة” لتجنب أزمة قد تدمر في النهاية صناعة النفط الصخري في الولايات المتحدة.

هذه الحرب دفعت الرئيس الأمريكي لإجراء محادثة هاتفية مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بهدف مناقشة طرق ووسائل “لتحسين إدارة” الأزمة الجارية والتي يخشى ترامب من أن تدمر أكثر من نصف صناعة النفط الصخري في البلاد، ما يخلخل أساس مكانة الولايات المتحدة “كقوة عظمى”، مع أن هدفها الأولي كان فرض تغيير غير مرغوب في روسيا وتخفيض إنتاجها النفطي بغية إفساح المجال لزيادة في حصة الولايات المتحدة من النفط الصخري في الأسواق العالمية.

قال ترامب لمنتجي النفط الصخري الأمريكيين في وقت سابق من تشرين الأول عام 2019 إن الهدف من توسيع صناعة النفط لم يكن تقليل الاعتماد على إمدادات النفط من “الأجانب” وحسب، بل لتأسيس “هيمنة أمريكية على الطاقة”، لكن هذه الهيمنة قد تظل بعيدة المنال ما لم ينخفض الطلب على النفط الخام التقليدي، ومن هنا جاء الطلب السعودي (الأمريكي) لـ “خفض” إنتاج النفط.

من الواضح أن الخطة أتت بنتائج عكسية، واضعة السعودية أمام الولايات المتحدة ومجبرة ترامب على الاتصال ببوتين لـ “إدارة” سوق الطاقة. في الوقت نفسه، لا يزال بإمكان السعوديين نظرياً مواصلة “حرب النفط”، ليس لأنهم يريدون زيادة حصتهم في سوق النفط فحسب، إذ يمكن أن يحصل ذلك على أثر انخفاض حصة روسيا، وإنما لأن الأزمة الخارجية المستمرة تساعد نظاماً منهكاً، لكن الولايات المتحدة لا تستطيع تحمل تكلفة القيام بذلك ببساطة، لأن لم يعد لدى منتجي النفط القدرة على إعالة أنفسهم خلال هذه الحرب بعد الآن.

وتبعاً للتقارير، لا يوجد أكثر من 16 شركة نفط صخري أمريكية تعمل في الحقول التي يقل متوسط تكاليف الآبار الجديدة عن 35 دولاراً للبرميل، وليس لدى منتجي النفط الصخري الآخرين الذين وضعوا ميزانية للنفط بين 55 دولاراً للبرميل و65 دولاراً للبرميل في عام 2020، خيارا آخر سوى الانتقال إلى الحفارات الخاملة، وخفض عدد الموظفين وتوليد نقود لسداد النفقات، وفي أعقاب “حرب نفطية” مستعرة وهبوط الأسعار، ليس هناك جدال في أن يضطر عدد قليل جداً من منتجي النفط القادرين فعلياً على تغطية تكاليف الإنتاج إلى إجراء تخفيض بالجملة في الإنفاق على الصناعة، وسيضطر المنتجون غير المتربحين إلى وقف الحفر كلياً، ما سيوقفهم عن العمل لبعض الوقت.

أدى ذلك إلى مطالبة ترامب السعوديين بإيقاف حرب النفط، وبالطبع، لم تجد هذه المطالبات لأن النظام السعودي نفسه يحتاج إلى حرب خارجية للبقاء سياسياً، مدفوعاً “بالتمرد” المتواصل في البلاد، وأدى هذا الرفض إلى امتعاض بعض أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي الذين اتهموا السعودية بـ “التآمر” بهدف تدمير صناعة النفط الصخري الأمريكية.

سيكون لاستمرار حرب النفط وتدهور أسعار النفط في نظر الرئيس الأمريكي عواقب وخيمة، الأمر الذي سيحبط كل آمال “الهيمنة على الطاقة” في الولايات المتحدة، ويدمر ثرواتها السياسية أيضاً.

وقد أدت حربه التجارية مع الصين مسبقاً إلى إفلاس زراعي في الولايات المتحدة، خاصة في الولايات التي فاز فيها ترامب في انتخابات عام 2016، مجدداً، قد يكون لتدمير صناعة النفط الصخري، إلى جانب أزمة فيروس كوفيد 19 أثر كبير على الانتخابات الرئاسية الأمريكية التالية- وهذا مصير يود أي شعبوي “ترامبي” لو يتجنبه، وما يزيد الطين بلة حقيقة أن غالبية منتجي النفط الصخري الأمريكيين يشكلون جزءاً كبيراً من مؤيديه السياسيين، ويقطنون في المناطق التي فاز فيها ترامب في انتخابات عام 2016، واعتباراً من اليوم، يتجهم القدر في وجه ترامب فيما يواصل المنتجون تسريح موظفيهم.

لكي تنجو الولايات المتحدة من هذه الأزمة، سيتعين عليها في عملية “تحسين إدارة” الطاقة تضمين ومعالجة مسألة العقوبات على مشاريع روسية مهمة كنورد ستريم 2، إذ تستهدف العقوبات الأمريكية شركة غازبروم الروسية لتمنعها من توسيع وتعزيز وجودها في سوق الطاقة الأوروبي، تعد هذه الحالة مثالاً آخر لتآمر الولايات المتحدة على وجود روسيا وحصتها في سوق النفط وضغطها نحو تقليص الحصة الروسية وزيادة حصة النفط الصخري، وبالتالي، فإن أي تساؤل عن “تحسين الإدارة” سيتضمن إنهاء سياسة العقوبات كذلك.