اقتصادصحيفة البعث

أطباء داء وبلاء.. وآخرون دواء ونبلاء!

قسيم دحدل

لا شك أن كورونا سيكون مقياسا لحقيقة أية دول، وحقيقة أية أمة، في مستوى حيويتها وإخلاصها وتعظيمها لوطنها ومجتمعها، وبالتالي في مكانتها بين الأمم والشعوب…

كما سيكون مقياسا كاشفا لحقيقة الفرد، ضميره وأخلاقة وإنسانيته، ومدى تحمله المسؤولية، وإحساسه بالآخر، وقدرته على العطاء والتضحية والمبادرة…

مؤشرات ذلك المقياس الكاشف سنخص بها أطباء سورية؛ نبدأ منهم وبهم، انطلاقا من كونهم في زمن كورونا، خط المواجهة الأول المتقدم للصفوف والمهام والمسؤوليات، والذي يتوقف على مقدرته وتفانيه وتضحيته إنقاذ المجتمع والوطن من جائحة توصف بالأخطر في تاريخ البشرية، حيث استطاعت إيقاف كل شيء وتعطيله، وفرضت على الدول والشعوب والأفراد، فروضا غير مسبوقة ومعهودة، فكشفت الغث من الثمين والنبيل من الوضيع!

في هذا الامتحان الصعب، امتحان الأخلاق والضمير قبل امتحان المال والأعمال، تكشفت حقيقة أطبائنا، وتبيّن أننا أمام صنفين أحدهما أثبت أنه دواء وبلسم شاف معاف، بكل ما لكلمة دواء من معنى، وصنف أثبت أنه داء وسقم في جسد سورية والسوريين وجسد العلم والطب والصحة، وبكل ما لكلمة داء من معنى!! و نحن هنا لا نبالغ أو نتجنى أبدا.

الأول هو الذي نذر عمره وعلمه وخاطر بصحته وحياته كرمى أن تبقى سورية والسوريون في أمان واطمئنان صحي، فأثبت سموا أخلاقيا وضميرا إنسانيا حيا، منكرا ذاته وماله، و هذا الصنف يجب أن يُكرّم، كما كرم الأطباء الصينيون والإيطاليون والكوبيون في بلدانهم أشرف تكريم.

أما الثاني فهو  الذي استغل الأزمات أحط استغلال، فجنى أموالا وجمع ثروات من أوجاع السوريين وآلامهم، ولا يزال يجمع، ضاربا عرض الحائط بالضمير والأخلاق والإنسانية.. هذا الصنف هم عبدة المال الذين نكثوا بقسمهم، وارتكبوا ما ارتكبوه بحق الوطن والمواطن.

في أزمة الحرب، شأنهم شأن تجار الأزمات، رفعوا أجور معايناتهم إلى أرقام غير معقولة أبدا، وبشكل كيفي لا يستند إلا على الطمع في ظل غياب المرجعية والرقابة وعدم المحاسبة، حتى أنها أجور لا تتناسب ومقدرتهم الطبية وكفاءتهم العلمية.. و هؤلاء الذين سبق لأحد نقباء الأطباء أن وصفهم  بالـ “دكنجية”..! وهو أقل ما يمكن أن يقال فيهم.

وفي هذه الأزمة (كورونا)، أغلقوا عياداتهم خوفا – كما سمعنا من بعضهم – بوجه المرضى!! وحولوا “عياداتهم” إلى المشافي الخاصة المتعاقدين معها لتتضاعف أجورهم، في حين كان بمقدورهم استقبال المرضى وفقا لبرنامج مواعيد إنساني وحضاري يتناسب وسمعة ومكانة “الطبيب”.. برنامج يفصل بين المريض والذي يليه، منعا للاكتظاظ، كما فعل العديد من زملائهم النبلاء..

أشباه أطباء وصلت بهم اللامبالاة والتبلد الأخلاقي، حد عدم التعاطي مع الحالات “الحرجة” التي لا تستدعي دخول المشفى لجهة المعاينة بالعيادة، واضعين أصحابها أمام خيارين:  إما الانتظار لساعات، وإما التحويل للمشفى، حيث الحسابات تختلف كثيرا!!؟

وفي ضوء هذا الواقع الشاذ لمهنة توسم بالإنسانية والملائكية، يطرح السؤال المالي والضريبي الكبير، وهو: أين هو التكليف الضريبي لأمثال هذا الصنف، ممن ينطبق عليهم وصف  “الجزارين”؟، ولماذا لا تكشف أرقام  دخولهم السنوية، وما يدفعون للمالية من ضرائب؟ وهل تعلم المالية حقيقة أعمالهم، وبالتالي حقيقة ما يتوجب علي أطباء اقتصاد الفساد والظل واللا ضمير، دفعه فعلا ؟!

هو سلوك شاذ ولا يجب أن يستمر، فهو يفاقم معاناة مرضانا، وينتهك قيم التكافل الاجتماعي فضلا عن الضمير المهني.. سلوك نوثقه للتاريخ.. وكما الأخير سيكون شاهدا على الجبناء المتربحين من آلام الناس وجراحاتهم ومعاناتهم، كذلك سيكون شاهدا، على العظماء ونبلاء الأخلاق والضمير من أطبائنا السوريين الذين قدموا عقولهم وعلمهم وسنوات عمرهم، ولم يبخلوا على وطنهم وإنسان هذا الوطن بأغلى ما يملكون، وأهمه الإنسانية، فكانوا رايات علمية وعملية طبية رائدة مضحية تقدم لها تحية الإكرام والإجلال والتقدير، ولأمثال هذه الرايات نقول: سلام عليكم وسلام لكم.

qassim1965@gmail.com