دراساتصحيفة البعث

كنائس سورية تحتفل بعيد الفصح

علي اليوسف

بمناسبة عيد الفصح المجيد لن تقرع اجراس الكنائس في سورية احتفالا بهذه المناسبة العظيمة فقط ، بل ومن أجل تحرر سورية من إرهاب “داعش” ورعاته.

و في هذا العام يشكّل عيد الفصح فرصة لتسليط الضوء على أوضاع المسيحيين في سورية التي شهدت استهدافاً غير مسبوق للتنوع الثقافي والحضاري فيها. لقد هددت الحرب الإرهابية على سورية حرية الأفراد في ممارسة الدين أو المعتقد. بالإضافة إلى ذلك، ازداد العنف المرتكب باسم الدين، ما أدى إلى فرار جماعات أصيلة في المنطقة، والتي كانت موجودة بسلام لقرون.

اضطر المسيحيون إلى هجر الأماكن التي عاشوا فيها لسنوات. يقال: “إن الحكم على حضارة أو أمة يقاس من خلال تعاملها مع الأقليات”. لكن ما جرى في المنطقة خلال سنوات الإرهاب الذي مارسته “داعش” دفع المسيحيين في سورية الذين تعرضوا على يد “داعش” للقتل والخطف وهدم الكنائس والمنازل، للتهجير القسري حينا والفرار أحيانا أخرى.

و تشير الدراسات إلى أن المسيحيين كانوا يشكّلون 20% من السكان في الشرق الأوسط منذ قرن مضى، أما اليوم فهم يشكّلون أقل من 5% من السكان. وهذا مرده إلى صعود الأيديولوجيات المتطرفة العنيفة في الشرق الأوسط التي لعبت دوراً كبيراً في تمزيق النسيج الاجتماعي في عدد من الدول، وأنتجت تهديدات جديدة ضد المجتمعات المسيحية والأقليات الأخرى.

وخلال الحرب الإرهابية على سورية تنوعت أشكال العنف والاضطهاد ضد المسيحيين والأقليات، فمثلاً قامت “جبهة النصرة” بمصادرة أملاك المسيحيين في مدينة إدلب السورية، كما تعيش مجتمعات الأقلية المسيحية القديمة في الجزيرة السورية كابوساً مرعباً منذ أن بدأت قوات النظام التركي بالتوغل في المنطقة في تشرين الأول الماضي، وبعد ثلاثة أشهر من الهجوم ، نزح أكثر من 200 ألف شخص، وفقاً للأمم المتحدة، حيث يستقر كثيرون في المنازل الخالية التي هجرها أهالي المنطقة المسيحيين في وادي الخابور الذين فروا سابقاً من إرهاب “داعش”.

والتاريخ الحديث للمسيحيين في وادي الخابور هو عبارة عن كابوس قديم جديد، إذ أن أجدادهم قد هربوا من الأناضول خلال الإبادة الجماعية عام 1915. فكان العراق المحطة الأولى لكثيرين منهم، غير أن الحياة هناك لم تكن سهلة أيضاً. وبعد حدوث مذبحة في شمال العراق في عام 1933، عبر كثيرون إلى سورية التي كانت آنذاك تحت السيطرة الفرنسية، حيث استقروا على طول نهر الخابور.

وما إن بدأت المنطقة التي كانت تضم نحو 15 ألف شخص  في وادي الخابور بالانتعاش، حتى غادرها المئات بعد هجوم “داعش” في عام 2015. وفي تقرير صدر في تشرين الثاني الماضي، اتهمت هيومن رايتس ووتش العصابات الإرهابية المدعومة من قبل تركيا بـ “عمليات إعدام، ونهب الممتلكات، ومنع النازحين من العودة إلى ديارهم”. وبعد أيام قليلة من بدء الهجوم، أشارت منظمة العفو الدولية إلى أدلة دامغة على جرائم الحرب وغيرها من الانتهاكات التي ارتكبتها القوات التركية وحلفاؤها. “الأمر لا يتعلق فقط بالمسيحيين وباقي الأقليات، أنقرة تستهدف الشعب السوري بأسره”، بحسب ماقاله سنحاريب برسوم، زعيم حزب الاتحاد السرياني، لقناة DW الألمانية مندداً بـ “عدوانية” تركيا.

وبحسب الخبراء في الشؤون الدينية فإن سورية خسرت طوائفها المسيحية التي تعرضت للتدمير على نحو شامل ومستمر منذ اندلاع الحرب الإرهابية وقدوم “داعش” إلى مناطق سكن الطوائف المسيحية. وكما يقول منسق حوار الأديان الدولي في مؤسسة “كونراد أديناور” الألمانية، أوتمار أورينغ: “إن التقديرات تشير إلى أن هناك أكثر من 700 ألف مسيحي في سورية من إجمالي نحو 1.2 مليون مسيحي فروا من البلاد، وأضاف: “هؤلاء خسرتهم سورية”.

مناسبة عيد الفصح- بعد تحرير معظم الأراضي السورية-  هي فرصة جيدة الآن لعودة المسيحيين وباقي الأقليات، وإلا فإن سورية ستفقد أحد أهم معالم تنوعها وإرثها الحضاري والثقافي والديني وهو أمر لا تقبله الدولة السورية ولا مكوناتها التي عاشت وتعايشت مع بعضها البعض على مر العصور. كما أنه من الضرورة بمكان أن تأخذ المنظمات الإنسانية التي لفقت القصص الكاذبة عن معاناة الشعب السوري دورها الآن من أجل عودة  هؤلاء الذين فروا من إرهاب “داعش” والنظام التركي معاً.