الصفحة الاولىسلايد الجريدةصحيفة البعث

كورونا يعرّي النظام الصحي في فرنسا

سلّط تفشي فيروس كورونا في فرنسا، كما في غيرها من دول الاتحاد الأوروبي، الضوء على وضع القطاع الصحي الذي يكابد في التعامل مع هذا الطارئ، الذي لم تحسب له باريس حساباً. وإلى وقت قريب كان الاعتقاد السائد أن فرنسا، التي تعتبر من الدول الرائدة في التكتل الأوروبي، تمتلك نظاماً صحياً صلباً، لكن افتقار العاملين بقطاع الصحة إلى الأقنعة الطبية (الكمامات)، وتجاوز المستشفيات قدرتها الاستيعابية، شكّل أهم المشاكل التي تواجهها إدارة ماكرون حالياً في مكافحة فيروس كورونا.

ويعاني النظام الصحي في فرنسا من مشاكل كبيرة في السنوات الأخيرة، لكن لم تتم إثارة الموضوع كثيراً، لكن بين حين وآخر كان الأطباء والممرضون والعاملون في المجال الصحي بالمستشفيات يعربون عن شكواهم من نقص الإمكانيات والإمدادات الطبية. وكرر العاملون في قطاع الصحة باستمرار دعواتهم إلى الحكومة لتنفيذ خطة عمل بشكل سريع. ومع انتشار جائحة فيروس كورونا بجميع أنحاء البلاد وازدياد أعداد الإصابات والوفيات يوماً بعد يوم، ظهرت مشاكل في نظام الرعاية الصحية بفرنسا لم تشهدها البلاد من قبل.

وفي ظل نقص الكمامات المخصصة للأطباء والممرضين والعاملين في مجال الرعاية الصحية، فإن معظمهم يعملون بدون كمامات، مما يزيد من خطر عدواهم بالفيروس.

ويحتاج هؤلاء إلى أربعين مليون كمامة أسبوعياً، إلا أن عدد الكمامات التي تنتجها البلاد لا يتجاوز الـ3.3 ملايين كمامة في الأسبوع لذلك، اضطرت الحكومة الفرنسية إلى طلب أكثر من “مليار كمامة” من الصين لسد هذا النقص.

وكان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، قد صرح قبل تفشي الفيروس بأنه “لا داعي لتخزين المليارات من الكمامات”، مما يشير إلى أن فرنسا لم تكن مستعدة لمواجهة تفشي الوباء.

كما تشكل مشكلة الكمامات خطراً أيضاً على حياة المسنين المتواجدين بدور الرعاية في البلاد. وفي رسالة أرسلها إلى وزير الصحة أوليفيه فيران، أوضح أحد العاملين بدار رعاية المسنين أن “متوسط عمر الذين يعيشون بدار المسنين يتجاوز 85 عاماً”، محذّراً من أنه “من الممكن أن يفقد 100 ألف مسن حياته بسبب نقص الكمامات”. كما أوضح المسؤولون أن 884 مسناً بدور رعاية المسنين قد توفوا حتى الآن بسبب كورونا.

وقال فيليب جوفين رئيس قسم الطوارئ بمستشفى جورج بومبيدو، (إحدى أفضل المستشفيات في باريس) “بصراحة نحن الآن في وضع البلاد الفقيرة وغير المتطورة”.

وهذا النقص الظاهر في القطاع الصحي الفرنسي الذي أظهرته جائحة كورونا، جعل من السؤال حول سبب وجود هذه المشكلة موضوعاً للنقاش بعد تفشي الوباء بفرنسا وانتشاره في جميع أنحاء البلاد.

وركزت الصحافة والقنوات التلفزيونية الفرنسية على هذه المشكلة لعدة أيام. ووفقاً لذلك، فقد كان لدى وزارة الصحة الفرنسية عام 2009، 580 مليون كمامة و117 مليون كمامة في المستشفيات و463 مليون كمامة لدى الدولة، إضافة إلى ذلك تم طلب 400 مليون كمامة أخرى. أما في عام 2011 فقد بلغ عدد الكمامات المتبقية في المخزون 600 مليون كمامة، ودارت نقاشات حول الاستراتيجية التي سيتم تحديدها بشأن الكمامات، لكن اتضح أن هذه النقاشات لم تؤدي إلى أي نتيجة.

وبما أن العمر الافتراضي للكمامات هو بين 4-5 سنوات، فقد تم التأكيد على أنه ينبغي تجديد المخزونات على فترات منتظمة، إلا أنها نفدت مع مرور الوقت ولم يتم استبدالها بكمامات جديدة منذ العام 2011 بقرار من الحكومة.

كما قررت الدولة قبل تفشي كورونا عدم تخزين كمامات هذا العام وحمّلت المستشفيات مسؤولية الاحتفاظ بما يكفي من الكمامات.

وانتقد النائب عن يمين الوسط الجمهوري جيا بيير دور عدم وجود كمامات مخزنة في فرنسا، قائلاً: “أين الكمامات التي تم طلبها عام 2009؟ لم تشهد البلاد في السنوات الأخيرة مشكلة كبيرة تستوجب استخدام الكمامات، أريد أن أعرف ماذا حدث لهذه الكمامات؟.”

ومن إحدى المشكلات الأخرى التي أظهرها تفشي وباء كورونا، هي القدرة الاستيعابية في المستشفيات لا سيما في وحدات العناية المركزة.

وقد تجاوز عدد المصابين القدرات الاستيعابية في منطقتي إيل دو فرانس وغراند إست في العاصمة باريس، حيث تفشى الفيروس بهما. ولهذا السبب تم نقل 439 شخصا (كعدد تقريبي) إلى مستشفيات مدن أخرى.

ويوضح الخبراء أن السبب وراء اتخاذ الحكومة قرار تطبيق حظر تجول جزئي، يرجع إلى مشكلة القدرة الاستيعابية للمستشفيات.

ويرى البعض أن الحكومة تهدف إلى تأخير انتشار الوباء من خلال إبقاء الناس في منازلهم، وبذلك تتغلب على مشكلة الاكتظاظ بالمستشفيات.