دراساتصحيفة البعث

من يقف خلف أزمة السعودية؟

سمر سامي السمارة

 

بدأت مملكة آل سعود التي تعتبر أحد اللاعبين الرئيسيين في سوق الوقود الأحفوري العالمي تعاني مؤخراً من أزمة حادة، فارتفاع معدل البطالة بين الشباب وانتشار الفقر على نطاق واسع والتوترات داخل الأسرة الحاكمة كلها عوامل تشكك في قدرة آلـ سعود في الحفاظ على الاستقرار داخل المملكة والاستحواذ على السلطة على المدى الطويل. وعلى الرغم من وعد ولي العهد محمد بن سلمان آل سعود إجراء إصلاحات حاسمة وتحقيق رؤية السعودية 2030، إلا أن الخطوات الملتبسة التي اتخذها محمد بن سلمان يمكن أن تزيد الأمور سوءاً.

لأسباب كثيرة يمكننا القول إن التوترات التي تراكمت داخل المجتمع السعودي المغلق لفترة طويلة يمكن أن تنفجر في أي وقت، إذ أن كثير من السعوديين غير راضين عن الوتيرة السريعة للتغييرات التي اقترحها محمد بن سلمان.

وهذا يدلل على أن مملكة آل سعود تقف على مفترق طرق، فهي تعاني من تدهور في اقتصادها وتراجع في مستوى المعيشة بسبب انخفاض أسعار النفط الخام، بالإضافة إلى حربها الفاشلة في اليمن وفشل الحصار على قطر، ناهيك عن خلافة العرش التي هي موضع تساؤل أيضاً.

كما يبدو أن القضايا الشخصية لولي العهد لها تأثير سلبي على علاقته بواشنطن، حيث يرى محللون أن محمد بن سلمان “راهن على الحصان الخاطئ” خلال السباق الانتخابي الأمريكي، وعلى الرغم من سمعته بأنه يتسم بالقدر الكافي في سياسات خلف الكواليس، فإن علاقته بالداعم الرئيسي الولايات المتحدة هي الأخرى بدأت في التدهور بعد خسارة الديمقراطيون في تشرين الثاني 2016. كما أن ترامب لم ينس الدعم النشط الذي قدمه ولي العهد لمعارضيه، ويبدو أنه حاول التحريض على انقلاب في السعودية في خريف عام 2017.

كانت المحاولة الأولى التي قام بها ترامب لـ “هز القارب” في المملكة في تشرين الثاني عام 2017، إلا أن محمد بن سلمان آل سعود، الذي أصبح ولياً للعهد  تمكن من اعتقال 11 أميراً، و4 وزراء حكوميين في ذلك الوقت وعشرات من الوزراء ورجال الأعمال السابقين وذوي النفوذ. “رسمياً”  تم احتجازهم بتهم تتعلق بالفساد، ولكن في الواقع، بتهمة التآمر للقيام بانقلاب. وعلى الفور ذكرت وسائل الإعلام السعودية أن لجنة جديدة لمكافحة الفساد قامت بالتحقيق الذي أدى إلى الاعتقالات. قضى معظم المحتجزين ما يقرب من 100 يوم رهن الإقامة الجبرية في فندق ريتز كارلتون، ولم يتم الإفراج عنهم إلا بعد موافقتهم على “تعويض الحكومة” عن أي خسائر تكبدتها، بقيمة 100 مليار دولار.ومع ذلك، كان هناك المزيد من الاضطرابات في السادس من آذار عام 2020 ، إذ تم إلقاء القبض مرة أخرى على عدد من الأمراء وأصحاب النفوذ داخل المملكة البالغ عددهم 300 شخص بتهمة “الفساد”. وكان من بين المحتجزين محمد بن نايف آل سعود (ابن شقيق الملك سلمان وابن عم ولي العهد) والأخ الوحيد الذي لا يزال على قيد الحياة للملك الحالي أحمد بن عبد العزيز آلـ سعود (وزير الداخلية السابق) الذي كان وريثاً للعرش قبل محمد بن سلمان وفقاً لقواعد الخلافة السعودية، وبحسب صحيفة نيويورك تايمز كان المعتقل الثالث الأمير نواف بن نايف. ويُعتقد أن أحمد بن عبد العزيز آل سعود البالغ من العمر 78 عاماً، كان واحداً من ثلاثة أفراد من الأسرة المالكة الذين عارضوا أن يصبح محمد بن سلمان ولياً للعهد في حزيران من العام 2017، و ظل ناقداً لسياسات ولي العهد. وبحسب الغارديان كان المحتجزون متهمين “بمحاولة تعيين الأمير أحمد رئيساً لهيئة البيعة.ومحمد بن نايف آل سعود هو أحد أكثر الأشخاص نفوذاً في المملكة وكان ولي العهد السابق، ولمدة 13 عاماً رئيساً لبرنامج مكافحة الإرهاب في البلاد و كان ينظر إلى محمد بن نايف آل سعود على أنه شريك موثوق داخل الإدارة الأمريكية ومن قبل السياسيين الأوروبيين. وبالمقارنة ، يبدو أن نجل الملك شاب عديم الخبرة ، ولهذا السبب لم يتمكن الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود من جعله خليفة له على الفور. أمضى محمد بن نايف آل سعود الكثير من وقته في السفر للعمل، مما جعله يتنحى جانباً. ومع ذلك، يبدو كما لو أن ولي العهد السابق ما زال ينظر إلى العرش.من الجدير بالذكر أن كل المحتجزين يتمتعون بعلاقات جيدة مع الولايات المتحدة. وبالتالي، ليس من المستغرب أن تبدأ المناقشات داخل جماعات المعارضة السعودية على الفور حول السبب الرئيسي للاعتقالات، وهو، وفقاً لمصادر غير رسمية، أن المحتجزين كانوا يخططون لانقلاب، حتى أنه يُشار إليهم “بعملاء الولايات المتحدة”. ويعتقد محللون أن محاولة واشنطن السابقة في العام 2017 للانتقام من محمد بن سلمان بسبب “قصر نظره” فيما يتعلق بالسياسة الداخلية الأمريكية كانت مفهومة تماماً. في الوقت الحاضر، السبب الرئيسي وراء الخطوة الأخيرة ضد ولي العهد هو ظهور النفط الصخري الأمريكي في الأسواق العالمية وإستراتيجية ترامب الواضحة بشكل متزايد لتعزيز مصالح منتجي النفط الأمريكيين في جميع أنحاء العالم. وتؤكد صفقة المرحلة التجارية الأولى بين الولايات المتحدة والصين، التي تم الاتفاق عليها في كانون الثاني الماضي ما تم ذكره أعلاه. وبالتالي، فإن أسهل الحلول لمشاكل الولايات المتحدة في الوقت الحاضر هو الاضطرابات في السعودية. وهذا، وفقاً للخطط الأمريكية، سيردع على الفور السعودية وسيجعل الرياض أكثر مرونة عندما يتعلق الأمر بالخطوات المستقبلية فيما يتعلق “بمواجهة النفط”. يبدو أن ولي العهد في وضع صعب للغاية حيث أنه ليس لديه حيز كبير للمناورة في المنطقة واستمرار الصراعات المحلية غير المسبوقة.