ثقافةصحيفة البعث

نجوى هدبة: القصيدة تحتاج للحرية كي تُكتب

على مسافة أخرى من الشعر، تشكل القناعات الشخصية لكل شاعر، حول ماهية الشعر عموما، وجهة نظره عما يقدم في نتاجه الأدبي.. للحديث حول هذه النقطة وغيرها، الشاعرة “نجوى هدبة” في الحوار التالي:

* كيف تعرفين الشعر؟ وما هي وظيفته بالنسبة إليكِ؟

**هو الكلام الذي لا يمكن أن يقال إلا شعراً، أو هو الكلام الذي حين تقرأه يشرح لك عطر الورد على الورق، ويُشعرك بالنار وأنت تحت التكييف البارد، هو الكلام الذي يؤنسن لك الأشياء، والذي تشعر بالتحليق وأنت تقرأه.

بالنهاية يمكن القول إن الشعر – برأيي المتواضع – لوحة لكن مكتوبة بالحروف الملونة، كما اللوحات التي يرسمها الرسامون. وبالمناسبة أنا لا أسميه شعر نثر بل شعراً حراً، فللنثر خصوصيته في الكتابة كفنٍ مستقل وله قواعده وأنظمته التي تعطيه هذه الصفة. القصيدة تحتاج للحرية كي تُكتب وأرى أن الكتابة النظمية أو الكلاسيكية تقيدها الى حد ما حين لا يكون الشاعر صاحب خلفية ثقافية ومجيداً للغة بشكل كبير وهذا ينطبق على كَتَبة الشعر الحر أيضا.

بالنسبة للشروط الفنية في كتابة (القصيدة الحرة) هو حريتها بالدرجة الأولى في التعبير عما يجول في نفس الشاعر أما ما يقيدها فلكل نظرته عن القيود التي يمكن أن توضع للقصيدة الحرة، برأيي أن يكون لها معنى وهدفاً هما أهم قيدين، ومن ثم تأتي الصورة وبعدها يأتي اللحن _ ليس بالضرورة أن تكون مغنّاة طبعاً ولا أعني ذلك_ ولكن ألا نشعر بنشاز حين نقرأها.

لم أفكر ما هي وظيفة الشعر الذي أكتبه سوى أنني أتلذذ بكتابته ولا أعرف له وظيفة غير أن يحاكي الذات البشرية بكل معانيها ويحاول أن يكون متكلماً عنها بأسلوب مغاير للكلام العادي أو المباشرة، أحياناً يكون برؤية مستقبلية، أو يتحدث عن مشاعر مختبئة سواء للكاتب أم للقارئ، قد يكون مؤرخاً لحدث ما أو قد يصف طبيعة أو موقفاً، بإمكانك أن تقول: إن الشاعر هو قارئ للواقع بعين مغايرة قد تكون نقدية. أو ربما تكون وظيفته أن يجعلنا نرى الواقع بطريقة مغايرة لما هو عليه أو إيضاحه بشكل وأسلوب سلس ومباغت للآخر، أما ما تقصد به أن يكون شعر بِلاط مدحاً كان أو هجاءً، فلست من كُتابه ولا من محبيه. مع أنني أعرف أن الشعراء سابقا كان لقصيدتهم الأثر البليغ في نفوس الناس خاصة القصائد الحماسية التي تُلهب الجماهير وتكون دافعا للقيام على الطغيان والاحتلال وغير ذلك وهذا ما نراه أيضا في قصائد الشعر الحديث والقصيدة الحرة.

*إذا كان الشعر الكلاسيكي قادرا على تزويد اللغة بمفردات جديدة، أو على الأقلِّ تراكيب جديدة لمفردات قديمة، تحت ضغط الوزن والقافية كشرط فني لا يجوز الخروج عنه، فما الذي يدفع قصيدة النثر التي تكتبينها للقيام بذلك، باعتبار أن أحد أهمِّ أسباب وجود قصيدة النثر هو الخروج على الشروط الفنية القديمة التي تقيد الشعر، وما هو الشرط الفني لقصيدة نجوى هدبة إذ لا شعر لا شروط فنيّة له؟

**من يلاحظ القصيدة الحرة هي ليست سهلة الكتابة كما يتوقع البعض،بل لها تقنيتها وضوابطها، ومن الصعوبة حفظها إلا فيما ندر، قد تكون ميزة للقصيدة الحرة أو سيئة تلاحقها لكنها في النهاية نوع أدبي حديث مساير للحداثة التي نعيشها شئنا ذلك أم لم نشأ.

شرطي الأساسي ان تكون حرة بالفكرة والكلمة كما سبق وقلتُ، وأعني بحريتها أن لاتتقيد بما سلف من أسلوب كتابة وتستقل بذاتها كجنس أدبي جديد مع الأخذ بعين الاعتبار الالتزام بالشكل العام للقصيدة الحرة من حيث طريقة الكتابة والصور المعبرة والتي تكون عادة خاصة بكل شاعر على حدا، وأرى من الجميل أن يكون لكل شاعر أسلوبه الخاص الذي يميزه عن باقي الشعراء، ألست معي؟.

*لماذا توقف الشعر عن تزويد الأدب بلغة جديدة؟ لماذا تخلى عن تجديد اللغة مذ تخلى عن شروطه الفنية وصار كلاما حرا لا حدود تفصله عن باقي الأجناس الأدبية، ومن المعروف أن تطوير اللغة يقع على عاتق الشعر باعتباره منجم اللغة؟ ثم إنَّ القطيعة مع الشروط الفنية القديمة يفرض بالضرورة شروطًا فنية جديدة، فالفن، بشكل عام، لعب ضمن شرط معروف، أو ابتكار شرط جديد لا ينطبق عليه الإيجاز والوضوح والإشراق، ما الشروط الفنية الجديدة التي فرضتها إزاحة الشروط الفنية القديمة؟

**من قال إن الشعر الحديث لا يزود اللغة بمفردات جديدة؟! ربما لا تُقبل مفرداته الجديدة من قِبل المتشددين للشعر الكلاسيكي ولكنه بلا شك يضيف الكثير من الكلمات والمعاني ولكن بأسلوب حداثوي مقبول من قبل المجتمع الحديث.

إن أي نوع من الأدب إن كان حقيقياً هو قادر على تزويد اللغة بمفردات جديدة مهما كان نوع الأدب الذي يكتبه أو الفن الذي يمارسه فقط إن استطاع أن يرمي حجراً في سكون البركة     ولكن يحتاج لمن يتقبله. وهذا لا يأتي من فراغ بل يحتاج من الشاعر أو الأديب أن يكون مُلماً بكمٍ كبير من الكلمات والمعاني أو تحديداً يحتاج لمثقف على قدر لا بأس به من الثقافة ليبتكر قاموسه الخاص في صياغة فكرة داهمته على حين إلهام، فلكل أسلوبه ومنحاه في الكتابة سواء أكان شاعراً حداثوياً أم شاعراً كلاسيكيا، حتى كُتّاب الشعر الكلاسيكي يحتاجون لكمٍ كبير من المعرفة والثقافة حتى يستطيعون الكتابة بما يرغبون، فهم يعتمدون القافية ومن غير الممكن الكتابة دون أن يكون لديهم مخزون ثقافي عميق في اللغة وأصولها ومن غير الطبيعي ليكتبَ قصيدته أن يكون دائم الاحتياج لقاموس معاني والا اعتبرنا ما يكتبه (نظماً) وليس شعراً فالقصيدة وليدة لحظتها وأي انتظار سيضيّعها بلا شك، ثم لا أحد يستطيع أن يحل محل أحد إن كان المكان حقيقياً، ولا يمكن أن يفنيه أو يقضي عليه، هو تتابع وتراكم أفكار وأجناس أدبية يخلقها التطور والواقع المعاش.

* كيف تقيمين وضع الشعر في سورية اليوم، خصوصا بعد سنوات الحرب التي مرت؟ وأين هي قصيدتك من الحرب؟

** قد لا يحق لي تقييم وضع الشعر في سورية لعدة أسباب أهمها أنني غير ملمة بنتاج جميع الشعراء في سورية، وثانياً وهو الأهم أن المقيمين لوضع الشعر هم أشخاص متابعون لهذا الموضوع ونقاد حقيقيون، يمتلكون الوقت والفكرة عنه، بالإضافة للصلاحية في التقييم.  لكن أنا أتذوق بعض القصائد لبعض الشعراء الأصدقاء ويبقى تذوقا شخصياً بعيداً عن فكرة التقييم التي تحتاج لخبراء ومتابعين مهتمين.

بالنسبة لقصيدتي كانت حاضرة في أغلب مناحي الحياة، كتبت عن الوطن، عن الوجع الإنساني، عن الهم الفردي والجمعي، عن الحب، والحب زمن الحرب، عن الإنسان والمنفى، عن الفرح والحزن، عن الأهل، عن البُعد. قد لا أكون مباشرة في كتاباتي ولكنني أكتب ما أراه وأحسه، وما يجعلني أشعر أنني أنا.

* وفرت مواقع التواصل الاجتماعي منبرا للكثير من الأشخاص، الذين كانت قصيدة النثر هي الخيار الأكثر حضورا عليها؟ كيف تصفين هذا الحال؟ وهل يمكننا اعتبار ان هذا المنبر قضى على المنابر الكلاسيكية للشعر؟

** من الواضح للجميع أننا نحن العرب تحديداً استخدمنا وسائل التواصل منابر انطلق منها الكثيرون للشعر ولكافة أنواع الأدب وأنا واحدة منهم كوني بدأت النشر على صفحات الفيسبوك ثم للمجلات والجرائد بعد أن كنت أخبئ ما أكتبه عندما كنت في سن صغيرة ولم تكن كتاباتي للنشر. لن أنكر فضل هذه الوسائل حتى لو كان النشر السهل أقنع البعض بأنهم أصبحوا عمالقة في الأدب، ( لكن غربال الزمن لا يرحم ) مع قناعتي أن الجيد يبقى جيداً مهما كانت وسيلة العرض. وهذا المنبر لم يقضِ على المنابر الكلاسيكية بقدر ما قضت عليها ظروف المحنة التي يعيشها البلد. ربما هو وسيلة إيصال صوتنا لأماكن أبعد مما توصله المنابر الكلاسيكية بوقت قياسي ودون مجهود كبير.

* من هم الشعراء من الجنسين طبعا، الذين ترين أنهم أصحاب الحضور الأهم على الساحة الشعرية المحلية والعربية؟

** هناك العديد من الشعراء والشاعرات أرفع لهم القبعة سواء كانوا داخل البلد أو خارجه، العديد منهم أصدقاء لي على صفحة الفيسبوك وبعضهم أعرفهم شخصيا أحترم الجميع وأقدرهم،

وكوني أتذوق بعض ما يكتبون ولست ملمة بموضوع النقد والتقييم ولا بكل الموجودين على الساحة فأعتذر عن ذلك.

حوار: تمّام علي بركات