دراساتصحيفة البعث

انخفاض أسعار النفط ..العالم يمر بصدمة أخرى !

ترجمة وإعداد: عناية ناصر

انخفضت أسعار النفط بنسبة 30٪ في أقل من أسبوع، ليصل إجمالي الانخفاض إلى ما يقرب من 50٪ منذ كانون الثاني الثاني، لكن القصة أكثر تعقيداً من ذلك. و بعد البحث في شؤون الطاقة لعقود يبدو أن هناك أمرا كبيرا، ليس فقط على مستوى الاقتصاد العالمي، بل على مستوى الجغرافيا السياسية ومستقبل النقل والجهود المبذولة للتخفيف من تغير المناخ، خاصة إذا دخل العالم في فترة مستدامة من النفط الرخيص. فما الذي حدث؟

اتجهت أسعار النفط إلى الانخفاض بسبب التأثيرات الرئيسية من جانبي الطلب والعرض، فقد انخفض الطلب على النفط الخام والوقود البترولي في جميع أنحاء العالم بسبب وباء الفيروس التاجي ( كورونا) وخاصةً من قبل الصين التي تعتبر أكبر مستورد للنفط في العالم، و المحرك الرئيسي للطلب العالمي.

في جانب العرض، تحولت الشراكة غير المستقرة بين أوبك وروسيا إلى انفصال مرير. اجتمعت أوبك وروسيا لأول مرة في عام 2016 لخفض الإنتاج ورفع الأسعار لمواجهة نهر النفط الجديد من الزيت الصخري في الولايات المتحدة، وإلى حد ما نجح الاجتماع، وارتفعت الأسعار، على الرغم من التقلبات.

لكن في الاجتماع الذي عقد في 6 آذار 2020 ، اقترح السعوديون خفضاً آخر لمواجهة الطلب الذي انخفض نتيجة تأثير الفيروس التاجي (كورونا) على الاقتصاد، لكن روسيا قالت إنها سترفع الإنتاج بدلاً من ذلك، ورد السعوديون بقولهم إنهم سيفعلون ذلك أيضاً. بعد بضعة أيام، قالت الإمارات المتحدة إنها ستزيد الإنتاج إلى مستويات قياسية وستسرع الخطط لزيادة الطاقة الإنتاجية.

تبدو دوافع روسيا واضحة، فهي تعاني من العقوبات التي فرضت عليها بعد أزمة القرم، مما سمح لمنتجي الصخر الزيتي الأمريكي بالحصول على حصة في السوق على حساب الشركات الروسية، ولكن ليس هناك شك في أن شركات النفط الأمريكية معرضة للخطر أيضاً في الوقت الحالي، لأن معظمها عمل بحدود أدنى من الربحية وهي ما تزال غارقة في الديون. والآن مع انخفاض الطلب، والهبوط الإضافي للأسعار فإن ذلك سيسبب “ألماً حقيقياً” لشركات تكساس، و داكوتا الشمالية، وأوهايو.

فيضان النفط

من المحتمل أن تكون حسابات روسيا القائمة على استرداد حصتها من سوق الشركات الصخرية عبر زيادة الإنتاج دقيقة، لكن الرد السعودي والإماراتي لم يكن في حساباتها. فقد قال المسؤولون الروس إن الشركات يمكنها رفع الإنتاج بحوالي 200.000 إلى 300.000 برميل يومياً على المدى القصير ، مع مطالبة الكرملين بـ 500.000 برميل يومياً في وقت لاحق من عام 2020. وتشير بعض التقديرات إلى أنه، يمكن للسعوديين والإماراتيين معاً تعزيز التدفقات بمقدار يصل إلى 3.5 مليون برميل يومياً- ربما 10 أضعاف الحجم الروسي – خلال الفترة المتبقية من هذا العام ، مع حوالي 2 مليون برميل على المدى القصير.

ولكن حتى بدون هذه الزيادات، هناك وفرة من النفط على مستوى العالم. ووفقاً لتقرير سوق النفط الصادر عن وكالة الطاقة الدولية لشهر آذار 2020 ، فإن انخفاض الطلب وارتفاع إنتاج النفط الصخري كان سيجعل السوق العالمية تعاني من زيادة في العرض بأكثر من 3 ملايين برميل يومياً ما لم تقم أوبك بإجراء تخفيضات كبيرة، لكن هذا الفائض يبدو متواضعاً الآن مقارنة بما سيحدث هذا العام.

كانت الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي السابق والسعودية وطوال عقود تعتبر أكبر ثلاث دول منتجة للنفط في العالم، وحالياً تعمل روسيا و السعودية والإمارات على زيادة الإنتاج، متحدية الشركات الأمريكية التي شهدت طفرة في الإنتاج بعد الاستخدام الواسع لتقنية الحفر المعروفة باسم التكسير في أواخر العقد الأول من القرن الحادي والعشرين.

آثار عالمية واسعة وعميقة

قد لا يكرر التاريخ نفسه، لكنه يقدم الأمثلة، ففي عام 1986، فتح السعوديون حنفيات الضخ بمواجهة ارتفاع الإنتاج من بحر الشمال، وكانت النتيجة جيلاً من النفط الرخيص الذي ظل مستمراً  حتى دخول الصيني على خط الطلب المتزايد الأمر الذي دفع بالأسعار للارتفاع بدءاً من عام 2004. وخلال تلك الحقبة من انخفاض أسعار النفط لم يكن لدى الولايات المتحدة سوى القليل من المصادر لمواجهة نمو واردات النفط، وهو ما دفعها للتدخل العسكري في الشرق الأوسط. هل يمكن أن يحدث هذا مرة أخرى؟. الإجابة بالطبع “لا”، لكن عصر الأسعار المنخفضة – أقل من 40 دولاراً للبرميل كما هو الحال الآن- سيجلب سلبيات جديدة ، وربما أكثر إثارة للقلق، وهذه جميعها بالطبع تكهنات، لكن يمكن تخيل الاتجاهات التالية:

  • وقوع أضرار اقتصادية كبيرة في البلدان المنتجة للنفط خارج أوبك وروسيا، بما في ذلك الأرجنتين والبرازيل وساحل العاج وماليزيا وإندونيسيا وأذربيجان وكازاخستان.
  • حدوث اضطراب اقتصادي كبير وربما اجتماعي في دول ذات ديمقراطيات هشة، مثل العراق والجزائر ونيجيريا والغابون.
  • ازدياد حالات الإفلاس والبطالة والاستخدام المرتفع للمخدرات، وحدوث “وفيات اليأس” المحتملة في الولايات الأمريكية التي كانت قد شهدت الطفرة النفطية ، مثل تكساس ونيو مكسيكو ويوتا وكولورادو وداكوتا الشمالية وألاسكا وأوهايو وغيرها.
  • قد يؤدي توفر النفط الرخيص للغاية إلى خفض حوافز الشركات المصنعة للسيارات في سعيها للاقتصاد في استهلاك الوقود والكفاءة ، بما في ذلك الاستخدامات غير المتعلقة بالنقل.
  • يمكن أن يصبح الوقود الرخيص عقبة محتملة أمام النقل الكهربائي بالكامل، والذي يمر الآن في فترة حرجة ، حيث يقوم كبار مصنعي السيارات والشاحنات بوقف خطوط كاملة من السيارات الكهربائية من الآن وحتى عام 2025.
  • انخفاض كبير في قيمة المواد البلاستيكية القابلة لإعادة التدوير حيث يصبح تصنيع البلاستيك الجديد أرخص من تكلفة إعادة التدوير.
  • سيلقي ذلك أهمية أكبر على سياسة الحكومات للمضي قدماً في العمل على خفض الانبعاثات، وبالتالي على السياسة التي لم تثبت بعد موثوقية في هذا المجال.
  • يمكن للنفط منخفض السعر أن يصبح جذاباً بشكل خاص للدول الأقل نمواً (النقل وتوليد الطاقة والتدفئة) التي تمر الآن بتحديث الطاقة ولكنها تفتقر الآن إلى الموارد اللازمة لذلك.

الصدمة الحالية لم تنته بعد، وقد تحدث المزيد من التغييرات الكبيرة في المستقبل، و ما يمكن قوله هو أن آثار النفط الرخيص المتوفر بكثرة لا بد أن تكون متنوعة، ولكن ليس من المرجح أن تكون مفيدة للعالم، فهناك أسباب كثيرة للابتعاد عن الاعتماد على البترول في مجال الوقود.