دراساتصحيفة البعث

منظمة حظر الأسلحة الكيميائية.. أداة سياسية ليس أكثر

ترجمة: علاء العطار

عن موقع “أميريكان هيرالد تريبيون” 11/4/2020

قررت لجنة تقصي الحقائق التابعة لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية أن أسلحة كيميائية استخدمت على الأرجح في سورية، صدر التقرير الأول للمنظمة في 8 نيسان الجاري ووجه أصابع الاتهام إلى سلاح الجو السوري فيما يتعلق بثلاث هجمات وقعت في اللطامنة في 24 و25 و30 آذار من عام 2017.

يزعم التقرير أن فريق التحقيق قام بأنشطته بصورة محايدة وموضوعية، والسبب الوحيد الذي يدعو إلى تصديق محتوى التقرير هو الاعتقاد بأن الفريق أمين وغير متحيز ولا يتبع أي أجندة سياسية.

في الواقع لم يقدم التقرير في صفحاته الاثنين وثمانين أي دليل، ويذكر بوضوح أنهم ليسوا هيئة قانونية تملك سلطة تحديد المسؤولية الجنائية، وأشار منسق فريق التحقيق والمطابقة، سانتياغو أونياته لابورده، إلى أن فريق التحقيق خلص إلى وجود أسباب معقولة تدعم الاعتقاد باستخدام أسلحة كيميائية في هذه الهجمات، وأضاف: “في النهاية، لم يتمكن فريق التحقيق من تقديم أي تفسير آخر مقبول”.

لكن التقرير قدم تفسيرات أخرى، لكنه تمسك برأي شخص واحد لديه بعض الخبرة العسكرية، رغم أن هويته لم تُذكر، وجاء في التقرير: “أشار خبير عسكري يقدم المشورة لفريق التحقيق إلى أن استخدام أسلحة كيميائية في هذه المنطقة لن يتعارض مع إستراتيجية تهدف إلى دب الرعب في قلوب المدنيين والمسلحين…. مع ذلك، أخذ الفريق في اعتبارهم إمكانية وجود حافز لدى الجماعات المسلحة المناهضة للحكومة السورية في شن هجمات كيميائية على المدنيين وعلى مقاتليهم، ليلقوا اللوم على سلطات الجمهورية العربية السورية”.

وجاء التقرير أنه يمكن تفسير الحوادث المزعومة في اللطامنة من خلال سيناريوهات مماثلة، بما في ذلك تجهيز المسرح لشن هجوم بغاز السارين الذي جُلب من مكان آخر، ومن الجدير بالذكر أيضاً حقيقة أن الفريق لم يزر الموقع قطّ، وإنما تحدث مع 20 شاهداً فحسب.

رداً على ذلك، أصدرت وزارة الخارجية والمغتربين السورية بياناً في التاسع من نيسان، جاء فيه: “إن الجمهورية العربية السورية تدين بأشد العبارات ما جاء في تقرير ما يسمى “فريق التحقيق وتحديد الهوية” غير الشرعي وترفض ما جاء فيه شكلاً ومضموناً وبالوقت ذاته تنفي سورية نفياً قاطعاً قيامها باستخدام الغازات السامة في بلدة اللطامنة أو في أي مدينة أو قرية سورية أخرى، وتؤكد أن الجيش العربي السوري ذا المناقبية العالية لم يستخدم مثل هذه الأسلحة في أصعب المعارك التي خاضها ضد التنظيمات الإرهابية المسلحة”.

وأصدرت وزارة الخارجية الروسية بياناً في 9 نيسان، جاء فيه: “أمسى أصحاب التقرير، وبالتالي قادة منظمة حظر الأسلحة الكيميائية، شركاء في الانتهاك المنظم للمبادئ والإجراءات الخاصة بإجراء تحقيقات موضوعية وغير متحيزة المنصوص عليها في اتفاقية الأسلحة الكيميائية، والتي تتضمن ضرورة إرسال خبراء إلى مواقع الحوادث المزعومة، وجاءت أغلب المعلومات التي جمعها فريق التحقيق من المجموعات المسلحة المناهضة للحكومة، ومن منظمات تدعي أنها إنسانية تابعة لتلك المجموعات، بما في ذلك تنظيم الخوذ البيضاء”. وأضاف البيان: “لاحظنا أيضاً أن التقرير يحتوي على إشارات إلى بيانات استخباراتية قادمة على ما يبدو من الدول المهووسة بتغيير السلطة في دمشق، ولا يمكن تسمية ذلك إلا بالتضليل”.

في آذار من عام 2011، بدأ هجوم الولايات المتحدة والناتو على سورية بهدف “تغيير النظام”، وكلفتهم خطّتهم مليارات الدولارات، وكانت تهدف إلى عزل الحكومة السورية  التي تعد جزءاً من محور المقاومة، واستبدالها بنظام موال للولايات المتحدة تتزعمه حركة “الإخوان المسلمين”، إلا أن سورية أثبتت أنها أقوى من الإرهابيين المدعومين من وكالة الاستخبارات المركزية، ما أجبر ترامب في النهاية على قطع تمويلهم، بيد أن خطة الولايات المتحدة والناتو لم تمت موتاً طبيعياً، بل مازالت حية بفضل وسائل اصطناعية، مثل: التقارير المريبة حول استخدام الأسلحة الكيميائية، التي قد تؤدي إلى تدخل عسكري غير مشروع من الولايات المتحدة والناتو، بذريعة “التدخل الإنساني”، كما حدث في ليبيا عام 2011.

كان أوباما هو من زود الإرهابيين المتطرفين بمخطط استخدام الأسلحة الكيميائية في سورية لتتذرع به الولايات المتحدة في تدخلها العسكري، لكن الإرهابيين أكلوا الطعم، فأعدوا الساحة في الغوطة الشرقية لشن هجوم كيميائي وصوروا مقطع فيديو عرض في جميع أنحاء الأرض، وكاد يتسبب هذا الفيديو في تدخل كبير للجيش الأمريكي مخطط له مسبقاً، لكن أوباما أوقف أمر الهجوم عندما أبلغه المختبر العسكري البريطاني أن مصدر السارين المستخدم ليس الجيش السوري.

أرسلت المنظمة فريقاً من الخبراء للتحقيق في مزاعم وقوع هجوم كيميائي في دوما في 7 نيسان عام 2018، لكن فقد التقرير مصداقيته بعد تسريب بريد الكتروني إلى الصحافي المشهور بيتر هيتشن، الذي أكد أن الرسالة أُرسلت من أحد أعضاء الفريق إلى رؤسائه، وكشف فيها أن التقرير معدل لتضليل الحقائق عن عمد.

كما أُعد مقطع فيديو يُظهر ضحايا كانوا يتلقون العلاج في المستشفى بعد وقوع الهجوم، ولا تزال وسائل الإعلام الغربية تعرضه كلما ذُكرت الهجمات الكيميائية في سورية، لكن الأعراض الظاهرة في الفيديو لا تتطابق مع شهادة الشهود في ذلك اليوم، فحُذف هذا التضارب الصارخ عمداً من التقرير.

زار إيان هندرسون موقع الهجوم في دوما، وهو مفتش مخضرم في المنظمة ومهندس كيميائي متخصص من ذوي الخبرة العسكرية، وخلص تحقيقه إلى وجود “احتمال كبير بأن الأسطوانتين وضعتا يدوياً… ولم تلقيا من طائرة”، وخزن السيد هندرسون نسخة من نتائج أبحاثه في “أرشيف الوثائق عندما اتضح أن عمله سيستثنى من التقرير النهائي”، وبعد أن علم مسؤول كبير في المنظمة بإجراءات هندرسون، أرسل رسالة إلكترونية إلى موظفيه قائلاً فيها: “يرجى إخراج هذه الوثيقة من الأرشيف… وأرجو أن تمحوا كل أثر لها، إن وجدت، من الأرشيف، من تسليم وتخزين وأي شيء آخر.

أمست منظمة الأسلحة الكيميائية أداة سياسية في خدمة هدف الولايات المتحدة وحلف الناتو في “تغيير النظام” في سورية، وبدل أن تكون هيئة تحقيق مستقلة تعمل على أساس من النزاهة، قدمت تقارير ربما كُتبت قبل إجراء التحقيق.