دراساتصحيفة البعث

كورونا و الحرب التجارية الجديدة

ترجمة وإعداد: علاء العطار

يعني النقص العالمي في التجهيزات والمعدات الطبية، من أجهزة التنفس إلى أطقم الفحص والكمامات، أن البلدان القادرة على الوصول إلى تلك السلع التي تشتد الحاجة إليها في هذه الظروف، تتمتع بقوة سياسة كبيرة.

وربما يكون بناء حواجز تجارية الحل السريع لمواجهة الأضرار الاقتصادية التي سببتها الجائحة العالمية، ولإزاحة المخاوف السياسية بعض الشيء، ويبدو أن هذا هو الحال فيما تتفق الدول الرئيسية من حيث المبدأ على إيجاد جبهة موحدة أمام الجائحة العالمية، لكنها عاجزة عن التوصل إلى خارطة طريق ملموسة للتعاون، وفشلت مجموعة السبع و مجموعة العشرين في إحراز تقدم ملموس باستثناء تقديم تعهدات شفهية للتعاون، وغالباً ما وقفت التدابير التي اتخذتها هذه الدول في الأسابيع القليلة الفائتة في وجه التعاون الدولي، بل زادت من مستويات الشك والعداء، وكان أبرز هذه الإجراءات إغلاق الحدود، وإنشاء حواجز تجارية، وكانت النتيجة الابتعاد الكبير عن التعاون وصعود الحمائية، خاصة عبر تصدير صادرات السلع الحيوية وزيادة إنتاج الإمدادات التي تشتد الحاجة إليها للاستخدام المحلي فقط.

لا شك أن “كوفيد 19 ” أزمة صحية عالمية، لكن حتى أكثر المتشائمين يعترفون بأن هذا التهديد سينحسر في وقت ما في المستقبل، بالرغم من أن هذا الوقت ما زال موضع تساؤل، من ناحية أخرى، قد لا يتعافى الاقتصاد العالمي بهذه السهولة، في ضوء ارتفاع معدلات البطالة وانخفاض أسعار الأصول في غضون أسابيع، ما أدى إلى تغيير كبير في بنية التجارة الدولية كذلك، ومن المؤكد أن المفاوضات التجارية كانت مدفوعة باعتبارات سياسية بقدر الاعتبارات الاقتصادية، لكن الجائحة سرعت إجراءات الحكومات وزادت حدة لهجتها، ما يعكس تنامي القومية الاقتصادية، بالأخص عبر فرض قيود على التصدير، إذن فكلما استمر انتشار الفيروس، زادت الحواجز التجارية.

لا ريب أن الجائحة حولت معادلة القوة والعملة. فجأة تكتسب الدول القادرة على إظهار قدرتها على السيطرة على انتشار الوباء وتأمين الرعاية الصحية اللازمة مزيداً من الاحترام، في المقابل، تفقد الدول غير المجهزة للتعامل مع العدوى بريقها وتأثيرها العالمي بسرعة، ويعني النقص الحاد في التجهيزات والمعدات الطبية أن الدول القادرة على الوصول إلى إمدادات كافية من هذه السلع الضرورية تتمتع بقوة سياسية كبيرة، لكنها تبني حواجز تجارية لضمان بقاء هذه السلع داخل حدودها، بدل السعي إلى ممارسة نفوذها في سبيل تعاون دولي أكبر، أمثال فرنسا وألمانيا وكوريا الجنوبية، التي شرعت قوانين لحظر تصدير الأجهزة الطبية، بما في ذلك أجهزة التنفس ومعدات الحماية والكمامات، وهي أجهزة مطلوبة بشكل مستعجل وبأعداد متزايدة في جميع أنحاء العالم، رغم أنها كانت تتشدق كل حين بكلمة “الإنسانية”، أين هي الآن من الإنسانية؟

تزداد التدابير الوقائية لمنع تصدير الأدوية الضرورية إلى الخارج، إذ تتطلع الولايات المتحدة لحماية نفسها على حساب الدول الأخرى، حيث ورد أن البيت الأبيض يحاول شراء شركة أدوية ألمانية ضالعة في أبحاث إيجاد لقاح لفيروس “كوفيد 19” ونقلها إلى الولايات المتحدة وصناعة المنتج النهائي لتستخدمه الولايات المتحدة فقط، ما يعني أنها لا تمنع وصول الإمدادات الطبية الضرورية إلى الدول التي لم تذعن لمطالبها فحسب، بل أنها تنوي حرمان العالم من أمل حصوله على اللقاح أو الدواء في حال أنتجته، وهذا يكشف وجهاً جديداً لها أقبح من سابقه.

لقد تطور المشهد التجاري بلا شك بسرعة انتشار فيروس كورونا، وبين هذا الفيروس مدى هشاشة سلاسل التوريد، خاصة وسط تصعيد الولايات المتحدة حربها التجارية مع الصين على مدى السنوات الثلاث الفائتة، وبين أيضاً ضعف نظام الإنتاج الحديث لإنتاج السلع الاختصاصية بشكل مفرط، وحتى حين ينحسر فيروس كوفيد 19 ويحاول العالم العودة إلى أعماله الاعتيادية، سيضطر المصنعون إلى إعادة تقييم أنظمتهم الإنتاجية، وسيكون الهدف إقامة توازن بين الكفاءة والتحوط من مخاطر مستقبلية غير متوقعة بما في ذلك الكوارث الطبيعية والتغير السياسي والأزمات الصحية العالمية وغيرها من الأحداث التي لا يمكن التنبؤ بها، وهذا ما سيعزز التجارة العالمية في النهاية.

لكن كلما طال أمد الجائحة، زادت صعوبة الخروج من دائرة إقامة الحواجز التجارية باسم الأمن الاقتصادي، ومن المؤكد أن الدعوات إلى إيجاد مزيد من السلع المهمة بما فيها الأدوية المصنعة محلياً ستكتسب قوة أكبر، وستزداد التوقعات حيال نقل الشركات المصنعة مصانعها إلى بلدها الأم، في الوقت نفسه، قد تُضطر دول كالولايات المتحدة، التي امتنعت عن إتباع سياسات صناعية حتى الآن، إلى إتباع نهج تنازلي في تحديد الصناعات الحيوية والاستثمار فيها، ومن المتوقع ارتفاع القومية الاقتصادية، خاصة مع انخفاض رغبة المستهلكين والشركات في السفر بعيداً. لقد تغير المشهد التجاري بشكل كبير بفعل الجائحة، ومن المستبعد أن تعود العلاقات العالمية إلى ما كانت عليه قبل تفشي الفيروس.