ثقافةصحيفة البعث

في ذكرى عيد الجلاء.. انتصارات جديدة تتحقق

 

أمينة عباس

لم تكن الانتصارات التي حققها ويحققها الجيش العربي السوري وتضحياته الكبيرة في حربه اليوم ضد الإرهاب إلا استمراراً للتضحيات التي أورقت في يوم الاستقلال دفاعاً عن الوطن وسيادته، ففي السابع عشر من نيسان عام 1946 نالت بلادنا حريتها مع خروج آخر عسكري فرنسي من أراضيها وتحقيق الاستقلال لتتجدد في كل مرة المعاني السامية لهذه المناسبة العظيمة مع كل حرب نخوضها، فتكون المنارة التي يهتدي بها أبطالنا وشعبنا في رفض أي محتل أو غازٍ لأرضنا .

لن تضيع البوصلة

يرى الكاتب د. نزار بني المرجة أن احتفال الوطن بذكرى الجلاء يأتي هذا العام بعد تسع سنوات عجاف من الحرب والعدوان المتواصل على سورية، أثبت خلالها شعبنا وجيشنا البطل أنه شعب جدير بالحياة بعد التضحيات الجسام وتقديمه آلاف الشهداء والجرحى فداء لحرية الوطن، حيث يحقق جيشنا كل يوم انتصارات جديدة على الأرض في حرب مركبة ومعقدة ومتعددة الاحتلالات، والتي بدأت تنحسر بعد تهاوي أعداء سورية يوماً بعد يوم لنرى بأم العين أن سورية التي انتصرت بالأمس وكان الجلاء قادرا اليوم على صنع جلاءات وانتصارات جديدة على كل قوى وشراذم الاحتلال والعدوان على أرضنا العزيزة، ولتصدح حناجر الشعراء السوريين والعرب لتتغنى بأفراح الجلاء ولتوثقَ لتلك الفترة المجيدة من تاريخ سورية الحديث عبر القصيدة والقصة والرواية لتخليد بطولات أولئك الشهداء والأبطال التي صنعت ملحمة جلاء المستعمر عن أرض الوطن وتكريس ما أبدعوه في المناهج ووسائل الإعلام والمراجع التي يعود إليها الباحثون والدارسون لتلك المرحلة الهامة من تاريخنا، لتكون ذخيرة لتنشئة الأجيال اللاحقة على الإيمان بحرية الوطن وتعزيز ثقافة المقاومة في نفوسهم، مع تأكيد بني المرجة على أنه في ظل بطولات جيشنا ورجال مقاومتنا سنكون قادرين دوماً على أن نقول لكل محتل وغاصب هيهات منا الذلّة، فنحن شعب لن يضيع البوصلة ويعرف كيف يعبّد طريقه بدماء الشهداء وبطولات الأبطال وصولاً إلى الانتصار .

الضربة القاضية

لا تستطيع الأديبة غادة فطوم إلا أن تنظر للجلاء بضمير الأمة، مؤكدة أن السابع عشر من نيسان هو حالة مفصلية بين أمة خلعت رداء الذل والاستعمار والقهر وأمة ذات سيادة ولها وجود على خارطة العالم، مشيرة إلى أن الجلاء كان ولادة بعد مخاض عسير توّجت في نيسان الربيع، مبينة أنه ما بين مخاض الأمس واليوم ما زالت سورية تعيش حربها ضد الإرهاب والعقول المتحجرة، لتعيش بكرامة وإباء بتضحيات الجيش العربي السوري الحامي الأول لهذا الوطن وهي استمرار لذكرى الجلاء العظيم ومتابعة العيش بشموخ وكرامة، منوهة كأديبة إلى أن ذكرى يوم الجلاء لم تفتْها، ففي رواية “كنا هناك” تحدثت عن أهلنا في الجولان ولقائهم مع أحبتهم في عين التينة وتواصلهم من خلال مكبرات الصوت ودوي الأغاني الوطنية في ذكرى المناسبة التي هي مسألة وجود ووطن مستقل يعتز بكرامته ويستمد شموخه بالاستقلال بعيداً عن هيمنة المستعمر الذي يسعى لفرض نفوذه وسلخنا عن هويتنا ووجودنا، وفرض هذا الوجود برأيها لا يتحقق إلّا من خلال الاستقلال وطرد الغاصب، وكان ذلك وكانت الضربة القاضية حينها للاستعمار الفرنسي الذي ذُهل من التنسيق بين أطياف المجتمع السوري وقادة التحرير من جبل العرب إلى الساحل السوري والشمال والجنوب والداخل الذين هبّوا هبّة واحدة في وجه الفرنسيين لتحقيق الجلاء والاستقلال للوطن بعد تضحياتهم التي كان من واجب أدبائنا توثيقها، وهذا ما فعله شعراء وكتّاب القصة والرواية .

جلاء قادم

ويبيّن الناقد د.عبد الله الشاهر أنه في عيد الجلاء تورق ذاكرة دمشق عشقاً تمتد أوراقه الوارفة على حواريها وروابيها وساحاتها وقاسيونِها، فيرتدُّ صدى التاريخ أهازيج عزّ وإباء، فتستيقظ روابي ميسلون معلنة قيامتها الدائمة فتستفز الذاكرة الوطنية الحقة لتفيض عطراً بإكسير الكرامة والإباء والبطولة التي سطرها رجال أبطال نستلهم منهم حب الوطن ووحدة التراب، مبيناً الشاهر أن سورية اليوم ورغم جراح شعبها الأبيّ تستذكر الجلاء الذي جاء بعد مخاضٍ عسير وتضحيات جسام، لتؤكد في هذا اليوم أن ثمّة جلاء قادما يجلو الغيمة الظلامية السوداء التي تحاول أن تعيد سورية إلى زمن الاستعمار البغيض، فهذه الأرض المقدسة المجبولة بدماء الشهداء ترفض الدنس وتأبى الذل والهوان، ولأنها أرضٌ خصبة كانت دائماً تلد الأبطال والمقاومين والقادة العظام.. من هنا ومن موقع الجلاء نعصب الجرح ونمضي سعيدين ونحن نعلم يقيناً أننا المنتصرون لأننا على حق، ومن يكن على حق لا بد أن ينتصر، وسورية انتصرت وستنتصر بفضل جيشها البطل الذي أذهل العالم بصموده وقوة عزيمته، لذلك يؤكد الشاهر أننا عندما نستذكر الجلاء فإن الكلمات الثكلى تموت ويهرب الحزن من دواخلنا معلنة مجد سورية وشعبها العظيم الذي أنجب هؤلاء الأبطال الذين كتبوا بالدم ملحمة الاستقلال وقد صار الجلاء مفهوماً وقيمة وفكراً وثقافة.

منارةٌ وسلام

وما أشبه اليوم بالأمس.. هكذا بدأ الشاعر تركي إدريس كلامه بالحديث عن ذكرى يوم الجلاء، فبعد هذه السنوات الطويلة من الحرب الظالمة على بلدنا تغير الاسم برأيه، ولكن المجرم نفسه هو الاستعمار وأعوانه الإرهابيون في الداخل والخارج، وهو مؤمن أنه كما حرّرنا بلدنا من دنسِ الاستعمار الفرنسي سنحرّرها من الإرهاب وداعميه وأدواته، فسوريّة للسوريين، أما الإرهاب والاستعمار فليس لهم مكان في سورية بلد التقدم والتسامح والتعايش المشترك وبلد الأمن والأمان، مشيراً إلى أنه كشاعر سبق وأن كتب قصيدة بمناسبة عيد الجلاء :

نيسان أقبل زغردي يا شام  ذكرى الجلاء منارةٌ وسلام

ليكتب  اليوم  قصيدة عن تحرير سورية من الإرهاب وداعميه :

زالَ الغمامُ الأسود عن شامنا    وبدا الجمال بوجهها الخلّاب

وتبدد الإرهاب وانبلج الضّحى  وتعانقت بسمائِها الأكواب

ويوضح تركي أن ذكرى هذه المناسبة العظيمة تتجلى في حياتنا بالفخر لأنّنا انتزعنا حريّتنا ملقّنين الاستعمار الغاشم دروساً في البسالةِ والبطولةِ لنيل الاستقلال الأمر الذي فتح أبواب الأمان والسلام والعلم لأبناء الوطن ليبنوا وطنهم بأيديهم وخبراتهم وحريتهم بما يتلاءم مع مصلحة شعبهم.

علامة فارقة

وتبين الكاتبة سوسن ع رضوان أنه في السابع عشر من نيسان عام 1946 أشرقت شمس الحرية في بلدنا التي أنهكها رزوحها تحت نير استعمار تكالبَ على أرضها حتى كادت تفقد وجودها لولا مناعة إيمانها بالتراب وبعزتها التي أمدتها بقوة وعزيمة، فهب الجميع من رقاد الاستسلام وشقوا طريقهم من خلال يقظة شبابها وتفتّح عقول مثقفيها، موضحة أن ما مرت به بلدنا منذ ما يقارب القرن هو ما تجلى بما عانته في حربها الأخيرة مع المستعمر وأذنابه والتي استمرت أكثر من تسع سنوات تصدت من خلالها لأشرس فلول الاستعمار، فدفع شهداؤنا الأبرار الدم زكياً، وقدمت سورية الغالي والنفيس دفاعاً عن الأرض والعرض منذ غزو المستعمر الفرنسي إلى الآن، فقرن من الزمان ليس كافياً ليجف دم ثوارنا الأحرار الذين حمّلونا أمانته في أعناقنا، وها نحن منذ تسع سنوات، وشباب جيشنا الباسل أثبت أن الوطن لنا ومجده بأيدينا، مؤكدة أن عيد الجلاء هو علامة فارقة في زمن الربيع من كل عام وقد ساهمت هذه المناسبة في رفد المعاني والقيم التي استوحاها أدباء هذه الفترة، فظهر ذلك في براعة يراعهم وبلاغة مفرداتهم وقد عبروا خير تعبير عن ربيع فرحهم الذي تفتح عزة، وفي كل نيسان من كل عام ومنذ ثلاث وسبعين عاماً تتفتح قرائح الأدباء كما تتفتح بذار الأرض لشمس الفرح والتغني بهذه المناسبة على الرغم من أن التسع نيسانات الأخيرة التي مرت على بلادي جعلت للفرح معنى آخر يتميز بالتمسك بكل شبر من الأرض بعدما رويت بدم شهدائنا الأبرار، منوهة إلى أن أدباء نيسان الجلاء قدموا الكثير تعبيراً عن الفرح وقد وقفوا على نافذة الضوء التي عبرت منها بلدنا بعد عتم دام زماناً أسود، إلا أنهم غفلوا أن سورية لها قيامة بعد كل كبوة وكانت هذه الحرب القذرة مادة محرضة جعلت الكثير من أدبائنا يقفون على الضفة المقابلة لحملة البنادق المدافعين عن الأرض والعِرض، فكان للقلم  فعل الرصاص، فكُتبت روايات وقصائد بحبر القهر، مشيرة رضوان إلى أنها لم تعش زمن الاستقلال إلا من خلال ما أخبرها به والدها، فكتبت مجموعة نثرية ورواية عرضتُ في أحد فصولها تردي بعض النفوس المريضة التي قلّت مناعتها للكرامة، فضعفت أمام المال.. وأكدت رضوان أن الأدباء الذين كتبوا عن فرحة الجلاء تركوا للأجيال القادمة بصمة عز يستعرضون من خلالها ما مرّ ببلاد أجدادهم الثوار وقيمة ترابها الذي حملوا أمانة المحافظة عليه وبخاصة أن العدو واحد وأذنابه كثر .