دراساتصحيفة البعث

الفيروس يحرف الأنظار عن طبول الحروب..

إعداد: سمر سامي السمارة

 

كان لظهور فيروس كورونا عواقب كثيرة على صحة وسبل عيش الملايين من الناس، ومع ذلك كانت هناك عواقب أخرى يبدو أنها لم تحظ بالكثير من الاهتمام، إذ يمكننا ملاحظة الاختفاء شبه التام لأخبار الحروب على سورية والعراق من المنافذ الإعلامية الغربية التي لطالما تجاهلت “التزامها المفترض” بتقديم تقارير نزيهة ودقيقة عن حقيقة الصراعات الجارية في الشرق الأوسط.

افتعلت الولايات المتحدة بدعم من مؤيدها الأسترالي المخلص وحلفائها في العام 2003- بعد غزو أفغانستان غير المشروع في تشرين الأول لعام2001 ، الحرب التي دخلت عامها العشرين وما زالت موضوع تضليل مستمر وكذب مباشر- أزمة تتعلق بالعراق. هذه المرة كانت الذريعة “أسلحة الدمار الشامل” التي زُعم أنها هددت حياة وسلامة الغرب “المحب للديمقراطية”.

وقبل 5 سنوات، قررت الولايات المتحدة وحلفاؤها أن الوقت قد حان لغزو دولة أخرى ذات سيادة، فكانت سورية. هذه المرة كانت الذرائع مختلفة، “مرة بحجة محاربة الإرهاب وأخرى لحماية المدنيين”. وهي ذريعة تستخدمها الولايات المتحدة للتلطي خلف مفهوم قانوني مريب للغاية وهو “حق الحماية” إذ تستطيع بموجبه الولايات المتحدة والدول الغربية “حماية” مواطني الدول التي تزعم أن حكوماتها غير قادرة على القيام بذلك. وبناءً عليه أنشأ الأمريكيون في البداية عدداً من القواعد العسكرية في سورية، كما فعلوا في العراق وعارضوا عسكرياً أي محاولات من قبل الحكومة السورية الشرعية لممارسة أي شكل من أشكال الرقابة على هذه القواعد. في موازاة ذلك، تظهر القوى الغربية الخاضعة لسيطرة الولايات المتحدة غطرسة ووقاحة لا مثيل لها فهي حتى الآن لم تبرر تدخلها من الناحية القانونية في الشأن السوري. على أي حال، هذا التبرير لن يكون له أي أساس قانوني مادامت إحدى المناطق التي تحتلها قوات الولايات المتحدة هي المنطقة المنتجة للنفط في سورية. إذا أخذنا على سبيل المثال البرلمان الأسترالي ووسائل الإعلام الأسترالية، نجد أنه نادراً ما يُذكر في البرلمان الوطني مشاركة استراليا في ثلاثة حروب. صحيح أن المعارضة العمالية اعترضت على تورط البلاد في غزو العراق واحتلاله، ولكن في سنوات حكمها الست بين عامي 2008 و 2014 لم تفعل شيئاً مطلقاً لسحب القوات الأسترالية من ذلك البلد.أما بالنسبة لسورية فيستهجن ذكرها، لأنه في حال أظهر البرلمان الأسترالي فعلياً قدراً من النزاهة والمصداقية وطالب بسحب قواته من الحروب التي فرضتها الولايات المتحدة، فمن يدري أي عقاب يمكن أن يطاله  فذكرى مصير رئيس الوزراء ” غوف ويتلام” في عام 1975 الذي خطط لإغلاق قاعدة التجسس الأمريكية “باين غاب” في الإقليم الشمالي، لا تزال تسيطر على الحكومات الأسترالية المتعاقبة.في أوائل عام 2020، استعادت الحكومة العراقية درجة كبيرة من الشجاعة ومررت بالإجماع قراراً يطالب بخروج القوات الأمريكية، وتم توجيه هذا القرار بشكل واضح إلى الولايات المتحدة وشماعاتها مثل أستراليا. كان رد فعل الحكومة الأسترالية صمتا مذهلا، و ماطلت وزارتا الدفاع والخارجية في اتخاذ أي قرار في انتظار الإرشادات من أسيادهم في الولايات المتحدة. وعندما أعلنت الحكومة الأمريكية أنها لا تنوي مغادرة العراق، ارتفع صوت الحكومة الأسترالية الصامت لتؤكد بقاءها في المستقبل المنظور. وهنا لا بد لأي مراقب للمشهد أن يسأل، كيف يمكن للحكومة الأسترالية أن توفق بين هذا القرار والتزامها المزعوم بسيادة القانون الدولي الذي تعلن الالتزام به؟.أصبح واضحاً أن الكثير من الأحداث الهامة حصلت في الأسابيع الأخيرة، ولكن أرقام المصابين والوفيات بـ كورونا احتلت العناوين الرئيسة وتم تجاهل مسائل ذات أهمية مثل الحرب والسلام وحقوق الحكومات ذات السيادة.  وبحسب إحصاء تم مؤخراً، اضطرت الولايات المتحدة لإغلاق ثماني قواعد عسكرية في العراق بهدف الدمج في عدد أقل من القواعد الخاضعة لحراسة مشددة. وبعدها توقف الأمريكيون تقريباً عن العمليات العسكرية غير الجوية، مدركين أن الكره الذي يكنه العراقيون لوجودهم المستمر قد وصل إلى الذروة  لدرجة أنه من غير الآمن بالنسبة لهم المغامرة خارج قواعدهم المحصنة المتبقية.لكن رغم ذلك مازالت حرب الدعاية مستمرة ، إذ تزعم الولايات المتحدة وحلفاؤها أن المشاكل في العراق سببها إيران، بينما واقع الحال يثبت أن وجود القوات الإيرانية الذي لا تعترف به وسائل الإعلام الغربية و تواصل تصويره بشكل سلبي  كان بناء على دعوة وبدعم من الحكومة العراقية الشرعية، أما المشاكل الحقيقية التي يعاني منها العراق فهي تتمثل بـ الغزو غير القانوني منذ 17 عاماً، وسرقة الموارد الطبيعية للبلاد من قبل الغزاة غير المرغوب فيهم.