رأيصحيفة البعث

استئناف الحرب الباردة!!

أحمد حسن

تتزايد الدلائل المؤشّرة على اقتراب انتهاء إعداد المسرح العالمي لاستئناف الجولة الثانية من الحرب الباردة، التي انتهت جولتها الأولى بسقوط جدار برلين وما تلاه من انهيار شبه كامل لأحد أطرافها الرئيسيين، سواء في بنيته الجغرافية والسياسية أم في نظامه الاقتصادي وحامله الإيديولوجي.

وظاهر الأمر أن اللوازم والمعدات أصبحت شبه جاهزة، الممثلون الرئيسيون، الكومبارس، السيناريو “الحمولة الأيديولوجية، والحبكة” الصاعق، و”البلطجي” المجنون، مع ملاحظة تغيير واحد عن النسخة الأولى، وهو اسم العدو الجديد.

فمن جهة الممثلين الرئيسين، تقف واشنطن على رأس “العالم الحرّ” باعتبارها، كما في السابقة، ودائماً، الجانب الخيّر، يقابلها – وهذا الجديد – الصين الشيوعية الشمولية!!، وبالطبع سيضيف إليها الإعلام “الحر” ومراكز “الثينك تانك” صفات شيطانية جديدة لتثقيل الحمولة الإيديولوجية التي تقول إنهم، أي الصينيون بالمطلق، لا يؤمنون بنظامنا الحرّ وقيمنا الديمقراطية ويسعون لتحطيمنا بالكامل، وثقافتهم الغريبة في الطعام – وهذا استحضار مباشر لمقولة صراع الحضارات – هي، إذا استبعدنا النيّة العمدية (ونحن لا نستبعدها نهائياً) التي تسببت بالكارثة “الكورونية”، وتلك هي الحبكة – الصاعق.

وإذا كانت الحرب أولها كلام – على ما قالت العرب – فـ “ترامب”، سيد الكلام “التويتري”، كفيل بكل ما يلزم في هذا المجال، وقد قال الكثير، بدءاً من لازمة “الفيروس الصيني” التي لا يخلو منها خطابه إلا لماماً، وقد تلقفها “الاعلام الحرّ”، وطبعاً العربي التابع، ثم جاءها الدعم الثقيل من “قادة” على وزن “ماكرون” وغيره، وما يعنيه ذلك من محاولة تحميل المسؤولية الكاملة لبكين عن تداعيات “الفيروس” المرعبة على العالم أجمع، وصولاً إلى النتيجة المنطقية لذلك: “سنحاسبها على ما فعلت”، وهذا يعني أولاً الحصار الاقتصادي وطلب التعويضات المالية، ثم يأتي الباقي بالتدريج.

والحال فإن “الفيروس” وتداعياته – على ما تقول دروس التاريخ – ليس إلا الدافع المباشر الظاهري للحرب الجديدة، فيما الحقيقة تتوارى خلفه كستار مناسب وكاف هذه الأيام، وأولها: إن السبب الرئيسي لاستئناف الحرب هو السبب الرئيسي المعتاد للحروب كلها، السابقة واللاحقة، أي الصراع على “الماء والكلأ”، وإن بتسميات وإضافات جديدة تواكب العصر، وثانيها: إن الرأسمالية بطبيعتها تحتاج موضوعياً إلى عدو دائم – لو لم تجده لاخترعته – يساعدها في استكمال شروط ضبط الداخل ونهب الخارج، أي السيطرة على النظام العالمي وثرواته ومقدراته، وثالثها: إن الصين، ومنذ فترة ليست بالقليلة، هي العدو الاستراتيجي المباشر لنخبة واشنطن ومجمعها الصناعي العسكري، لأنها تجاوزت الخط الأمريكي الأحمر في الاقتصاد والمتمثّل في “الانتقال من موقع المستورد للمعرفة التكنولوجية ذات المنبت الغربي، إلى موقع المبتكر الريادي المستقلّ في هذا المجال”، يضاف إليها أنها أصبحت اليوم أنموذجاً دولياً مضاداً يقدّم بديلاً مقارناً – حتى أمام دول من المعسكر الغربي التقليدي – بعد نجاحها، حتى الآن، في مواجهة كورونا، وتقدّمها، اللافت، بالمساعدة لمن يحتاج، مقابل النموذج الأمريكي الأناني والمتوحّش.

ويبقى رابع هذه الحقائق، أن الحرب، باردة أو ساخنة، أصبحت مطلباً ملحّاً للدولة العميقة في واشنطن للخروج من الأزمة الاقتصادية، ولصرف الانظار عن فشلها داخلياً وخارجياً – كدولة قائدة – في مواجهة الجائحة الجديدة.

هو إذاً مسرح الحرب الباردة الجديدة وتلك أطرافها، وكما لم يستفد “الاتحاد السوفييتي” من مساهمته الكبيرة في إنهاء الخطر النازي لاستمالة الدول الأوروبية الكبرى لجانبه، لا يبدو أن مساعدات الصين الإنسانية لدول الغرب ستغيّر بصورة كبيرة في الاصطفافات الدولية الحالية، لذلك عليها الاستعداد للحرب بالتضامن مع المتضررين من سيطرة النيوليبرالية المتوحشّة على العالم، وهذا يحتاج إلى مقاربة أكثر جرأة، واندفاعاً، وحسماً، لقضايا العالم الاستراتيجية.

ولأن التاريخ حين يكرّر نفسه يكون في المرة الأولى ملهاة وفي الثانية مأساة، فمن الضروري، في خضم هذه الخطوات المتسارعة لاستئناف الحرب الباردة، الإشارة إلى مفارقة ملفته مفادها أن الرجل الذي يشعل النار تحت قدر الحرب الباردة خارجياً، يوقد النار في الوقت ذاته، بسياساته الغريبة، تحت قدر حرب ساخنة في الداخل، وربما، نقول ربما، كان في ذلك خلاصاً مرحلياً للعالم .. ونؤكّد على “مرحلي” لأن الصراع مستمر، فتلك سنّة الحياة وسرّها المعلن.