تحقيقات

لايسر الخاطر .. حال أسواق طرطوس.. فوضى وتجار يسرحون ويمرحون !

فرضت جائحة كورونا ومخاطرها على العالم ثقافة جديدة وربما غريبة عن مجتمعنا التي لطالما تغنينا بها، وهي علاقة التعاضد والتكاتف بين أبناء المجتمع الواحد، والعمل بروح الجسد والقلب الواحد إلا أن سياسة وثقافة الاقتصاد الحر الذي دفعنا جميعناً ثمن نتائجه الكارثية علينا، حيث باتت قاعدته التي تقوم على العرض والطلب بمفهومها العكسي هي وحدها القائمة والمحددة لمتقلبات السوق وما يحتاجه المستهلك في ظل قوانين مكبلة ومحكومة بهذه القاعدة “البلهاء.”..!.

فلتان وفوضى
أسواق مدينة طرطوس التي يسودها الفلتان والفوضى والجشع، ولاسيما الخضار والفواكه التي تم الحديث عنها بأنها تساعد على تقوية جهاز المناعة، ومنها البرتقال والليمون والفريز والثوم والبصل بالدرجة الأولى، حيث وصل سعر الكيلو الواحد من برتقال البلنصيا الذي يعتبر أقل قيمة ومنظر مقارنة باليافاوي بأكثر من 700 ليرة وكيلو الفريز لأكثر من 3000 ليرة في حين وصل سعر كيلو الثوم فقط لأكثر من 5000 ليرة ! في حين طال ارتفاع الأسعار معظم المواد من الخضار والفواكه بشكل فلكي فكيلو البطاطا المصرية 1000 ليرة والمحلية 700ليرة، بالإضافة للمعلبات من السردين 650 ليرة، مع الإشارة لوجود لوحات التسعير والإعلان عنها بشكل يدعو للسخرية والاستهجان للمواطن من جهة، ومن جهة أخرى لموظف التموين الذي يقف عاجزاً عن فك “شيفرتها”..!!، وكأن هذه المحاولات لم تعد مكشوفة ومفضوحة لكل متابع لجهة من يحدد آليات التسعير وكيف تتم تلك الآلية، ومن هم أبطالها الحقيقيون الذين يقومون بها لتصل في نهاية هذه السلسلة المتوالية من الاستغلال والتحكم بلقمة عيش المواطن بعيداً عن أي شفقة ورحمة بحال العباد، ولا سيما بعد اضطرار الكثيرين لإغلاق محلاتهم وغياب أي مصدر من الدخل اليومي، بالإضافة لشريحة الموظفين التي تعتبر الاكثر تضرراً.

المواطن الفقير
أحد تجار سوق الهال المخضرمين وله باع طويل وخبرة طويلة في هذا الكار أشار إلى أن تجار المحلات الصغيرة التي تقوم بالبيع المفرق هم ضحايا كما هو حال المواطن الفقير العادي، حيث يتعرضون للابتزاز والاستغلال البشع من قبل حيتان سوق الهال الذين يقومون بتحديد معظم السلع الواردة للسوق من قبل تجار لهم “وزنهم ” في أسواق الهال في بقية المحافظات، كما أن لهم حظوتهم أمام الجهات المعنية بالتالي بإمكانهم تحديد سعر أي مادة وفق مصلحتهم الشخصية وبعيداً عن أي اعتبار، ولاسيما بعد دخول بعض حديثي النعمة “وفق تعبيره” السوق والذين يفتقرون لأي بعد إنساني وهمهم الأول والأخير جني المزيد من الأرباح الخيالية والتحكم بالسوق ولفت ع-م في حديثه إلى أن دور مندوبي التجارة الداخلية محدود جداً وربما عديم التأثير والفعالية لجهة الاعتراض، ولاسيما فيما إذا تقاطعت مصلحتهم مع مصلحة كبار تجار السوق أو تم “تظبيطهم” وبالتالي تخرج لائحة الأسعار وصولاً لتجار المفرق بهذه الآلية المتفق عليها مسبقاً ليلاً، حيث ينشط عمل هؤلاء “الحيتان” وطالب ع-م بضرورة العمل بتغيير القانون الناظم لعمل أسواق الهال، والعمل على ضرورة ضبط عملها بطريقة تحقق مصلحة كل من الطرفين البائع والمستهلك بحيث يحقق الأول ربحا مقبولاً من جهة و من جهة أخرى لا يتضرر المزارع الذي هو اللآخر ضحية ابتزاز التاجر له الذي يقوم بإيداع بضاعته لديه على شكل أمانة لجملة من الأسباب، وهنا يقوم السمسار والبازار بتحديد الأسعار بحسب أهواء الكبار الذين يتواصلون فيما بينهم هاتفيا من خلال “دارة مغلقة ” أو من قبل تجار السوق الواحد وختم ع-م حديثه قائلا: أليس من الغريب أن يرتفع سعر البلنصيا ويصبح يساوي أكثر الأصناف تميزاً من حيث السعر… بالمقابل برر أبو حسان صاحب محل سمانة وبيع الخضار والفواكه هذا الارتفاع بالنسبة لبعض الخضار والفواكه كون الموسم في نهايته والسبب الأخر لكون معظم المواد تأتي من خارج المحافظة، لافتاً إلى أنه هو اللآخر ضحية ابتزاز تجار سوق الهال وجشعهم، وبالتالي فليس بالإمكان سوى الالتزام بوضع التسعيرة رغم قناعته الصريحة بأن هذه الأسعار خيالية.

أسعار زهيدة
وبدوره عبّر المزارع أبو أمين عن استهجانه لحال تسعيرة كيلو البطاطا في الأسواق، والتي تفوق كثيراً ما يشتريه منه تجار السوق بأسعار زهيدة جداً مقارنة لارتفاع أسعار مستلزمات الإنتاج وأجور النقل، وهو صاحب الموسم أو الرزق، وهو الذي يتحمل كل شيء من الخسائر في حال تعرض الموسم لأي تلف كما حصل للعديد من المحاصيل في سهل عكار جراء العواصف أو الأمطار الغزيرة أو لأسباب أخرى مختلفة، في حين يذهب هذا الفارق لتجارالهال نظراً لرضوخه لما يحدد له من قبلهم كونهم يقومون باستلام البضاعة ووضعها كأمانة لحين تحديد الأسعار من قبل سمسارة يعرفون جيداً كيف يمتصون دمه وعرقه في ظل غياب تام لكل من غرفة الزراعة الذي يتحدى أبو أمين بقوله من يعرف ما هي وظيفتها وعلاقته بها وما هو دورها بخلاف واقع حال غرف الصناعة والتجارة، وكذلك الغائب الأكبر تنظيمه الفلاحي المعني بالدفاع عنه، وهو العارف بكل شيء والعاجز عن فعل أي شيء جراء سياسة العرض والطلب وإن كان على حساب ما بقي للمواطن من فتات عيشه في ظل هذا التغول الذي لايرحم من قبل تجار السوق واستغلالهم لحاجته وابتزازه في ظل عجز لدوريات تجوب الأسواق بحسب ما صرح به المراقب التمويني “محمد” بالقول: دورنا محصور بمراقبة الأسواق وتنظيم مخالفة عدم الإعلان عن التسعيرة، وكذلك البضائع منتهية الصلاحية بحسب القانون الناظم لعملنا الرقابي .!

كميات كبيرة
مع ان التنظيم الفلاحي في المحافظة حاول جاهدا خلال الفترة الماضية من خلال جمعياته وروابطه الفلاحية المنتشرة في المحافظة على استجرار كميات كبيرة من البطاطا المنتجة في سهل عكار وطرحها بالأسواق دون وسطاء أو سماسرة وبحسب مضر أسعد رئيس اتحاد فلاحي طرطوس بأن هذه الخطوة التي تسجل لجمعياتنا الفلاحية تأتي كمحاولة لكسر السوق والعمل على إيصال مادة أساسية ويومية إلى المواطنين سواء في المحافظة، وكذلك بقية المحافظات بسعر الكلفة تقريبا بما يضمن تسويق المنتج وتخفيف الأعباء المادية عن كاهل مزارعنا من جهة ومن جهة أخرى تأمين حاجة السوق، وهذا جراء متابعة واهتمام مباشر من قبل المحافظ .

“مرارة السؤال”
بعد كل هذا الإمعان في فوضى السوق وفي ظل استغلال البعض لظروف البلد بسبب خطر تفشي هذا الوباء يبقى من المفيد طرح السؤال الأكثر مرارة كيف نتحدى خطر “كورونا المستجد مع طمع تجارنا وحيتان السوق ضد لقمة عيشنا!؟.
لؤي تفاحة