محليات

هل يصلح كورونا ما أفسدته المفاصل.. العمل عن بعد يهز عرش بيروقراطية العام.. والخاص مقيد بـ”حجر” الإنترنت

دمشق ــ ريم ربيع

فرضت الظروف الجديدة وتفشي فيروس كورونا في أغلب دول العالم التوجه إلى العمل عن بعد عبر شبكات الاتصالات والانترنت، وتفاوتت نسبة نجاح هذه التجربة بين دولة وأخرى، أو حتى بين شركة وأخرى وفقا للبنى التقنية فيها والقدرة على التواصل بسهولة، فهناك الكثير من الشركات العالمية اتجهت لهذا المنحى منذ سنوات معتبرة أن هذه الطريقة أكثر مرونة في الحصول على أفضل المواهب العالمية، وبأقل التكاليف، وتوفير نفقات البنية التحتية، وزيادة في الإنتاجية، إلا أن القسم الأكبر من الشركات كان لايزال في الخطوات الأولى والتأسيسية للعمل عن بعد دون أن يكون مهيّأ بالكامل بعد، إلا أن الانتقال السريع لعدوى الفايروس لا يمكن أن ينتظر تأسيس بنى وعقلية جاهزة للانتقال الذي فُرض على ملايين الموظفين في العالم.

لا يوجد قالب موحد لوصف التجربة في سورية، فالقطاع العام بطبيعته البيروقراطية أبعد ما يكون اليوم عن أساليب العمل عن بعد، حيث أن أغلب المعاملات ورقية، ولم تنجز المؤسسات أرشيفها الالكتروني بالكامل، فضلا عن المراسلات بين مؤسسة وأخرى المعتمدة كليا على البريد الورقي، فهل تصلح كورونا ما أفسده الدهر، و”تفتح العين” مجددا على الواقع المترهل تقنيا للقطاع العام، وتسهم في إعادة تنظيم العاملين بحيث يكون كلّ منهم منتجا في موقع عمله؟ّ فاليوم تدور أحاديث بين المزح والجد لمدراء مؤسسات حول الوفر المحقق بعد عطلة أغلب الموظفين! مع الإشارة هنا إلى أن أغلب الكوادر، سواء مدراء أو موظفين، لا يملكون التدريب والمهارات التقنية اللازمة للعمل عن بعد، ما يزيد من صعوبة المهمة.

أما القطاع الخاص فقد سُجّلت له خطوات جيدة في هذا المجال، حيث أمنت بعض الشركات مستلزمات العمل لموظفيها في بيوتهم، معتمدة في ذلك على مرونة عملهم وقاعدة البيانات الالكترونية الجاهزة لديهم. ومن خلال متابعتنا وجدنا أن بعض الشركات ألزمت الموظفين بدوام متواصل عبر الانترنت لسبع أو ثمان ساعات، مع الحفاظ على التواصل بينهم عبر اجتماعات الفيديو، وهناك شركات اختارت الطريق الأقصر عبر الحسم من رواتب الموظفين غير المداومين على مبدأ “البعيد عن العين بعيد عن الراتب!”.

تقول مها الريّس مديرة الموارد البشرية في شركة قطاع خاص أن تقييم التجربة الجديدة عموما في سورية سيكون مظلوما نظرا لرداءة سرعة الانترنت التي لا تتجاوز 1 ميغابايت عند أغلب الموظفين، فمن الطريف أن إحدى الشركات السويسرية اعتبرت أن الحد الأدنى لسرعة الانترنت حتى ينجح العمل عن بعد يجب أن يكون 50 – 100 ميغا بايت!

وتضيف الريّس: لولا الورقيات لكانت بعض الشركات استغنت كليا عن الذهاب لمقر العمل، أما الآن فقد تم التنسيق بحيث يتواجد أدنى حد ممكن من الموظفين في مكاتبهم لإتمام الأعمال الورقية، والباقي يتابع عمله من المنزل، معتبرة أن الوفر المحقق من اتباع هذه الطريقة ظهر جليا من الأسبوع الأول للتجربة، ما سيفتح آفاقا جديدة وجديّة لتطوير نظام العمل عن بعد مستقبلا.

من جهة أخرى فإن للعمل الصحفي شجونه أيضا في ظل تقييد الحركة، ففي حين تعتبر ميزة العمل عن بعد متاحة للصحفي في أي وقت، يفترض ألا تختلف ظروف عمله بشكل كبير مع الإجراءات الجديدة، غير أن ولادة التصريح الصحفي في أغلب المؤسسات العامة يتطلب عملية قيصرية حتى يرى النور، مرورا بلقاءات وموافقات عدة، حيث يرفض بعض المسؤولين اليوم فكرة التصريح عبر الهاتف أو الانترنت دون لقاء شخصي متكبرين على “بساطة” عمل الصحفي حسب تعبيرهم! فضلا عن إصرار بعضهم الآخر على تقديم الطلب بشكل رسمي عبر المكتب الصحفي الذي اتضح أنه التزم بدوره بإجراءات الحجر على ما يبدو! وهو ما لاحظناه لدى محاولاتنا المتكررة التواصل مع أحد المكاتب الصحفية دون جدوى، سواء عبر الاتصال على رقم المكتب أو الرقم الشخصي للمسؤول عن المكتب أو التواصل عبر الانترنت، فالحجر الصحي طال التصريحات الرسمية ودوامة الموافقات للحصول على جواب ما يعرقلها انتظار رضا المكتب الصحفي وخروجه من العزل!

عموما، ورغم محاولات قليلة ناجحة يصعب الحديث اليوم عن انتقال جزئي أو كلي للعمل عن بعد في سورية، فالبنية التحية غير ملائمة، والساعات الطويلة لانقطاع التيار الكهربائية كفيلة بقطع أي تواصل، دون أن نغفل البطء الشديد في الانترنت الذي توّج بتطبيق نظام الباقات ليضع حدا أمام أي تجربة للعمل، سيما إذا كان يعتمد على إرسال مقاطع فيديو أو ملفات ذات حجم تخزين كبير، علما أن السبب الرئيس لتطبيق الباقات حسب وزارة التقانة والاتصالات هو تحسين جودة الانترنت المستمرة بالتراجع يوما بعد يوم..! وبذلك تبقى هذه التجربة المتواضعة خلال الحجر فرصة لتسجيل الملاحظات والعمل على تطويرها.. “إن وجدت الرغبة بذلك!”.

&&&&&