ثقافةصحيفة البعث

لا بدّ من المحبّة.. من الحياة

ثمّة إجماع بين الأديان والرسالات السماوية ، والمثيولوجيا ، والمدارس الفلسفية والإصلاحية والفكرية والأدبية على المحبّة كفعل حضاري أخلاقي يجب العمل به أو عليه للوصول إلى مجتمع سليم متماسك معافى، ينبذ القبح والعنف والشر ويسعى بكل مفرداته إلى تعزيز وتكريس الجمال والسلام والحب ..

بالمحبّة كسلوك يؤكد الإنسان بأنه خليفة الله على هذه الأرض، وبأنه الأبهى إن لم نقل القاموس الجامع لكل مفردات الله المسطورة في آفاقه ..

إنه الإنسان الحامل والناشر والمحصّن والمدافع عن الحب الذي قال فيه فيلسوف ذاك الزمان أوغسطين: (أحبوا وافعلوا ما شئتم). ولأن عامل المحبة إن توافر لا يفرز إلا الخير والجمال اللذين يورثان السكينة لكل الوجود وممكنات الوجود. وقبل أوغسطين قالت الأنبياء والرسل بذلك وبعده أيضاً، إذ قال السيد المسيح: أحبوا بعضكم بعضاً كما أحببتكم.. وقال الرسول محمد (ص): لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه.. وقالت.. وقالوا.. في المحبة.

ولأن الحضارة السورية تعود إلى عشرات آلاف السنين، ولأن سورية قدمت للبشرية جمعاء مختلف الإنجازات الحضارية من فن وإبداع وموسيقى وفلسفة وعلوم وفلك.. إلخ، التي أبدعتها أنامل وعقول وقلوب سكانها نتيجة حيويتهم الذهنية والبدنية والروحية فخرجت من بين أناملهم أول مدونة موسيقية.. وأول الألوان، وأول.. وأول، فكانوا الأوائل بحق بكل مناحي الحياة حتى من زراعة وصيد وتدجين.. إلى أن صدّروا للعالم كل العالم أعظم وأغنى وأول أبجدية عرفتها البشرية، فمن أوغاريت عرف العالم وتعلّم مبادئ رسم الحروف.. ومن شواطئ سورية أبحرت السفن الفينيقية إلى كل العالم حاملة وناشرة الحضارة والخير والسلام والديمقراطية والحرية بأرقى مفردات الحب.. ولأن سورية أعطت العالم نخبة أبنائها فحكموا العالم ملوكاً وقياصرة وأباطرة وبطاركة وباباوات ورموز فكر ودين وفلسفة وشعر وطب وفلك وهندسة.. إلخ، ولأنها الأغنى بين دول العالم تراثياً (الظاهر والمكتشف منها على الأقل) من حضارات (أوغاريت، ماري، تدمر، إيبلا.. إلخ )، ومن قلاع ومسارح وكنائس وأديرة وأقنية مائية.. لأن سورية مركز نور وإشعاع حضارة وسلام وحرية.. حاولوا وما زالوا إطفاء أو إخماد نورها تارةً بأفواههم وتارة بأياديهم.. فعمدوا إلى تصدير ثقافات مغايرة (ثقافة الموت) بمفردات مغايرة للحالات البديهية التي تربت عليها وربت أبناءها.. ثقافة موت بمفردات مرعبة مقززة، ثقافة التخريب والتدمير للمؤسسات وللبنى التحتية.. ثقافة التهجير والشتات والمخيمات..

ولأن سورية أعطت ومنحت وصدّرت أرقى مفردات الحب والسلام والحياة للعالم كل العالم، عمد وعمل أعداء الحياة وأبناء العتمة والأقبية الرطبة، أبناء القبح والرذيلة، إلى تصدير الخراب والدمار والموت لها.. أتوا إلينا بثقافتهم وأخلاقياتهم وبمفردات شبّوا عليها وشابوا .

ولأننا في سورية كنّا وما زلنا وسنبقى نصرّ على الحياة، كان لا بد من الحب والخير والسلام.. لابد من النور والجمال والشمس لنبقى نؤكد للعالم كل العالم بأننا أصحاب حق بالحياة وسنبقى نعمل على تصدير ثقافة الحب والخير والحرية والسلام، إذ ليس لنا من مخرج مما نحن فيه من خراب على كل الأصعدة إلا بالمحبة.. وبقدر ما نحن قادرون على ممارستها كفعل حضاري، بقدر ما نحن قادرون على إلحاق الهزيمة بأساطين الحياة..القبح وسدنة الشر.. فكيف لا ونحن أبناء الحياة.

عباس حيروقة