زواياصحيفة البعث

يوم أنجد المحاصَرون محاصريهم

د. مهدي دخل الله

أعاجيب عدة أظهرتها جائحة كورونا عن غير قصد منها.

لعلها كشفت حقيقة كانت غائبة عن الوعي المعولم، وهي أننا جميعاً متساوون تماماً في التعامل مع الطبيعة. لطالما أكد الوعي المعولم أن العالم قرية صغيرة، لكنه في الوقت نفسه رأى في القرية طبقات ومراتب. هناك من هو في “القمة” ومن هو متموضع باتجاه الأسفل وصولاً إلى “الدرك الأسفل” وما تحته.

كورونا لغت المراتب في القرية وأثبتت بما لايقبل النقاش أن ما يصيب الدرك الأسفل يصيب القمة بالمستوى نفسه والشدة نفسها.. بل إنها سخرت من هذه المراتب مشيرة إلى أن ما أصاب ” القمة” أسوأ بكثير مما أصاب من هم في الأسفل.. لعلها سخرية القدر أو تعبير عن قدرة القوانين الطبيعية على اثبات نفسها..

بشرية واحدة تقابل عدو واحد.. لا طبقات ولا فئات ولا تراتب!.. كلنا في مواجهة واحدة موحدة..

ولعل اصعب ما هزّ النفسية العامة في دول الهيمنة والاستعمار الجديد هو هذه المساواة المفروضة فرضاً بحكم الطبيعة!.. وعلى الرغم من آلام هذه الدول إلا أنها مازالت تصر على أن هناك “قمة” وهناك “درك أسفل” في هرمية اخترعتها وصدقتها!..

لكن العجائب تخطت “المساواة” أمام العدو المشترك.. أكدت الأحداث أمراً جاء كصاعقة أصابت بنية الرأي العام العالمي المعتاد على التمييز بين ما هو “فوق” وما هو “تحت”..

عملياً ظهر أننا لسنا متساوين أبداً في الالتزام الإنساني، وأن من كان الغرب يعتقدهم “درجة ثانية” أثبتوا أن فلسفتهم في فهم هذا العالم تتخطى الايديولوجيا والسياسة والمصالح إلى مستوى رفيع من الشعور الإنساني..

هل كان هناك من يتصوّر بأن كوبا الصغيرة المحاصرة منذ ستين عاماً سوف تنجد بلداً متطوراً وأساسياً في حلف الناتو اسمه إيطاليا؟؟..

أنزل أبناء الشعب الإيطالي علم الاتحاد الأوربي ورفعوا علم كوبا والصين وروسيا في مشهد كان مستحيلاً قبل اشهر ..

ثم لأول مرة منذ الحرب العالمية الثانية نرى الجيش الروسي بآلياته وتجهيزاته الطبية في عقر دار الناتو.. في إيطاليا. لعل الرئيس بوتين أراد إرسال رسالة مفادها أن الجيش الروسي ليس للحرب فقط وإنما هو لمساعدة الناس حيثما كانوا حتى لو أنهم مواطنو الحلف المعادي.. الناتو !…

والصين أيضاً أرسلت دعماً مهماً لأوروبا وللولايات المتحدة نفسها في نمط جديد من العلاقات الدولية، حيث أنجد المحاصرون محاصريهم..

لقد قلبت كورونا الهرم على رأسه.. لكن المعيار كان بالنسبة للدول المحاصَرة معياراً إنسانياً اي أنه غريب تماماً على دول الناتو التي لم تبد حتى الآن أي استعداد للتحوّل..

 mahdidakhlala@gmail.com