دراساتصحيفة البعث

تقرير منظمة حظر الأسلحة الكيميائية.. دخان يحجب الحقيقة

ترجمة وإعداد: علاء العطار

لم تبلغ صحيفة الغارديان عن الحرب على سورية على مدى العقد الفائت بما يتناسب بأي طريقة مع الصحافة الصادقة، بل كانت تميل باستمرار لتشويه سمعة الحكومة السورية، ولا زالت أداة أساسية في الحرب الدعائية على سورية، وأغلقت “التعليق المجاني” على موقعها في المقالات المتعلقة بسورية، لأن بإمكان القرّاء المطّلعين رؤية ما تخفيه من دوافع، وكانوا يكتبون تصحيحات محرجة.

ولطالما كانت تعتمد لغتها على مفردات تخدم الدعاية التي تهدف لتشويه صورة الحكومة السورية، مثل “النظام” و”الموالون للأسد” و”المتمردون” و”المعارضة المسلحة” و”الثورة” و”الحرب الأهلية”، وما إلى ذلك من مفردات خبيثة لا تنتهي، ولطالما وجّهت “تغطيتها” نحو الضرر الذي تظن أن باستطاعتها إلحاقه بالحكومة السورية. في الواقع، إن دعمها لمن تدعوهم “بالمتمردين” وتضمين الحكومات التي تسلّحهم وتموّلهم، فاقمت الضرر الذي لحق بسورية وشعبها، الذي تشير جميع الأدلة أنه يدعم رئيسه وجيشه بأغلبية ساحقة، وليس حفنة “المتمردين”.

وتلتزم الغارديان الصمت حينما يتعرض “متمردوها” لما يستحقونه من “ضرب”، إلى أن تسنح لها فرصة جديدة للإساءة للدولة السورية، فتراها تنبض مفعمة بالحياة، وخير مثال على ذلك عندما أصدرت منظمة حظر الأسلحة الكيميائية آخر تقرير لها عن استعمال أسلحة كيميائية في سورية، فقد سارعت الغارديان وشقيقتها “ذي أوبزيرفر” إلى القول: ” لأول مرة تتهم هيئة رقابة الأسلحة الكيميائية العالمية القيادة السورية بشكل مباشر بإصدار أمر يقضي بشن هجمات غير شرعية على شعبها”، معلنة الاتهامات التي وجهتها مصادر مخفية وكأنها حقيقة.

واتضح أن تقرير منظمة حظر الأسلحة الكيميائية ما هو إلا دخان كثيف يحجب الحقيقة، وليس مستغرباً ألا تكترث الغارديان والأوبزيرفر بالتمييز بين الحقيقة والأكاذيب التي تشكل دخاناً يحجبها، فإن غمامة الأكاذيب في نظرهما تصلح كأدلة، فما تدعوانه “هيئة رقابة الأسلحة الكيميائية العالمية” ما هي إلا كلب حراسة يحمي مصالح الحكومات التي تهاجم سورية باستخدام وكلاء مسلحين، وتعمل الغارديان والأوبزيرفر نفس عمل تلك الهيئة، ما يعني في حالتهما حماية تقرير فاسد قادم من مصدر فاسد.

كشف فاضحو الفساد في العام الماضي أن المدير التنفيذي في منظمة حظر الأسلحة الكيميائية منع نشر التقرير المؤقت الذي أصدرته بعثة تقصي الحقائق بشأن الهجوم الكيميائي المزعوم على دوما في نيسان عام 2018، وأصدر تقريراً نهائياً معدّلاً، عكس فيه النتائج التي توصل إليه الخبراء.

خلص التقرير النهائي إلى أن الأسطوانة ربما أُسقطت من الجو، مع أن مهندسيه توصلوا إلى أن “الاحتمال الأكبر” يدل على وضعها يدوياً في الموقع، أما فيما يخص الكميات الكبيرة من غاز الكلور التي أشار التقرير إلى أنها انطلقت من هذه الأسطوانة، ما أسفر عن مقتل 43 شخصاً وفقاً لـ “شهود” مجهولي الهوية، وجد كيميائيو المنظمة أن جزيئيات الهواء الدقيقة لا تختلف عن جزيئيات الهواء الطبيعي، وفي 20 كانون الثاني من هذا العام، قال رئيس فريق التفتيش في دوما التابع للمنظمة، واسمه إيان هندرسون، في جلسة لمجلس الأمن الدولي، إن الدلائل تُشير إلى عدم استخدام أسلحة كيميائية على الإطلاق في دوما.

وحين كُشف سلوكها الاحتيالي، حاولت أمانة المنظمة نبذ أدلة مهندسيها وعلمائها الذين فضحوا فسادها بحجة أنها “غير موضوعية”، لكن الضرر الذي لحق بمصداقيتها لا يمكن رأبه، وأكد سعي الغارديان والأوبزيرفر لدعم تقرير فاسد من منظمة فاسدة على الطبيعة الفاسدة لتقاريرهما وافتتاحياتهما حول سورية.

ولم تعد المنظمة في تقريرها الأخير، الذي صدر في 8 نيسان، إلى ما حدث في دوما في عام 2018، بل كان التقرير يتمحور هذه المرة حول هجمات الكلور والسارين التي قيل إنها نفذت في اللطامنة في 24 و25 و30 آذار من عام 2017، وهي بلدة كان يسيطر عليها آنذاك تنظيم “هيئة تحرير الشام” الإرهابي، وغيره من الفصائل الإرهابية الأخرى.

لقد تسترت المنظمة عن كل مصادرها ، وهو أمر لا يبعث على الدهشة بالنظر إلى درجة التزييف الذي حدث في تقريرها عن دوما، فتراها تتحدث عن شهود، باعتبار أن محققيها لم يكونوا متواجدين داخل سورية في الحال، فلا بد أنهم شهود مزعومون، إذ لم تذكر من هم وأين كانوا عندما أجريت المقابلات معهم، على الأرجح أنهم كانوا في تركيا بعيدين عن الحدث، ولم تذكر انتماءاتهم، على الأغلب أنهم ينتمون لتنظيم “الخوذ البيضاء” الإرهابي أو لأحد التنظيمات الإرهابية الأخرى.

يتحدث التقرير بثقة كبيرة عن سلسلة أدلة، بما في ذلك شظايا القذائف التي قيل إنها نُقلت من الحُفر إلى مختبرات معينة لم تُحدّد، دون أن يذكر مطلقاً من حمل هذه المواد إلى خارج سورية، على الأرجح أنه أحد التنظيمات الإرهابية التي افتعلت الحوادث الثلاث، بالتعاون مع النظام التركي.

وتتضمن هذه السلسلة المعلومات “التي حُصل عليها” خلال المقابلات، والمعلومات “السابقة” التي قدّمها “شهود عيان”، والمقابلات مع “أشخاص ذوي شأن” إلى جانب أدلة من “شهود عيان” آخرين مجهولين يزعمون أنهم شهدوا الهجمات، مجدداً، هؤلاء هم شهود زور على هجوم مفبرك وأشخاصٌ يُزعم أنهم تضرروا من هذه الهجمات المزعومة، ولم تجري مقابلاتهم في سورية، وتقرير فريق التحقيق لا يقدّم أي دليل على صحة ما يدعونه.

وتتضمن مصادر فريق التحقيق الأخرى مقاطع فيديو و”وثائق” مجهولة الهوية، إلى جانب “مواد ذات صلة” من “مصادر متنوعة”، وبيانات موجزة ونصائح من “خبراء ومتخصصين” مجهولي الهوية، ومعلومات من “مصادر مفتوحة ومؤسسات جنائية” غير محددة.

ولاحظ “خبير عسكري” يعمل مع فريق التحقيق أن التنظيمات الإرهابية استخدمت الأنفاق في اللطامنة، و”أشار إلى أن استخدام أسلحة كيميائية في هذه المنطقة لن يتعارض مع إستراتيجية تهدف لإرهاب المدنيين والمسلحين”، وبالطبع، لن يكون متعارضاً أيضاً مع المحاولات المؤكدة التي قامت بها التنظيمات الإرهابية لإغراء الحكومات الأجنبية بشن حرب جوية على سورية عبر فبركة هجمات كيميائية، وذلك على أساس أدلة “مقنعة” سابقة، وما يثير الاستغراب أن فريق التحقيق أشار في تقريره إلى احتمال فبركة الهجمات، لكنه لم يعط الأمر قدراً من الأهمية.

يدعي الفريق أنه “تلقى معلومات” بأن 176 شخصاً أُدخلوا المستشفى بعد هجوم السارين المزعوم في 24 آذار، لكنه أقرّ بأنه لم يتمكن من تحديد مكان السجلات الطبية، من الواضح أن لهذه السجلات أهمية كبرى في تأكيد ما حدث، مع ذلك، لم يحاول الفريق توضيح سبب عدم تمكن مصادره من تصوير نسخ لسجل واحد أو اثنين على الأقل من هذه السجلات، إن كان هناك ضحايا بالفعل.

ويدعي الفريق أنه أجرى مقابلات مع الضحايا والطاقم الطبي الذي وصف أعراض وجدها علماء السموم تتوافق مع تأثيرات غاز أعصاب، لكن غاز السارين في الواقع قوي جداً حتّى إنّه قادر على قتل شخص بغضون عشر دقائق، ويعاني من ينجو منه من تلف دائم في الدماغ، ما يثير مزيداً من الأسئلة بشأن استخدامه المزعوم في اللطامنة، ولا يوجد في التقرير ما يُشير إلى أن أولئك الضحايا المزعومين خضعوا لفحص طبي في سورية أو أينما أُجريت المقابلات معهم لاحقاً، فلو كان فريق التحقيق مصمماً على الوصول إلى الحقيقة، لكان لذلك أولوية قصوى في نظره.

لم تذكر منظمة حظر الأسلحة الكيميائية أنها هي من أعلنت إزالة المواد الكيميائية المتبقية في سورية، وهي من أعلن في آب عام 2014 أنها دمرتها كليّاً، وفي كانون الثاني عام 2016، أكدت المنظمة نفسها أن تدمير مواد الأسلحة الكيميائية في السنوات الثلاث الماضية قد اكتمل، وها هي الآن تعيد إصدار ادعاء لا أساس له بأن الأسلحة لم تُدمر، لتعطي بذلك مصداقية زائفة لاتهاماتها بأن سلاح الجو السوري أسقط أسلحة كيميائية وغاز أعصاب على اللطامنة وحولها.

إن مكان هذا التقرير ليس خزانة الملفات، بل سلة المهملات، بعد أن دمرت منظمة حظر الأسلحة الكيميائية مصداقيتها بإصدارها لهكذا تقارير دنيئة، وإنها تحتاج لتنظيف كبير، بدءاً من إقالة مديرها العام والأمانة بأكملها، وإلا يجب استبدالها بهيئة جديدة ذات مصداقية، وليس هيئة تعمل لمصالح الولايات المتحدة وحلفائها.