تحقيقات

التربية الجمالية .. دور مهم لدمج الطفل في المجتمع

تنمية الوعي الجمالي عند تلاميذ وطلبة المدارس مسألة في غاية الأهمية، لأن ذلك يساهم في تعدّد الأفكار والطلاقة والسلاسة في التعبير الفني، وهو -بحسب علم النفس- يوصل الإنسان إلى مرحلة يستفيد فيها بحياته مما تعلمه وخزنه من خبرات جمالية. لذلك ونظراً لأهمية التربية الجمالية في حياتنا اليومية يسعى التربويون جاهدين لتعزيزها في المناهج انطلاقاً من احترام الطفل وتقديراً لشخصيته تعبيرياً ونفسياً وفنياً وجمالياً.

رفض كل شيء قبيح
يؤكد الدكتور وائل خطار الباحث في التربية الجمالية في كلية التربية بجامعة دمشق، أن التربية الجمالية لا تقلّ أهمية عن التربية الروحية أو التربية العقلية أو التربية الخلقية أو حتى الجسدية، فهي بمجملها تستهدف الإنسان روحاً وجسداً، لافتاً إلى أن اعتياد الطفل على رؤية الجمال في بيته وفي المدرسة وفي كل مكان ينمّي الذائقة الجمالية عنده لكل شيء في محيطه، وبالتالي هو سيرفض كل شيء قبيح ويستبدله بالجميل والمريح.
وبيّن خطار أن التربية الجمالية تعالج ضعف الثقافة الجمالية لدى المتعلمين، لذلك هي ضرورية وخاصة في المراحل الدراسية الأولى لأنها تجعل الحياة في عيون الأطفال والتلاميذ جميلة، كما أنها تنفعهم في استثمار وقت فراغهم في تذوق الفن وإنتاج الجمال وتقديره، وبالتالي تكون التربية الجمالية بطريقة غير مباشرة ملكة الحكم لديه على الأشياء التي يتعامل معها ويراها في محيطه، كما تساهم التربية الجمالية في تنمية التذوق الفني والجمالي والتعبير عن النفس والذات فنياً وتشكيلياً وتجعل الطالب يحب الجمال في أشكاله كافة. وأوضح أن التربية الجمالية تساهم بشكل كبير في دمج الطفل بالمجتمع وتشجعه على الابتكار والخلق، وهذا ما جعل الكثير من المربين يدعون لاعتماد التربية الجمالية ضمن المناهج.

دور المعلم
ورداً على سؤال بخصوص دور المعلم في تعزيز قيم التربية الجمالية، أكد الدكتور خطار أن المعلم الحقيقي للجمال هو الفنان المؤهل تأهيلاً تربوياً جيداً والمثقف فنياً وجمالياً والذي يتمتّع بذوق جمالي ويستطيع استيعاب الجمال وتذوقه، مضيفاً: إن مهمة معلم التربية الجمالية هي توجيه طلابه عند التعبير والاستمتاع معاً بحيث يعبّر الطالب عن بعض أحاسيسه وأفكاره ومشاعره، ومن خلال هذا التعبير يحصل على نوع من الاستقرار والاتزان النفسي الذي من دونه يشعر بالقلق وعدم الاطمئنان في حياته، مشيراً إلى أن عملية التعبير تتطلب ممن يخوضها تغييراً أو تبديلاً أو ابتكاراً من شأنه أن يزيد الشعور بالقدرة على العطاء والعمل الإيجابي الذي من دونه لا يشعر الإنسان بوجوده وكيانه.

تربية وجدانية سليمة
وقال: نحتاج اليوم إلى تربية وجدانية سليمة ومتكاملة وتربية عقلية، وهذا ما يعمل عليه معلم التربية الجمالية، وأشار إلى ملاحظة (لا بد بداية أن يكسب الطفل خبراته الجمالية بجهده الخاص دون أن يتدخل المعلم في البداية بتوجيه تلك الخبرة أو تحليلها أو نقدها).
وللتربية الجمالية –برأي خطار- ضرورة لتبصير الناشئين بماهية الإبداع والابتكار في مجالات عدة تخدم المجتمع وأهدافه وذلك من خلال تنمية الإحساس والشعور بالجمال والإبداع الموجود في الطبيعة. وأشار إلى أن فقدان التربية الجمالية يسيء إلى المجتمع لمدى بعيد وأعطى مثالاً (الفرد عندما يسير في الشارع ويرى أكواماً من القمامة ملقاة بشكل فوضوي، ويسمع الشتائم على مسمع من المارة وخاصة الأطفال والنساء فهذا كله يكسب النشء عادات سيئة).
من هنا –يقول خطار- فإن الشعوب والمجتمعات تتميّز فيما بينها من خلال مدى انتشار القيم الجمالية الثلاث (الحق– الخير– الجمال) وبانعدامها ستتلاشى من السجل الإنساني ومن عداد المجتمعات البشرية.

السؤال المهم

ورداً على سؤال بخصوص موضوع التربية الجمالية ومدى حضورها في مفردات المناهج بمدارسنا وجامعاتنا، بيّن الدكتور خطار أن موضوع التربية الجمالية في المدارس والمعاهد والجامعات لا يزال بحاجة ماسة لإعادة نظر وتطوير وتحديث، مشيراً إلى أن جُلّ ما يعطى في هذا المجال قائم على الإشارات المكثفة والمعلومات القاموسية المبتورة ووجهات النظر الأحادية الجانب التي لم تعد منسجمة وموائمة للوضع الجديد لعالمنا والتطورات التي طرأت عليه. وأضاف: إذا أردنا إنقاذ ما نستطيع إنقاذه، علينا الإجابة عن السؤال الآتي: كيف نربي الإنسان المعاصر تربية جمالية وتطوير ذائقته الجمالية ليتمكّن من التواصل العميق مع ثمار المخيلة المبدعة سعياً للكشف عن أوجه الحياة المليئة بالأمل والحب والتفاؤل والجمال؟.
هو سؤال مهم بلا شك نضعه بدورنا برسم المعنيين بالأمر في وزارتي التربية والتعليم العالي، فنحن اليوم أحوج من أي وقت مضى للتربية الجمالية والفنية بعد أكثر من تسع سنوات حرب دمّرت الحجر وأحرقت الشجر وقتلت البشر، وقضت على الكثير من الأشياء الجميلة في حياتنا، فكم نحن بحاجة للفرح والعودة إلى تذوق الجمال بكل مجالاته.

غسان فطوم