زواياصحيفة البعث

الحلم الأوروبي في مهب كورونا

سنان حسن

أسقط كورونا وبالضربة القاضية نفاق الساسة الأوروبيين ودجلهم، وكشف عن وجههم الحقيقي الذي لطالما حجبوه بحديثهم عن الديمقراطية والحرية والتضامن المزعوم بين الشعوب الأوروبية، كما وكشف التباين والفروق بين دول الاتحاد على أسس مختلفة “شمال وجنوب”، ودول كبرى وأخرى ملحقة وثالثة بلا أي رأي سوى التنفيذ والطاعة، فهل حانت لحظة الحقيقة ليتفكّك الاتحاد بعد كل الرهانات على أنه الحلم الأول والأخير القادر أن يعيد للقارة العجوز إمبراطورياتها الغابرة؟.

شكّلت الدعوة الفرنسية لألمانيا المنهزمة بعد خمس سنوات من انتهاء الحرب العالمية الثانية، اللحظة التاريخية لبدء بتأسيس الحلم الأوروبي، وتتالت المحطات بعد ذلك، من إنشاء السوق الأوروبية المشتركة في 1957، مروراً بدخول أعضاء جدد في 1973، والتوقيع في 1992 على معاهدة ماستريخت، وصولاً إلى اعتماد اليورو في 2002 كعملة موحّدة، لتبدأ بعدها المشاكل تظهر من رفض فرنسا وهولندا للدستور الأوروبي في 2005، وكارثة الرهن العقاري 2008 وما خلفت من أزمة مالية كبرى، إلى قضية اللاجئين 2015، وبريكست 2016، والتي عدها الساسة الأوروبيون غيمة صيف ستمر لأن بريطانيا منذ البداية لم تكن مندمجة بالكامل ضمن الاتحاد، والدليل استمرار علمتها الجنيه الإسترليني على الرغم من الاتفاق على اليورو، إلى أن وصلنا إلى جائحة كورونا التي كشفت عن أزمة كبرى داخل الاتحاد، وفق ما قالت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل: “إن أزمة كورونا المستجد تمثّل أكبر تحد يواجهه الاتحاد منذ تأسيسه”، فيما كان رئيس الوزراء الإيطالي جوسيبي كونتي أكثر صراحة عندما قال: إن الاتحاد “قد يفقد سبب وجوده”، فهل بالفعل بدأ العد العكسي لتفكّك الاتحاد الأوروبي؟

منذ التأسيس، شكّلت المصالح الاقتصادية والتكامل بين دول الاتحاد اللبنة الأولى للمنظومة الأوروبية، وعليه فإن الحديث عن تضامن مفقود في أوروبا ما هو إلا ذر للرماد في العيون ومحالة لحرف الأنظار عن قضية جوهرية في صلب عمل الاتحاد وهي تحكّم دول الشمال بالجنوب، فألمانيا، الدولة الشمالية الأقوى في الاتحاد، هي من تفرض سياستها المالية والاقتصادية على باقي الدول، وما حدث مع اليونان خلال أزمة ديونها مثال ساطع على ذلك، واليوم تلعب نفس الدور مع إيطاليا وإسبانيا بتشدّد أكبر في رفضها تقديم أي دعم مالي إلا بشروطها، فماذا عن شعوب تلك الدول هل ستبقى تؤيد فكرة الوجود داخل الحظيرة الأوروبية؟، أم أن مزاجها سيتغير؟.

لقد رأينا كيف قام الإيطاليون بالتعبير عن غضبهم بتمزيق العلم الأوروبي ورفع علمهم الوطني، ما يعني أن تلك الدول ستبحث عن مصالحها الوطنية قبل تحقيق شروط الاندماج مع أوروبا، وستسعى إلى تأمين تعاون اقتصادي مع دول من خارج القارة، الصين مثلاً، لإعادة بناء منظوماتها الاقتصادية والاجتماعية والصحية.

والحال في ظل الظروف القائمة فإن الساسة الأوروبيين مطالبون بأن يبحثوا عن طرق جديدة للتعامل في المنظومة الأوروبية، تزيح خطر أكبر قضية تهدد حلمهم، فقبل كورونا ليس كما بعده، وما كان يصلح بالأمس لن يعود ذا نفع في اليوم والمستقبل، وبالتالي إذا ما بقيت الدول المتنفّذة على موقفها ورفضها تقديم العون للدول المتضرّرة، إلا بشروط الإذلال، فإن جميع الخيارات مطروحة، ومن يعلم فقد تغصّ مكاتب بروكسل بطلبات خروج من الاتحاد تضيّع ما تبقى من حلم أوروبي هذه المرة إلى الأبد؟