ثقافةصحيفة البعث

الصيام في الأديان والحضارات القديمة

تمتلك الديانات السماوية ركناً أساسياً للصوم توليه أهمية خاصة، فالصوم عند اليهود واحد من أقدم التشريعات وهو يشبه إلى حدّ كبير الصيام في الإسلام، بالامتناع عن الطعام والشراب وكل مشين من قول أو فعل، إضافة إلى تحريمهم للاستحمام وانتعال الأحذية الجلدية وغسل الأسنان، وتغيير الملابس والعمل والتعطر في أثناء الصيام.

ويختلف طقس الصيام في المسيحية عن الصيام في الإسلام، حيث يسمح للصائم، بعد فترة انقطاع، بالطعام والشراب بشرط الابتعاد عن المنتجات الحيوانية كاللحوم والألبان ومشتقاتها، وهناك أيام  عدة للصيام منها، الصوم الكبير وهي صيام الأربعين يوماً المقدسة وهي التي صامها المسيح إضافة لصوم أسبوع الآلام، وهناك صيام يومي الأربعاء والجمعة من كل أسبوع.

أما في الإسلام، فالصيام ركن من أركان الإسلام الخمسة، ويكون بالامتناع والإمساك عن الطعام والشراب والشهوات، وكل ارتكاب شائن من فعل أو قول، ويبدأ من الفجر وحتى غروب الشمس، ويبدأ الصيام برؤية هلال الشهر، ويختلف موعده سنوياً حسب التقويم الميلادي.

الصيام في الحضارات القديمة

بعيداً عن الديانات السماوية يمتد تاريخ الصيام إلى أقدم الحضارات الإنسانية القديمة، فهو فلسفة روحانية، ارتبطت بالإنسان المتصوف الذي يسعى للتجرد من المادة وإلى نقاء الروح، وكان لها ارتباط وثيق بالصفاء النفسي والذهني والنقاء الروحاني والعلاج البدني والتطهير ومكافحة الأمراض التي قد يتسبّب فيها الإسراف بشكل عام .

تقرب من الإله 

الصوم عند الفراعنة هو تقرب للإله، فكانوا يصومون للنيل كونه مصدر الخير والعطاء بالنسبة لهم، كما صاموا لأيام لها معنى عندهم، مثل أيام الحصاد، أما الصيام الذي كان مقرراً لعامة الشعب فهو ثلاثة أيام من كل شهر، وهناك صيام أربعة أيام في بداية كل سنة، إضافة لنوع آخر من الصيام يقتضي تناول الخضار والماء لمدة سبعين يوماً، أما صيام الكهنة فيرتبط بعبادة إله الشمس ويبدأ من طلوع الشمس إلى الغروب، ويشمل الأكل والنساء وقد يصل إلى حوالي الأربعين يوماً.

وسطية واعتدال

السيخ ديانة من ديانات الهند، ولا يعدّ الصيام لدى هذه الديانة فرضاً ولا واجباً بقدر ما هو وسيلة وأسلوب لحياة صحية، فهو ليس بالصيام المعتاد ولكنه يهدف إلى عدم الإفراط في تناول الطعام، وعدم التجويع أيضاً، أي الوسطية والاعتدال، ولهذا يصوم الرهبان عن الطعام بداية من الظهر حتى صباح اليوم الثاني، بهدف عيش حياة الزهد، والصحة الجيدة التي تساعد على التأمل.

صوم كبير وصغير

لدى الصابئة صومان، صوم كبير وصوم صغير، حيث يصومون في أيام معدودات 36 يوماً كل عام، موزعة على مدار أشهر السنة، عن الطعام، وتحديداً عن تناول لحوم الحيوانات ومشتقاتها وعن شرب الخمر، ويمتنعون عن نحر وقتل أي حيوان وعن كل ما يشين الإنسان وعلاقته مع الرب من فواحش ومحرمات، ويفطرون في يوم عيدهم على لحوم الخراف. كما يستحب صيام كل يوم أحد وأربعاء وخميس من كل أسبوع، وصيام أيام شهر ناتق القمري “رمضان”، صيام نافلة، ويُستحب صيام الأيام التي تظهر فيها ظواهر فلكية كالخسوف والكسوف.

الإمساك عن العمل

لم يقتصر الصيام فقط على الامتناع عن تناول الطعام بل شرّعت بعض الديانات الصيام عن العمل بما في ذلك كل الأعمال أو غالبيتها، فالبوذية لديها صيام أربعة أيام من كل شهر قمري، وتُسمّى تلك الأيام بالـ “يوبوزاتا” وهي (اليوم الأول، والتاسع، والخامس عشر، والثاني والعشرون) بالتوافق مع منازل القمر الأربعة، ويقتضي الصوم في تلك الأيام الإمساك عن أي نوع من أنواع الأعمال والتفرغ للتأمل وتفريغ الطاقات السلبية بالابتعاد عن أي عمل من أعمال الدنيا بما في ذلك التفوه بالبذاءة والغناء والرقص ووضع مستحضرات التجميل، ولذلك فإن أتباع الديانة البوذية يقومون بإعداد الطعام منذ اليوم السابق لأيام الصوم الأربعة لما في الصوم من حرمة القيام بأي نوع من الأعمال.

تفكير عقلاني

تتبع العقيدة الجاينية –واحدة من الديانات المنتشرة في الهند – نظاماً غذائياً نباتياً صارماً، وفيها يتخذ الصيام أشكالاً عدة، أحدها عدم تناول الطعام حتى الوصول إلى حالة الشبع، أما الصوم الكامل فيشمل الامتناع عن الطعام والشراب، أو شرب الماء المغلي فقط، ويتمّ تحت المراقبة، وخلال الصوم يجب أن يخدم الصائم الرهبان والراهبات، لرفع الروح وحل الكرمة السيئة.

وأغرب ما في أشكال صيام الجاينية هو الصيام التطوعي حتى الموت، كخيار مقدس لمغادرة العالم، ويتم خفض مستويات الطعام فيه تدريجياً على مدى سنوات، وهذا النوع من الصيام لا يعدّ انتحاراً في نظرهم، لأنه لا يحدث تحت تأثير الغضب والحزن أو غيرهما من المشاعر السيئة، بل بداعي الزهد يقرّر الإنسان التخلي عن كل ما هو مادي بغرض تطهير الجسد من جميع الرغبات لإزالة الخطايا وتحرير الروح من مدار الولادة والاستعداد للبعث من جديد حسب اعتقادهم، ويقدّر الخبراء بأنه وتحديداً في الهند أن هناك أكثر من 200 إنسان يموتون سنوياً بهذه الطريقة التي تُسمّى بالسانثارا التي يطالب البعض بتجريمها ومنعها، ويعتبرها أتباع الديانة الجاينية فضيلة كما يقول “سادفي شوبانكار” الكاهن لدى الديانة الجاينية: “إنه ليس عملاً انتحارياً، بل هو تفكير عقلاني وشجاعة”.

عُلا أحمد