دراساتصحيفة البعث

قراءة في كتاب “نظام التفاهة”

أمجد حامد السعود

يحيلني عنوان الكتاب – شأني شأن كثيرين ممن قرؤوا هذا العنوان – الذي وضعته المترجمة إلى الاطلاع على العنوان الأصلي للكتاب والذي جاء باللغة الفرنسية La Médiocratie”” وتم ترجمته إلى الإنكليزية من قبل ” Catherine Browne” وحمل عنوان: “Mediocracy: The Politics of the Extreme Centre” أي “الديمقراطية الوسيطة: سياسة الوسط المتطرف”، والذي يبدو بعيداً بعض الشيء من حيث الشكل عن العنوان الذي وضعته المترجمة للغة العربية، وتشير كلتا الكلمتين في اللغة الفرنسية والإنكليزية إلى مصطلح الديمقراطية المتوسطة، وهنا نتساءل هل يوجد تقسيمات فئوية لديمقراطية جيدة أو متوسطة أو ضعيفة؟ وما هو الرابط الذي أرادته المترجمة في عنونتها للكتاب بنظام التفاهة؟

وإذا ما أردنا البحث عن معنى كلمة “Medio” في اللغة الإنكليزية نجد أنها لاحقة لغوية وليست مصطلحا تُضاف إلى المصطلحات للتعبير عن شدة الوسط التي يتم فيها الابتعاد عن التأثير الفاعل المغيّر في درجاته العظمى أو الجمود الصفري (الخضوع) ، وبالتالي فإن المسار الذي تسلكه شدّات الوسط في أي منحى من مناحي الحياة هو الاعتياد على مسار وروتين معين يبتعد عن التغيير في أعلى درجات الشدّة كما ينأى بنفسه عن السقوط في القاع دون أي حركة.

وإذا ما أسقطنا هذا التحليل اللغوي على واقع الحياة الاجتماعية والسياسية لمجتمعات العالم، نجد أن التقسيمات الاجتماعية الماركسية ارتبطت بفئتين في كل مرحلة من مراحل التشكيلات الاجتماعية الاقتصادية الخمس التي طرحها الكتاب – فئة مُستَغلة وفئة مُستغِلة – وهذا يعني أن الحتمية الصراعية لا بدّ لها من الظهور في ظل انتفاء الحالة الوسط في تلك التقسيمات الاجتماعية.

وبالتالي قد يعتبر البعض بأن وجود الفئة الوسط هو عامل الأمان والاستقرار لأي مجتمع من المجتمعات وهي التي تحميه من الوقوع في أي مطب من مطبات الصراع بين قوتين متعاظمتي الشدة في السلب والإيجاب. ومعنى الاستقرار هنا هو مسلك الروتين اليومي والابتعاد عن غير المألوف سواء بالإيجاب أو بالسلب ، وبالتالي الخضوع والتسليم لواقع علمي اقتصادي اجتماعي سياسي ثقافي قائم وتسطيح العقل للدرجة الوسط الـ “Medio” في كل مناحي الحياة وجعلها المعيار والحاكم الأساسي للفكرة أو للفعل بأنواعه المختلفة بما يخلق حالة من التعويم الثقافي الفكري العلمي يقوم عليها أشخاص منتقون ومتجذرون في الـ “Medio” المجتمعي.

ولعلّ ما أرادته المترجمة من إطلاق عنوان “نظام التفاهة” على الكتاب هو الإشارة إلى التسطيح العقلي الذي يقوم به الـ “Medio” إلى حدّ يجعل مما هو (عادي) معياراً للحكم على وقائع الأمور بما يملك من عدد كبير من الأتباع لما هو مألوف أو اعتيادي لتصبح الحياة بمختلف نواحيها العملية والثقافية والفكرية والاجتماعية والاقتصادية وحتى السياسية مجرد دوران في حلقة مفرغة لا جديد فيها ولا فرق بين لحظة الانطلاق ولحظة الوصول.

1 – الإطار العام –اللعبة

يشير هذا الاتجاه في الكتاب إلى قولبة كلّ ما هو متعلق بعالم الإدراك المحسوس سواء على صعيد السياسة أو الإعلام أو الثقافة أو الاقتصاد أو الاجتماع وإخراجه من الإطار العام الجمعي إلى الخاص الفردي، وذلك من خلال تسطيح الهدف الرئيس لمناحي الحياة تلك ووضعها لخدمة الفرد سواء في زيادة الثروة والمال أو على صعيد اكتساب الشهرة والعلاقات الاجتماعية الواسعة وبالتالي ابتعاد الأفراد عن الشأن العام للمجتمع والتصاقهم بالشأن الخاص الفردي.

هذا قد يفسّر اللعبة التي يمارسها شخصان أحدهما من ذوي الطموح الواسع وتحدي الصعاب والآخر من أتباع الطريق الأسهل لتحقيق النجاح، ففي ظلّ طبيعة الحياة القائمة نجد بأن الشخص الثاني هو من يدير قواعد لعبة النجاح، ولا يكتفي فقط بالنجاح على حساب الآخر بل يسعى إلى تدمير طموح الشخص الأول وإخضاعه في المرتبات الدنيا منه.

بمعنى أوضح أصبحت مسألة النجاح وجمع الثروة والوصول لأماكن مرموقة هي الغاية بحد ذاتها بغض النظر عن الوسيلة أو الأدوات المستخدمة لتحقيق ذلك، وهذا من شأنه أن يفرغ أي أمر من قيمته ودوره المجتمعي لصالح الغايات الفردية الخالصة سواءً على صعيد السياسة أو الإعلام أو التعليم أو التكنولوجيا…إلخ.

2 – لغة خطاب التفاهة

تتمثل في تبني الاتجاه القائل بترك المسافة بين المتلقي والأفكار حمايةً له، وإكساب الفرد مهارة اللاالتزام بأية أفكار أو مبادئ أو أيديولوجيات معينة، بمعنى الابتعاد عن اعتناق الأفكار والمبادئ وعدم إعمال العقل لمحاججة الآخرين بها وإثبات صحتها من عدمها، وبالتالي الوصول إلى حالة من الجمود والستاتيكا الفكرية التي تبعد المجتمعات عن أي حالة تفاعل خلّاق للإبداع في شتى مناحي الحياة، ولذلك يسعى “نظام التفاهة” أو تعويم الثقافة إلى أتباع يغريهم بالانضواء تحت صفوفه من خلال:

أ –أسلوب القصّ (Methos)

وهو الأسلوب القصصي الذي يعتمد بشكل كبير على العاطفة في إقناع وجذب المستمعين له، وغالباً ما نجده في القصص الدينية التي تحمل شحنات عاطفية غزيرة تسهم في اعتناق الفرد لما يرد على مسمعه دون أي محاكمة عقلية منطقية التي تختفي وتزول بمجرد سيطرة العاطفة على الفرد، وبهذا ينجح “نظام التفاهة” في خلق أتباع له متسلحاً بالعواطف نتيجة ضعف المتحدث أو ضعف المتلقي وهذا ما يظهر لنا في الخطاب الديني المعاصر بشكل كبير.

ب –اللغة الخشبية

أسلوب من الأساليب المعتمدة في لغة خطاب التفاهة ويقوم على الحشو في الكلمات ووضع القارئ أو المستمع في حالة من التخمة العددية للكلمات أو استخدام التفخيم في المصطلحات وكل ذلك على حساب المضمون، وهو ما يمكن أن نطلق عليه تسمية المعنى الأجوف، لأنه لا يضيف أي جديد للمعنى وإنما يكرره بكلمات جديدة وبصياغات جديدة مليئة بالتشابيه والاستعارات اللغوية.

ج – التبسيط الخطر

لا شك في أن تطور الوعي المعرفي البشري وتطور العلوم أنتج نوعاً من التعقيد على مستوى البحث في الظواهر الإنسانية والطبيعية، هذا التعقيد يحتّم على كاتبه أن يشرحه كما هو عليه متوخياً بذلك أكثر درجات التبسيط الممكنة من أجل الفهم وليس من أجل التسطيح، بمعنى أن تبسيط الأفكار هو الوقوف على حدودها الطبيعية دون تكلّف أو مغالاة ولكن عند حدود معينة تحمي الفكرة والكاتب والقارئ من تسخيف وتسفيه الفكرة التي يقوم عليها نظام التفاهة لدرجة أصبحت الكتابة الجزلة التي تحرض العقل على العمل هي تفلسف لا معنى له وأصبح المتعلم والقارئ ينظر نظرة الأرستقراطي المعرفي تجاهها.

3 – الأكاديمية

تتجلى فصول نظام التفاهة في مفاصل الحياة الأكاديمية في:

أ – الجامعة

أبعد نظام التفاهة الجامعات عن وظيفتها الأساسية لتنوير مرتاديها وإعلاء قيمة العلم ليجعل منها مراكز استقطاب من أجل البريستيج الاجتماعي والمكانة المرموقة بين الناس، وهذا الواقع يظهر بشكل جليّ في جامعاتنا العربية التي أصبحت قيمتها تساوي الحبر المكتوب على صحيفة التخرج في مختلف مراحلها سواء بالإجازة أو الدراسات العليا، وبالتالي أخرج هذا الواقع الجامعات من وسيط مجتمعي نوعي ما بين الفرد وبين المعرفة والعلم إلى حالة الوسيط التجاري الكمي ما بين الفرد والبريستيج الاجتماعي.

ب – الخبير

من الجيد التوسع أفقياً في البنى التحتية للجامعات في حال كانت تلك الجامعات تؤسس من أجل المعرفة والتنوير العلمي في مختلف التخصصات والمجالات، ولكن نظام التفاهة قد فرض نوعاً من التجارة في التعليم، واستخدام التعليم كوسيلة من أجل تحقيق الربح والخسارة وذلك يظهر من خلال قيام رأس المال بتشييد جامعات وصروح أكاديمية موجهة لخدمته سواء على مستوى مخرجات التعليم المحددة التخصص والتي سيستفيد منها في سوق العمل، وتمويل الجامعات للقيام بالأبحاث التي تخدم رأس المال ذاك وبالتالي فإن القائمين عليها يصبحون موجهين بشكل سخيف لخدمة أفكار وتوجهات رأس المال القائم على أبحاثهم ومدخولاتهم وبالتالي يخرج الأكاديمي المثقف من دائرة الفكر العلمي الحر ويقع في براثن سخافة الربح والخسارة بشكل يجرده من هويته العلمية التي يتميز بها.

4 – التجارة والاقتصاد

يشير المؤلف هنا إلى الممارسات التجارية والاقتصادية المسؤولة عن نشر نظام التفاهة والمسؤولة عن الانحطاط الأخلاقي والمجتمعي في حياتنا المعاصرة

أ – الحوكمة

تلعب عملية الحوكمة دور المنسق ما بين المصالح المتضاربة للفرد والمؤسسات الاقتصادية والمجتمع من خلال عمل الجهات الرقابية المعنية بالأمر، وبدأ مفهوم الحوكمة يدخل في إطار لعبة التفاهة في السياسة مع أول حكومة تكنوقراط في عهد رئيسة الوزراء البريطانية (مارغريت تاتشر) والتي عملت على تفريغ السياسة من الأفكار الكبرى المتعلقة بالحق والواجب والعمل والالتزام والقيمة والصالح العام واستعيض عنها بمفهوم (الحوكمة) وبذلك تم استبدال مفاهيم (الإرادة الشعبية – الناشطون السياسيون – المواطن …إلخ) بمفاهيم (المقبولية الاجتماعية – اللوبيات – الشريك …إلخ)، وشيئاً فشيئاً تحولت عملية الاهتمام بالشأن والصالح العام من واجب وطني إلى حالة من الإدارة العملية هدفها الأساسي هو القيام بمشاريع تعود بالأرباح على الدولة.

ب – تنميط العمل: اضمحلال الحرفة وظهور المهنة

يأتي الارتباط الوثيق ما بين النظام الرأسمالي وبين نظام التفاهة من تأكيد الأول على ضرورة اقتصاد السوق الحرّ الخالي من مظاهر الرقابة الرسمية وبالتالي تحجيم دور الدولة في اقتصاد السوق وإفراغ العملية التجارية والاقتصادية من أي مضمون قيمي خارج إطار الربح المادي.

أصبحت القيمة العُليا لأي عمل تنبع من مردوده المادي وانتفت أي قيم ومبادئ أخلاقية تتعلق بحب العمل والإخلاص له والعمل من أجل الجماعة، وأصبح العامل الاقتصادي هو العامل الأساس في تكوين القيم والعلاقات الاجتماعية، وهذا ما أشار له (بيير بورديو) عندما تحدث عن قدرة رأس المال الاقتصادي أن يحصل على رأس مال اجتماعي انطلاقاً من ثروته التي تبني له العلاقات الاجتماعية والمركز الاجتماعي.

5 – الثقافة

يشير الكاتب إلى موضوعات الثقافة التي أصبحت من دعائم نظام التفاهة ويعرضها على الشكل الآتي

أ – اللغة

يستغل نظام التفاهة أزمة المصطلحات اللغوية، وإذا ما تعرضنا إلى لغتنا العربية نجد بأن الوعي العربي قد تمّ تشويهه تماماً وأصبح غير قادر على التعاطي مع المفاهيم المجردة مما جعله يستعيض عن فهم عمق المفهوم ببساطة المصطلح.

ب – الصحافة

الصحافة صناعة يحركها هاجس المصلحة والتسويق دوماً، وبالأخص ما يطلق عليه الكاتب بصحافة التابلويد (Tabloid) وهي التي تركز على أخبار المشاهير وفضائحهم بما تقدّم للصحافة من أرباح وعوائد مالية هائلة ناتجة عن إشباع نهم الجمهور بهذا الخصوص مقابل اغتصاب حرية الآخرين تحت شعار الصنعة الصحفية وبالتالي دخول الصحافة نفق التفاهة مما سينتج قراء يمكن وصفهم “بالأميين الاجتماعيين” فهم على ثقة تامة من صحة تلك الأخبار المنشورة بالصحف ومن المعروف بأن أكثر الناس جهلاً هم أكثر الناس يقيناً.

ج – الكتب

ينقسم الأدب عادةً إلى الأدب الرفيع (الانتقائي) والأدب الشائع الذي بدأ ينتشر بكثافة مع بروز الطبقة الوسطى في الحياة الاجتماعية، يهدف إلى مخاطبة مشاعر القرّاء ووجدانهم، يتسم بالتكرار والنمطية والمباشرة والتكرار والسطحية، وتبرز مشكلة التفاهة هنا حين تكون تلك الكتب ضمن اللعبة التسويقية التجارية ويظهر ذلك في وجودها ضمن قوائم الكتب الأكثر مبيعاً في العالم، لدرجة بأن الكتب التي تتضمنها تلك القوائم أصبح معلوما أنها سطحية وشائعة وتسويقية من دون قراءتها.

د – التلفزيون

من وسائل الميديا الهامة جداً من حيث الانتشار الواسع له، حاله حال كافة وسائل الإعلام (سلاح ذو حدّين) يدخل التلفزيون والقنوات الفضائية في نظام التفاهة من خلال تسطيح القائمين عليه وبالتالي فالمنتج المقدَّم يكون مسايراً للقائمين عليه، فمن خلال دخول معايير الجمال والمظهر التي تجذب المشاهد لمجرد تلك الأشياء السطحية وليس لمضمونها العلمي أو المعرفي أو الثقافي وعليه فإن البرامج المقدّمة من قبل تلك الشخصيات من مذيعين ومذيعات والشخصيات التي تستضيفها لن تكون سوى منتجات إعلامية مسايرة للشكلانية فارغة المضمون ، ومن هنا كثرة برامج الموضة والأزياء ومسابقات الغناء والرياضة ومتابعة أخبار المشاهير والمنوعات والمسلسلات والأفلام على حساب البرامج ذات المنتج العلمي الثقافي المعرفي التي أصبحت برامج ثانوية على لائحة دورات البرامج للقنوات الفضائية.

هـ – الشبكات الاجتماعية

منصات الكترونية افتراضية سيطرت بشكل كبير على العقل الجمعي الحيّ للمجتمعات وأصبحت من أهم أدوات تكوين الرأي العام ورسم مسارات المعرفة وشكلها في العقول حيث أصبحت بمثابة صفحات إعلانية عن تفاصيل حياة الأفراد وانتهاكا لخصوصيتهم بشكل فيه من التفاهة لدرجة أن يُختزل وقت الفرد في متابعة أخبار وصور فلان من المشاهير وجعله النموذج الذي يحتذى به في الحياة، وأكثر من ذلك جعلت من عقول الأفراد دمى وروبوتات الكترونية مسيّرة بما تمثله تلك المنصات من مصادر وحيدة للمعلومات والأخبار والتي تقوم عليها جهات أهدافها – وفي أحسن الأحوال – إضاعة الوقت والمزيد من اللهو وتسطيح العقول.

د – الفن

ليس العيب في وجود فن رخيص، ففي التصنيفات الجمالية يمكن أن يكون ذلك موجوداً وعروض الأزياء مثلاً التي تلامس تصميماتها ضروباً من الجنون تتجسد بها النزعة الفردية سوسيولوجياً فالفن يختلف عن كل ما حوله بخروجه عن الضوابط والقواعد والمعايير، ولكن تبرز التفاهة في تعميم تلك النزعة الفردية وسيطرتها على عقول المتلقين لها لتصبح عقلاً جمعياً مسيطراً ومسيراً لمسارات الفنون الأخرى، في حين أنه في حال تم فهم فرادة الفن بأشكاله المختلفة سيؤدي ذلك إلى الوصول إلى الرقيّ والجمال.

6 – السياسة

لقي نظام التفاهة في العمل السياسي أرضا خصبة لمزاولة عمله، ومن أبرز المفاهيم السياسية التي يتجلى فيها ذلك مفهوم (الديمقراطية) التي خرجت عن المعنى الحقيقي لها المتمثل في كونها أسلوب حكم جاء لحماية بعض الشعارات والممارسات السياسية كالتصويت في الانتخابات – الانتساب للأحزاب – المواطنة …إلخ، وأصبحت بفعل نظام التفاهة مختزلة بحكم الأكثرية للأقلية فهي بهذا المعنى لا تخرج عن إطار ديكتاتورية الأكثرية المجمّلة بشعارات براقة والمثال الأبرز على ذلك حكم النازية لألمانيا الذي كان حكماً قائماً على التصويت والانتخابات وبالتالي سيطرة الأكثرية على الأقلية. ومن خلال ذلك المثال يتضح لنا أن العمل السياسي وممارساته المختلفة هي بيئة مناسبة جداً لنظام التفاهة لاستغلاله وتسطيح ما هو قيمي فيه إلى وسيلة لبلوغ غاية.

خلاصة

من خلال هذه القراءة لما تضمنه كتاب نظام التفاهة يمكن القول بأن المترجمة قد أجادت وبموضوعية كبيرة في نقل المضمون العلمي لما ورد في النسخة الأساسية التي جاءت باللغة الفرنسية وتوضيح مدى التسطيح والتعليب والتسليع العقلي القيمي الرأسمالي لصالح فكرة التسويق التي سيطرت على كافة مناحي الحياة : الاقتصاد والاجتماع والسياسة والتعليم والفن والثقافة والابتعاد عن التفكير النقدي التحليلي العميق الذي من شأنه أن يوسع مدارك متلقيه.

لكن ربما كان هناك بعض المآخذ على عنونة الكتاب “بنظام التفاهة” وإطلاق مصطلح “التافهين” على جميع من دخل ضمن هذا النظام سواء بعلم ودراية أو بدونها، فبعض الأفراد كانوا مضطرين للانخراط في هذا الركب وأمواج “التفاهة” لأن تغريدهم خارج هذا السرب سيجعلهم غرباء، وهناك من الأفراد من وجد نفسه في مركز هذا النظام دون معرفة أو دراية بما هو “تافه” وما هو “غير تافه” ، فعلى الرغم من تفاهة القائمين على تسفيه الفكر التحليلي النقدي بفعل التسليع الرأسمالي ، لا يمكن أن نسفّه من وُجِدَ ضمنه دون علم أو دراية خصوصاً فئة اليافعين والشباب، ولا بدّ من إيضاح البدائل التي تتناسب مع تفكيرهم ومع طبيعة التطور الزمني العلمي للحياة بشكل يعيدهم إلى سكة الإبداع العقلي والتمثّل القيمي الإيجابي البنّاء.

…………………………………

عنوان الكتاب: نظام التفاهة، صادر عن: دار سؤال للنشر لبنان: بيروت، 2020م.

مؤلف الكتاب: د. آلان دونو Dr.Alain Deneault– أستاذ الفلسفة والعلوم السياسية في جامعة كيبيك – كندا.

مترجم الكتاب: د. مشاعل عبد العزيز الهاجري –دكتورة في القانون الخاص – كلية

الحقوق – جامعة الكويت.