دراساتصحيفة البعث

مكانة سورية الإقليمية

د. رحيم هادي الشمخي

أكاديمي وكاتب عراقي

 

استمرار الحرب على سورية دون حسمه يصب في المصلحة الإسرائيلية، وهي رؤية تبنتها «إسرائيل» كونها المستفيد الأكبر من استمرار تلك الحرب الدائرة نتيجة وجود فلول الإرهاب الذي دخل سورية بدعم وتوجيه ومساندة من الولايات المتحدة الأمريكية وأردوغان وعرب الجنسية الذين تلطخت أيديهم بالدماء السورية الطاهرة والزكية.

إن المصلحة الإسرائيلية تتعاظم مما يحدث في سورية، إذ إن إضعاف سورية من أهم أهداف «إسرائيل» المعلنة والمخفية، فـ«إسرائيل» ترى بوضوح أن الجيش العربي السوري يهددها في عقر دارها كونه جيشاً وطنياً مهنياً وعقائدياً متشبعاً بروح العداء (لها)، كما ترى «إسرائيل» أن تدمير سورية من قبل الحركات الإرهابية تخدم توجهاتها الرامية إلى الهيمنة الإقليمية، وتفتيت البلدان العربية، وإعادة رسم خريطة المنطقة عامة، وسورية بشكل خاص وفقاً لمخططات (عوديد ينوي) التي نشرتها مجلة اتجاهات سنة 1982 القائمة على دعم الأقليات غير العربية، ودفعها نحو الانفصال تحت مزاعم تقرير المصير، الأمر الذي دفع الجنرال (إيغال آلون) إلى القول: «نساند حق الأقليات في سورية والعراق»، ودعا رئيس مجلس الأمن القومي السابق (عوزي ديان) إلى دعم فكرة انفصال الأكراد وإقامة دولة كردية في شمال سورية والعراق، ولأجل ذلك كان الاهتمام الإسرائيلي بسورية ينطلق من اعتبارات كثيرة ليس فقط مكانة وقوة سورية، بل مكانتها الإقليمية كونها تمثل أحد أطراف الصراع مع «إسرائيل»، فضلاً عن ارتباطاتها الإقليمية مع المنطقة والعالم، الأمر الذي أوضحه (عاموس جلعاد) بقوله: “إن الشاغل الأمني الرئيسي لإسرائيل هو سورية  في الوقت الحاضر والراهن، لكن رغم ذلك، تعد إسرائيل الاضطرابات في الشرق الأوسط أكثر أمناً لها من قبل”.

إن ما يؤكد مصلحة «إسرائيل» من استمرار الوضع السوري على حاله هدفه الوحيد هو تقسيم سورية، والذي أكده الكاتب الإسرائيلي (عنبار شيلو) في مقال له في صحيفة «هآرتس» قائلاً: «يمكن أن نقرأ بين السطور أن إسرائيل لن تقبل بتزويد روسيا لها بصواريخ متطورة والتي تقلب المعادلة في المنطقة»، ونتيجة للحقد والكراهية والخوف الإسرائيلي من صمود وقوة الجيش العربي السوري فقد ساهمت «إسرائيل» في دعم الحركات الإسلاموية التي دخلت الأراضي السورية إلى جانب مرتزقة أردوغان التي أحرقت ودمرت الأخضر واليابس في الأراضي السورية دعماً لـ«إسرائيل» في شن الهجمات على الأراضي السورية، ونتيجة للتدخل الأمريكي- الأوروبي في سورية، فقد بادرت روسيا مع الصين لتحجيم هذا التدخل العدواني السافر، ولاسيما جهود روسيا في منظمة الأمم المتحدة وتحديداً في مجلس الأمن من خلال استخدام حق النقض (الفيتو) لمنع الولايات المتحدة الأمريكية من تمرير قرارات تعود بالنفع لمصلحة “إسرائيل”.

يتضح من ذلك أن الدور الإسرائيلي الرامي إلى تعزيز واستمرار الوضع الحالي في سورية خدمة لمصالحها الرامية إلى إبعاد طرف عربي مؤثر ومهم عن الصراع العربي- الإسرائيلي، بما يعزز مكانة «إسرائيل» الإقليمية على حساب الطرف العربي المنهك بترتيب أوضاعه الداخلية التي طالما تسعى «إسرائيل» اللقيطة إلى زعزعتها من خلال دعم طرف على حساب طرف آخر بشكل مباشر أو عن طريق دولة ثالثة، لأجل ذلك تسعى للحصول على دعم دولي، خدمة لتنفيذ مخططاتها تجاه المنطقة العربية، و هو ما يفسر اقترابها من فرنسا أولاً وبريطانيا فيما بعد، والولايات المتحدة حالياً، ومن المحتمل أن تتحول إلى روسيا في حال تراجعت الولايات المتحدة، وهو ما يفسر التقارب الروسي- الإسرائيلي السابق، واتساقاً مع أحد ركائز العقيدة الصهيونية،

عقيدة الاعتماد على قوة عظمى، عقيدة البحث عن العراب (Godfather) ، و كل ذلك على حساب دور عربي فاعل”.