تحقيقات

لحل المشكلات الإدارية.. فرض الإدارة كمهنة بموجب ترخيص المزاولة!

شعارات كثيرة أطلقت بهدف التطوير الإداري بكل المجالات لجعل الأمور أكثر سلاسة ومرونة في الهيكليات الإدارية للمؤسسات العامة والخاصة، لكن مجرد تقييم تلك التجارب نجد أن أغلبها ظلّ في إطار المبادرات الشكلية، حيث بقي كل شيء على حاله، إلا ما ندر!.
هذا التعثر، أو الفشل في الوصول إلى الأهداف المنشودة جعل البعض يطرح فكرة فرض الإدارة كمهنة وتخصص بموجب ترخيص مزاولة مهنة، مثل مهنة الطب والهندسة والصيدلة وغيرها، ويرى الكثير من المتخصصين بالشأن الإداري أن هذه الفكرة ضرورية في سورية مع اقتراب مرحلة إعادة الإعمار، والتي يشكل التطوير الإداري أحد أهم أعمدتها.

من أجل تحسين الأداء
يقول الدكتور سامر مصطفى /كلية الاقتصاد بجامعة دمشق/: تأتي ضرورة ذلك على خلفية ما يشهده العالم اليوم من تقدم علمي يشمل جميع مجالات الحياة الإنسانية، والذي أثر على حياة الفرد، فتعددت حاجاته الإنسانية وتنوعت بدرجة لم يسبق لها مثيل، الأمر الذي أسفر عن ظهور منظمات عملاقة تصدت لإشباع تلك الحاجات من سلع وخدمات، إلا أن التزايد المضطرد في الحاجات الإنسانية يصطدم بندرة الموارد المتاحة أمام الحاجة إلى نظام يكفل أفضل استخدام للموارد المتاحة لتحقيق هذه الأهداف، ومن هنا تبرز أهمية الإدارة المتخصصة لتحسين الأداء في المنظمات، سواء منظمات الأعمال التجارية أو المنظمات الحكومية.
ويوضح الدكتور مصطفى، أن تقدم الشعوب وتطورها الحضاري لا يتم بمجرد توفر الثروات أو استيراد أحدث الأجهزة والتقنيات بقدر ما يعود إلى الإدارة العلمية الكفوءة القادرة على حسن استثمار الثروات، والتجهيزات التقنية بالشكل الأمثل الذي يلبي احتياجات المجتمع بمختلف فئاته وشرائحه، في حين أن هناك شعوباً ومجتمعات أخرى لا تملك إلا موارد نادرة ومحددة لكنها تمكنت بفضل الإدارة من تحقيق وتائر نمو عالية وارتقت إلى أعلى درجات سلم التطوير والحضارة، كاليابان وهولندا وسويسرا وماليزيا وغيرها، وهذا كله يشير إلى أهمية الإدارة ودورها في عملية التنمية المستدامة، ولعل ما قاله ذات يوم مدير إحدى كبريات الشركات الأمريكية خير مثال على ذلك: “خذوا منا كل أموالنا وتجهيزاتنا وممتلكاتنا واتركوا لنا إدارتنا سنعيد كل ذلك خلال بضع سنوات..”.

إدارة العلم والتخصص!
ورداً على سؤال “ماذا علينا في سورية أن نفعله بهذا الخصوص؟” شدد الدكتور مصطفى على أهمية أن نؤسس لإدارة قائمة على العلم والتخصص والمهنية، خاصة أن الإدارة تحتاج لعناصر ذات خبرة إدارية أكاديمية نظرية وعملية تعرف كيف تتعامل مع ملفات مرحلة إعادة الإعمار، لافتاً إلى أنه لدينا كليات ومعاهد متخصصة في الإدارة تخرّج آلاف الإداريين، ما يساهم في التخلص من كل الذين يكتبون (مع الموافقة أصولاً- يرجى الاطلاع والتوجيه– يرجى إجراء ما ترونه مناسباً– للتريث…) نتيجة عدم تخصصهم ومهنيتهم في الإدارة!.
موضحاً أن الإدارة اليوم باتت علماً وفناً للوظائف الإدارية ومهنة ولغة أجنبية وحاسوباً وبريداً إلكترونياً وانترنت وخبرة اختصاص إداري بحت بوظائف الإدارة (تخطيط وتنظيم وتنسيق وقيادة ورقابة) لذا بات وجودها بهذه المقاييس ضرورة ملحة وحتمية وبدونها لا يمكن النجاح بعمليات التطوير الإداري الحديث في سورية.
ومن وجهة نظر الدكتور مصطفى، أنه من الأفضل اليوم أن يعمل أصحاب القرار على فرض الإدارة كمهنة وتخصص تحتاج إلى ترخيص مزاولة مهنة مثل مهنة الطب والصيدلة والهندسة، وأن تشكل لها جمعية لإدارة تحدد شروط وأخلاقيات مزاولة مهنة الإدارة، خاصة أن الإدارة المتخصصة والمؤهلة هي العمود الفقري لإعادة إعمار سورية بشكل فعال.

حال متناقضة!!
وأبدى الدكتور مصطفى استغرابه من كيفية تسابق وتنافس الدول المتقدمة وشركاتها المختلفة لتقديم أفضل الإغراءات المادية والمعنوية لاجتذاب أصحاب المهارات والكفاءات الإدارية المتميزة، بينما نجد في بلدنا يتم السعي والتسابق في ابتكار أفضل الأساليب للتضييق على أصحاب المهارات والكفاءات الإدارية، ووضع العراقيل والصعوبات أمامهم لتهميشهم وإخراجهم من دائرة الضوء والمنافسة أو وضعهم في الأماكن غير المناسبة لهم، حيث يتم الاعتماد على تخصصات بعيدة عن تخصص الإدارة وعلمها ومضمونها (الإدارة بالتجريب) في كافة مواقع القيادية الإدارية .

بعد كل التخريب والدمار!
ويوضح الدكتور مصطفى أن سورية وبعد كل هذا الدمار والخراب الناجم عن الحرب بحاجة ماسة إلى العمل الجاد في التطوير الإداري بعيداً عن التنظير، مشيراً إلى أن المسافة بيننا وبين الآخرين باتت كبيرة يجب أن يلاقي موضوع مهنية الإدارة وتخصصاتها الإدارية وشروطها في المؤسسات انتباهاً واهتماماً من المسؤولين وأصحاب القرار بحيث يصبح التخصص الإداري والكفاءة والجدارة الإدارية للمديرين المعيار الذي يتم على أساسه اختيار القيادات الإدارية القادرة على استيعاب التقنيات المتطورة والفن الإداري الحديث في مختلف مفاصل الدولة ومختلف المستويات الإدارية (- الإدارة العليا- الإدارة الوسطى- الإدارة الدنيا التنفيذية).
بالمختصر، تبدو فكرة التوجه لمهنية الإدارة جيدة وقابلة للتحقق، واعتمادها بات ضرورياً، فالإدارة كمهنة تشمل جميع النشاطات الإنسانية، وهي تقف خلف نجاح كل نشاط أو إنتاج أو خدمة في الأسرة – المدرسة – المصنع – الجامعة – المؤسسة –وغيرها، وهي السبب في النجاح أو الفشل والأساس في تحقيق التفوق والتقدم في تحسن استخدام الموارد المتاحة لها، وكلنا يعلم أن هناك دولاً ليس لها موارد وثروات لكنها باعتمادها على كوادرها الإدارية الماهرة أصبحت من الدول المتقدمة جداً بفضل إدارتها مثل اليابان وماليزيا وغيرها.
ونعلم أنه داخل كل منظمة أو مؤسسة أو شركة يوجد عناصر إنتاج (قوى بشرية– عمال مواد– معدات– مبان..) هذه العناصر لا تعمل لوحدها بل تحتاج إلى إدارة متخصصة بالعلم والفن هي التي تجمع وتفاعل بين هذه العناصر لتحقيق الإنتاج والأهداف بأقل كلفة وأقصر وقت.
• غسان فطوم