دراساتصحيفة البعث

عصر المواجهة على أساس الأوبئة ….

إعداد: عائدة أسعد

قلّلت حكومة الولايات المتحدة من شأن الفيروس التاجي عندما اقتصر تأثيره على الصين وقبل الإعلان عنه كوباء، شأنه شأن الكثير من القضايا العالمية التي قللت الولايات المتحدة من أهميتها نتيجة اللامبالاة بالتطورات العالمية واتباع سياسات أحادية الجانب. قبل أن يطرق الفيروس أبواب الدولة العظمى، أشاد الرئيس دونالد ترامب بالصين وبرئيسها شي جين بينغ على الإدارة الناجحة للأزمة، ولكن بعد انتشار الفيروس في أمريكا سارع ترامب وأعضاء حزبه بإلقاء اللوم على الصين واتهامها بإنتاج الفيروس التاجي في المختبر وإخفاء خطورته عن العالم، وتسهيل انتشاره إلى بلدان أخرى وفضلوا تسميته بالفيروس الصيني، وبالتالي ربطه بالدولة الصينية.

لقد زعم ترامب وجود أدلة تظهر أن الفيروس التاجي نشأ في مختبر ووهان في الصين رافضاً مشاركة مصدر المعلومات الاستخباراتية، وأكد هذا الادعاء مايك بومبيو وزير خارجية حكومته حين وجّه نفس الاتهامات على الرغم من عدم وجود أدلة ملموسة لدعم تلك الادعاءات، مكتفياً بالقول للصحفيين: إنه ليس متأكداً إذا كانت الحكومة الصينية قد أطلقت الفيروس عمداً أو أطلقته عن طريق الخطأ أثناء حادث علمي، لكنه ادّعى أن لدى الصين تاريخاً في إصابة العالم بسبب المختبرات الصينية المتدنية المستوى وأن السلطات الصينية رفضت التعاون مع خبراء الصحة العالمية. وبعد هذا الجدال، ألقت الحكومة الأمريكية باللوم على الصين وحملتها مسؤولية إصابة ووفاة المواطنين الأمريكيين – أكثر من مليون إصابة ووفاة أكثر من مئة ألف-  كما اتهمتها باستغلال الفيروس واستخدامه ضد دول أخرى بتخزين الواردات وتقليل صادرات الإمدادات الطبية قبل الاعتراف بالفيروس كجائحة تشكل تهديداً كبيراً للعالم برمّته.

إنّ جميع هذه الاتهامات تشير إلى أن إدارة ترامب تعدّ خطة طويلة الأجل لمساءلة الحكومة الصينية عن الخسائر الهائلة في الأرواح والاقتصاد في جميع أنحاء العالم ولمعاقبة الدولة الصينية إذا لزم الأمر. وبالفعل فقد بدأت ملامح تلك الخطة حين  ادّعى مسؤولون أمريكيون أن الحكومة الصينية أسكتت علماءها ولم تسمح للأخصائيين الطبيين الأمريكيين وخبراء منظمة الصحة العالمية بالعمل في مختبرات ووهان المدينة التي نشأ فيها الفيروس وزعموا أن السلطات الصينية استغلت مسؤولي منظمة الصحة العالمية لتحقيق أهدافها.

في واقع الأمر يحاول السياسيون في الولايات المتحدة استغلال الأزمة لتحويل انتباه الرأي العام الأمريكي عن فشلهم في إدارة الأزمة، والحفاظ على سلطتهم في السياسة المحلية، وتعظيم مصالحهم الداخلية في السياق الدولي. وقد أظهرت ردود أفعالهم تجاه أزمة الفيروسات التاجية أن الولايات المتحدة ،عاجلاً أم آجلاً، ستردع أي قوة غيرها من اتخاذ مبادرات عالمية تهدف إلى التقليل من الشأن الأمريكي والهيمنة على العالم، ومن هنا ربّما تقرر الولايات المتحدة اتخاذ مبادرات قريباً، ومنها إقناع حلفائها بتحميل الصين مسؤولية نشر الفيروس في معظم دول العالم، وهو ما تجلى سريعاً عندما بدأت استراليا وبعض الدول الأوروبية بالفعل في توجيه اتهامات للصين.

إن العلاقات بين أكبر دولتين اقتصاديتين في العالم وشيكة على التدهور، ومع ارتفاع التكاليف الاقتصادية والبشرية للوباء قد يشهد العالم إدخال عهد جديد من المواجهة هو عصر المواجهة على أساس الأوبئة، ولكن معاقبة الصين لن يكون أمراً سهلاً لأنها تمتلك القدرة على تعبئة مواردها وأدواتها ضد الولايات المتحدة فهل توسع حكومة الولايات المتحدة التنافس والصدام إلى المجالات السياسية والاستراتيجية والعسكرية؟ وهل تتخذ تدابير مختلفة على جبهات متعددة تتجاوز الحروب التجارية؟ يمكن اختصار الأجوبة على هذه الأسئلة بالقول: إن الموقف سيكون أكثر صرامة ضد الصين إذا كانت أزمة الفيروس التاجي ستعرّض إعادة انتخاب ترامب للخطر.