سلايد الجريدةصحيفة البعثمحليات

الحصاد شرقاً والتفريغ غرباً.. موسم قمح مبشر يستنفر البشر والآلات

دمشق ـ ريم ربيع

يستقطب حصاد موسم القمح اليوم جهود جميع الجهات الحكومية لاستلام المحصول ومحاولة تأمين التسهيلات اللازمة للفلاح، لعلها تنجح في جذب أكبر كمية ممكنة من المحصول في ظل انغلاق كافة الدول اقتصادياً، وتوقفها عن تصدير المواد الغذائية الأساسية وفي مقدمتها القمح والطحين، حيث توقفت كازاخستان وهي أكبر مصدّري الطحين في العالم عن التصدير لأشهر مقبلة، كذلك روسيا التي بدأت بتقليص تصدير القمح بنحو 7 ملايين طن حتى حزيران المقبل، وفرضت العديد من الدول الأوروبية والعربية حظراً على تصدير الأغذية، ليعمد كل منها إلى تأمين أكبر كمّ ممكن من المخزون الاحتياطي تحسباً لتطورات تفشي فيروس كورونا.

الداعم الأساسي

وأمام مشهد الانغلاق العالمي على التصدير قدّمت الحكومة هذا العام حزمة من التسهيلات للفلاح، بدءاً من رفع سعر استلام القمح ليصبح 225 ألف ليرة للطن الواحد، وتخصيص 450 مليار ليرة لاستلام كامل المحصول، والموافقة على الاستلام الفوري لأقماح الموسم الماضي كخطوة تشجيعية للفلاحين لتسليم محاصيلهم المخزنة، والاستغناء عن شهادة المنشأ ليصبح التسليم بناءً على الهوية الشخصية للفلاح فقط، إلا أن الصعوبات المستمرة التي يواجهها الفلاح وارتفاع تكلفة الإنتاج، والضغوط من المجموعات الإرهابية في بعض المناطق وحرمانهم الفلاحين من مياه الري والكهرباء اللازمة للضخ، وحتى الخطورة التي قد يتعرض لها أثناء نقله القمح إلى مراكز الاستلام، تجعل حديث دعم الطحين والخبز يصبّ عند الفلاح الذي يشكل الداعم الأهم للقمح مهما رفع ثمن الشراء منه.

تكامل إجراءات

وعن الاستعدادات لاستلام المحصول، يوضح مدير المؤسسة السورية للحبوب يوسف قاسم أن عدد المراكز الجاهزة للاستلام الفوري 49 مركزاً على مستوى جميع المحافظات، أي بزيادة 17 مركزاً عن العام الماضي، وزوّدت هذه المراكز بكافة مستلزمات العملية التسويقية من أكياس وشوادر ورقائق وفق إمكانات المؤسسة، مؤكداً وجود عدد من البواخر المحمّلة بالأكياس قيد التوريد، فيما يتمّ حالياً تفريغ باخرتين في المرفأ بحمولة مليوني كيس، ويلفت قاسم إلى تدريب فريق فني متكامل على الإجراءات كافة وتوزيعه على المراكز وفق الاختصاصات المطلوبة، كاشفاً عن استلام 300 طن حتى الآن من مخزون الموسم الماضي في الحسكة بالسعر الجديد، والاستعداد لاستلام القمح المخزن لدى الفلاحين في دير الزور.

ويؤكد قاسم في تصريحه لـ “البعث” أن الـ 450 مليار ليرة المخصّصة لاستلام القمح قابلة للزيادة حسب واقع مشتريات المؤسسة، مشيراً إلى العمل على تفريغ باخرة موجودة في طرطوس محملة بـ 26.500 طن من القمح، ومن المتوقع وصول باخرة أخرى إلى مرفأ اللاذقية خلال 5 أيام، فضلاً عن العقود القديمة بكمية 350 ألف طن وهي قيد التوريد حالياً، وحول عملية طحن الحبوب يشير قاسم إلى تحضير 23 مطحنة قطاع عام بطاقة طحنية يومية 4000 – 5000 طن تقريباً، يتم تعزيزها بالتعاون مع المطاحن الخاصة.

مرسّخ

269  مليون دولار هي قيمة صادرات سورية من القمح في 2007، و100 مليون دولار في 2006..! في مواجهة الواقع اليوم تبدو هذه الأرقام أقرب إلى الخيال أمام فاتورة استيراد القمح التي سجلت في 2018 أكثر من 500 مليون دولار، وانخفضت إلى النصف في 2019، فتحقيق الأمن الغذائي لطالما شكل أهم مقومات الدولة، والقمح الذي أجبرتنا الحرب على استيراده كان يحلّ يوماً في المرتبة الثانية من الصادرات بعد النفط وهو المحصول الزراعي الأول ويمثل عمود الاقتصاد السوري، مما جعله يرسّخ في الشعار الرسمي لسورية عبر سنبلتي القمح أسفل الترس في الشعار، وبقي ملف القمح واحداً من أهم الأولويات التي لا يمسّ بها، وقدم الدعم لمراكز البحوث الزراعية في تطوير أنواع مختلفة من البذور تقاوم الأمراض وتقدم إنتاجية عالية رغم نقص المياه.

أضرار

حوالي 50% من القدرة على إنتاج القمح فقدت خلال سنوات الحرب، حيث يتركز الإنتاج في الحسكة والرقة وحلب، وهي محافظات عانت ولا تزال من الإرهاب والتخريب والتضييق على الفلاحين، فضلاً عن سرقات المحاصيل في الأعوام الماضية والحرائق المفتعلة على مساحات واسعة، ورغم التحسّن البسيط خلال العام الماضي حين قارب الإنتاج 2.2 مليون طن، بعد أن سجل أدنى مستوى له في 2018 وإنتاج 1.2 مليون طن تقريباً، إلا أننا لم نصل بعد للقدرة على الكفاية والاستغناء عن الاستيراد، ففي بداية العام تم تفريغ 3 بواخر قمح طري مصدرها روسيا وتصل حمولتها إلى 50 ألف طن، إضافة للإعلان عن مناقصة لاستيراد 200 ألف طن أخرى، علماً أن تقديرات وزارة الزراعة للإنتاج هذا العام تقارب 2.9 مليون طن، إلا أن الحاجة الفعلية لكفاية سورية تزيد عن 3 ملايين طن، فضلاً عن أن نسبة كبيرة من الإنتاج هو قمح قاسٍ لا يمكن استخدامه في طحين الخبز (المادة الأساسية في الغذاء)، وإنما يوجه لتصنيع المعكرونة، حيث بقيت سورية لسنوات طويلة في مقدمة الدول المنتجة للقمح القاسي.

ومقابل التراجع الكبير في الإنتاج خلال الحرب، فإن الجديّة الواضحة في الاستعدادات لاستلام الموسم هذا العام، تحتاج إلى أن ترتبط بذات الاهتمام في تشجيع الفلاحين على العودة لزراعة المحصول الأساسي بدل استبداله بزراعات أكثر ربحاً وضماناً لهم.! والسعي بشكل فوري لاستصلاح الأراضي المحررة حديثاً، وتسهيل إيصال البذار إلى الفلاحين في كل المحافظات، لعل الاستغناء عن الاستيراد الذي يكلف فاتورة كبيرة تنعكس على الواقع المعيشي لجميع الفئات يصبح حقيقة لابد منها ويخرج من إطار الأمنيات والأحلام.