دراساتصحيفة البعث

هل تدفن القضية الفلسطينية على أساس صفقة القرن ؟

د. رحيم هادي الشمخي

كاتب عراقي

 

منذ صدور قرار مجلس الأمن رقم 425 الذي يدعو إسرائيل إلى الانسحاب من الأراضي التي احتلتها، وهي تفسر هذا الانسحاب بأنه من (أراض) وفق ترجمتها للنص باللغة الانكليزية، (وليس من كل الأراضي) كما يفسره العرب والفلسطينيون، لذلك رفضت إسرائيل معادلة (الأرض مقابل السلام)، بما فيها المبادرة العربية التي صدرت في قمة بيروت عام 2002، وأحلّت محلها معادلة (الأرض مقابل الأمن)، وها هي تنفذ الآن هذه المعادلة بضم القدس وإعلانها عاصمة لها باعتراف ترامب، وبعدها ضم الجولان السوري، وربما أراض عربية أخرى.

وبعد أن تكون إسرائيل أقامت دولتها الكبرى بحدودها الآمنة، فإن السلام مع العرب والفلسطينيين يصير ممكناً، لأن ما كان يحول دون تحقيقه هو الخلاف على عودة اللاجئين الفلسطينيين وبناء المستوطنات، بحيث لا تبقى من الأراضي المحتلة سوى مساحة صغيرة تقوم عليها دولة فلسطينية غير قابلة للحياة، وبعد ضم الجولان السوري المحتل، يكتمل قيام الدولة الإسرائيلية الكبرى بحدودها الآمنة، وتزول الأسباب التي كانت تحول دون تحقيق سلام شامل، وإن كان غير عادل في المنطقة بتأييد أمريكي معلن، وهو واقع يواجهه العرب والفلسطينيون، ولا قدرة لهم على رفضه، وأمريكا عندما يشكو العرب والفلسطينيون إسرائيل إليها، فإنها باتت منحازة انحيازاً كاملاً ومعلناً إلى إسرائيل، وقرارات مجلس الأمن الذي كانوا يلجؤون إليه فقدت قيمتها بعد مخالفة أمريكا لها باعترافها بالقدس عاصمة لإسرائيل اللقيطة، وتأييد ضم الجولان السوري إليها، بحيث لم يعد من حق أمريكا أن تدعو غيرها إلى تنفيذ القرارات الدولية بعدما أصبحت هي من يخالفها خدمة لإسرائيل، ويكتفي العرب والفلسطينيون حتى الآن بالرد على ما تفعله إسرائيل بقذفها ببيانات الاستنكار والاحتجاج.

هنا لابد من موقف عربي شامل ومسؤول يتخذ قرارات مهمة وحاسمة تضع إسرائيل بين خيار القبول بسلام عادل وشامل يعيد الحقوق إلى أصحابها، ويقيم للفلسطينيين دولة قابلة للحياة، أو خيار لجوء العرب والفلسطينيين إلى حرب تعيد بالقوة ما أُخذ منهم بالقوة، إلى جانب مقاومة شاملة تستهدف إسرائيل وترغمها على الانسحاب من كل الأراضي العربية المحتلة، وبانتظار ما سوف يقرره العرب مستقبلاً بشأن مصير القضية الفلسطينية، وهل يتم التوصل إلى تسوية لها، أم يُصار إلى (دفنها) على أساس (صفقة القرن) التي يصبح قبولها مفروضاً، وإن هو مرفوض الآن ببيانات الاستنكار، وتظاهرات الاحتجاج التي لا تكترث لها إسرائيل ولا حلفاؤها، لقد نجحت إسرائيل بضم القدس إلى دولتها المزعومة وإعلانها عاصمة لها، ولا شيء يمنع نجاحها في ضم الجولان المحتل إليها، إذ ظل الرد على ذلك يقتصر على قرارات تبقى حبراً على ورق.

الواقع أنه عندما يكتمل ترسيم حدود الدولة المزعومة لإسرائيل الكبرى وتكون حدوداً آمنة، فإن إسرائيل قد تصبح مستعدة للقبول بسلام لا يكون سوى سلام الاستسلام، بعدما أزالت كل العوائق التي كانت تحول دون تحقيقه، بدءاً ببناء المستوطنات، وإعلان القدس عاصمة لها ورفض تقسيمها، وأخيراً وربما ليس آخراً ضم الجولان باعتبارها منطقة عسكرية استراتيجية، ومصدراً لمياه غزيرة تحتاج إليها إسرائيل التي نفّذت فيها مشاريع حيوية تمهيداً لضمها عملياً بعد ضمها بقانون صدر عن الكنيست عام 1981 تنفيذاً لما قاله الإرهابي اسحق رابين: “إن من ينزل من هضبة الجولان يكون قد تخلى عن أمن إسرائيل”. للكيان الصهيوني مخططاته الواضحة التي تصب تستهدف قضية فلسطين والمقاومة ، وتجد في الرجعية العربية حليفا يساهم في تنفيذها . لكن الكلمة الأخيرة في هذا الصراع التاريخي لن تكون إلا لأصحاب الحقوق . وأما المحتل الغاصب فإلى زوال طال الزمان أم قصر .