دراساتصحيفة البعث

الفوهرر الأمريكي

عناية ناصر

 

المتوهم دونالد ترامب مخمور في السلطة، فأعماله غير القانونية هي تخريب واضح وحاضر للولايات المتحدة ودستورها، وبمجرد انتهاء محاكمة العزل وتبرئة ترامب من قبل الجمهوريين الخاضعين لسلطته في مجلس الشيوخ، (باستثناء السيناتور ميت رومني)، سيطر الانتقام على عقل ترامب، وبتجاهل تحذيرات مستشاريه، صب ترامب جام غضبه في جميع الاتجاهات، مطلقاً العنان لسيل من التغريدات البذيئة، ويمكن ملاحظة كيف يقوم الفوهرر الأمريكي بتعزيز السيطرة واستخدام سلطته الرئاسية لسحق كل المعارضة، ونذكر أن ترامب عندما أعلن في تموز الماضي “وفقاً للمادة الثانية، يحق لي أن أفعل ما أريد كرئيس”، لم يكن يمزح.

ترامب يصدم فريقه الذي عيّنه حالياً، بالإضافة إلى أولئك الذين استقالوا أو طردوا في عمليات التطهير، ودون دليل، فهو يتهم أجهزة الاستخبارات ومكتب التحقيقات الفيدرالي بالتآمر ضده، لقد هاجم ترامب كلاً من وزارة العدل، والنائب العام وليام بار بسبب توصيات الحكم الصادرة عن أربعة من المدعين العامين في وزارة العدل بشأن قضية روجر ستون، الصديق المقرب لترامب.

وصوّر مارك غرين في كتابه الجديد “الرئيس المزيف” بأن ترامب ينتقم دائماً من المعارضين من خلال اتهامهم بالاحتيال والتزييف والخداع، ضخم تخوييف ترامب للآخرين من قبل وسائل الإعلام التي لا تمنح حق الرد على استهداف ترامب للآخرين، والأمر الأكثر إثارة للقلق هو صمت القوى السياسية وعدم تأكيدها على أن للأمريكيين الحق بالاعتماد عليها لمحاربة الطاغية ترامب.

بعد تبرئته، ضاعف ترامب جرائمه العديدة التي لا يمكن حصرها، لكن الديمقراطيين الذين يسيطرون على مجلس النواب لم يراهنوا جدياً على تحقيقات عزله، وبدلاً من ذلك فإنهم يتبعون أوامر رئيسة المجلس بيلوسي، ويبتعدون عن الطريق.
يهاجم ترامب بانتظام القضاة الذين يحكمون ضده أو يتجرؤون على الطعن في أفعاله غير القانونية، ومع ذلك هناك صمت من جانب العديد من أعضاء رابطة القضاة، والعديد من نقابات المحامين، فلاتزال رابطة المحامين الأمريكية التي تضم أكثر من 194000 عضو نائمة، أو ينبغي على جميع أعضائها الذين يطلق عليهم اسم “ضباط المحكمة” أن يدركوا مسؤولياتهم لدعم سيادة القانون.

يتمتع حزب ترامب بتاريخ طويل من القمع القاسي الشرير للناخبين (تم توثيقه في الفيلم الوثائقي الجديد، قمع الكفاح من أجل الانتخابات، بقلم روبرت جرينوالد)، يجب اعتبار هذه الأعمال المناهضة للديمقراطية جرائم خطيرة، ومع ذلك فإن أعضاء الرابطة الوطنية لوزراء الدولة (NASS) غير مستعدين إلى حد كبير لحماية حقوق الناخبين، والفرز الدقيق للأصوات، بل إن بعض وزراء الخارجية يقومون بالمساعدة والتحريض على هذه الجرائم الانتخابية، فقد استخدم حاكم جورجيا الحالي براين كيمب سلطته كوزير للخارجية في جورجيا لقمع الناخبين السود، ليشق طريقه إلى  قصر الحاكم في عام 2018.

يقوم ترامب الآن بكل ما يفعله كل الديكتاتوريين عندما يتولون السلطة: إنه يقوم بتطهير قطاع  الخدمة المدنية من أية أصوات انتقادية لأولئك الذين يريدون ببساطة مصادرة سلطاتهم، لقد ارتكب هؤلاء الموظفون المدنيون “خطأ” في تنفيذ قوانين الصحة والسلامة التي أراد القائد الأعلى عدم تنفيذها لمصلحة رفاق الرئيس من الشركات الكبرى والممولين، كما لا تقوم نقابات الموظفين الحكوميين بالقدر الكافي للرد وتوضيح ما يفعله ترامب الطاغية لإلحاق الأذى بالناس، بمن فيهم منتخبو ترامب، والناخبون المناهضون لترامب على حد سواء، فترامب وأصدقاؤه يجعلون أمريكا أكثر خطورة من خلال إهمال الحماية التي تقلل من الوفيات والإصابات والأمراض، سواء كان ذلك في الهواء الذي تتنفسه، أو الماء الذي تشربه، أو المركبات التي تركبها، أو السموم في مكان عملك، حيث يدير طاقم ترامب الشركاتي المدمر وكالات فيدرالية على الأرض، في حين يملأ الخارجون عن القانون خزائن شركات ترامب والفنادق بالثروات، وهو يمنحهم تهرباً ضريبياً كبيراً مقابل الإضرار بالبنية التحتية.

لا يمكن أن تعبّر كلمة “الفساد” بشكل كامل عن كيفية تمزيق الجنون المهين لأمريكا وممارساتها الديمقراطية وأعرافها الأخلاقية، فحماية الأطفال وكبار السن والمحاربين القدامى والعمال تقع في طريق الفرامة التي يديرها ترامب.
من الذي سيواجه هذه البلطجة الرهيبة؟ بعض وسائل الإعلام بدأت تدق ناقوس الخطر، مستشعرة هذا التهديد، لقد تدخل ترامب في المشتريات الحكومية لإبعاد شركة أمازون عن عقد كبير، لأن جيف بيزوس يملك صحيفة واشنطن بوست التي نشرت العديد من المقالات حول فساد ترامب، وقد نظّمت إدارة حملة ترامب الجمهورية حملة قضائية ضد صحيفة نيويورك تايمز، وسواء فاز ترامب أو خسر، فإن تخويف وسائل الإعلام كان هدفاً دائماً له.

هذه التكتيكات تمارس ضد جيروم باول رئيس الاحتياطي الفيدرالي، ونتيجة لذلك، بقي مجلس الاحتياطي الفيدرالي ملتزماً بتخفيض أسعار الفائدة على حساب المدخرين، كما يمارس التخويف أيضاً على الديمقراطيين في مجلس النواب الذين يتجاهلون الأرواح التي دمرها المفترس الوحشي، للأسف، لا يطالب هؤلاء المشرعون بإجراء تحقيق قضائي في مجلس النواب حول معاملة ترامب للنساء، وقد تم تأجيل دعاوى الضرر المؤكدة من قبل محامي ترامب، لكن الصمت الجبان لباراك أوباما هو أكثر ما يذهل، ففي كتابه الاستثنائي الجديد “انتصار الشك”، يؤكد الرئيس السابق لوكالة الصحة والسلامة المهنية (OSHA)، الدكتور ديفيد مايكلز: “رغبة الرئيس ترامب في عكس كل شيء قامت به إدارة أوباما، وإذا أيده أوباما سوف يقوم ترامب بعكس ذلك بغض النظر عن العواقب “.

النتيجة هي وجود المزيد من جزيئات الزئبق والديزل في رئات المواطنين، وزيادة الميثان القاتل الذي يؤدي إلى تلوث المناخ، والمزيد من رماد الفحم الذي يتنفسه الأطفال، إن إدارة ترامب تفشل حتى في الاستثمار بشكل كاف في العلوم الطبية، حتى عندما وصل فيروس كورونا، دعا ترامب إلى تخفيضات تمويلية جدية لمراكز السيطرة على الأمراض، وقد أحبط الكونغرس تلك الدعوات، والأمر الأكثر خداعاً هو أن إدارة ترامب أطلقت فريق الاستجابة الوبائي الأمريكي لتوفير المال، فالميزانية السنوية لمراكز السيطرة على الأمراض تساوي إنفاق البنتاغون الذي ضخّم ترامب ميزانيته في ثلاثة أيام فقط، فأين هو أوباما؟ إنه يتابع الموسيقا، وصناعة الأفلام، وحضور احتفالات نجوم الدوري الأمريكي للمحترفين، فأوباما يمتّع نفسه بدقة، فأين هو استخدام شعبيته السياسية العالية وأتباعه على تويتر، (وهو أكبر بكثير من ترامب)، لمواجهة تصرفات ترامب؟ إن لم يكن لرفاهية الشعب الأمريكي، فعلى أوباما أن يرغب على الأقل في حماية تراثه، وإذا بقي أوباما كذلك في الأشهر الحرجة التي تسبق تشرين الثاني القادم، فسوف يحتاج إلى وضعه بجانب المعروضات في مكتبته الرئاسية التي ألغاها ترامب.