تحقيقات

الأواصر المتينة.. مفاتيح التربية السليمة

“يعتبر تأسيس الوالدين، ومنذ الأيام الأولى لولادة طفلهما علاقة محبة والتزام واحترام متبادل معه خير ضمان لمستقبلهم المشترك”، تلك كانت نصيحة آن ياكوسي المتخصصة النفسية الفرنسية ومؤلفة كتاب “من صغار السن وحتى المراهقين، أسئلة نفسية متنوعة”. إذ أكدت أن هذا النمط من الأواصر: “يصبح مفيداً للغاية عند وقوع المشكلات والمواجهات، فالطفل يتحمل بصورة أفضل سلطة الوالدين عندما تكون لديه ثقة بهما ويشعر بحبهما له، وحين تعود أجواء الوئام سريعاً بعد أية خصومة “.

الرابطة القوية
ووفقاً للباحثة ينبغي على الوالدين في الأشهر الأولى من عمر الطفل أن يوليا اهتماماً كبيراً له من أجل فهمه والاستجابة لاحتياجاته ورغباته، كما يتعين الابتسام دوماً بوجهه ومواساته عندما يعاني من أمر ما، وبهذه الطريقة يتم بناء القاعدة الأساسية لرابطة قوية مع الطفل الذي سينمو في أجواء نفسية سليمة، ويمكن تدعيم هذه الرابطة بأنماط ثلاثة من التصرف. الأول: حميمية متبادلة مع الطفل إذ تتطلب تربية الطفل الكثير من المهارة، ولكي يرفض الوالدان طلباً له دون إحداث أزمة، ولكي يفهما أسباب عناده في موقف ما يتوجب التعرف إليه عن كثب وإمضاء المزيد من الوقت معه ومراقبة ردود أفعاله، وهذه المهارة تقتضي أيضاً وجود درجة من الحدس لدى الوالدين من أجل “الإحساس” بما يعيشه الطفل من ظروف وانفعالات، وحينما يحصل هذا النوع من “التواصل” بين الوالدين وطفلهما سوف ينجحان في توقع تصرفه حتى لو لم يعبر عنه مباشرة. إذ يستطيعان ” قراءة ” تعابير جسده، وايماءات وجهه. وهذا “التواصل” متبادل بطبيعة الحال، فإذا أمضى الوالدان أوقاتاً بصحبة طفلهما يصبح لدى الأخير القدرة على استكشاف الحالات النفسية والبدنية التي يمّران بها من توتر وإرهاق وترقب ويستطيع في الوقت ذاته أن يثير البهجة في نفسيهما، ويعرف حينها في أي وقت يفترض به أن يبتعد عنهما دون أن يحدث ذلك إشكالاً لديه، ثم العودة فيما بعد إليهما بحثاً عن الحنان والعاطفة .
أما النمط الثاني فهو الوقوف إلى صفه، حيث ينبغي لتجاوز الصعاب الوقوف دوماً إلى جانب الطفل وليس ضده. وحتى عند وقوع خلافات يحتاج الطفل إلى الإحساس أن والديه لايبغيان التغلب عليه لدوافع مزاجية، وإنما يريدان فقط أن يوقفاه عن السير في طريق ضاربة به. ويشعر الطفل بالتماسك عندما يرى حوله أبوين طيبين. وبوقوف الوالدين إلى جانب الطفل كأنهما يؤديان دور المدرس الذي يشّجع التلميذ على تجاوز العقبات وبناء عليه إذا ما أحس الصغير بإمكانية الاعتماد على والديه فسيمنحهما الثقة عندما يصبح مراهقاً. ويدور النمط الثالث حول مشاركته الفرحة لأنه لو سادت العلاقة مع الطفل أجواء اللوم والتقريع والمطالب المستمرة والاتهامات فينبغي التصرف بسرعة، حيث يمكن إعادة بناء جسور الثقة بتقاسم فرحة معينة. فحينما يحب شخصان أن يكونا معاً ويستطيعان ابتكار وسائل للتسلية فهذا يعني أن العلاقة بينهما جيدة. ومن المؤكد أن للوالدين التزاماتهما وهمومهما اليومية في العمل والمجتمع، ولكن مع ذلك ينبغي تخصيص وقت كاف لطفلهما. ولكي يتقبل هذا الطفل قواعد السلوك المطلوب منه الالتزام بها عليهما اكتشاف كيفية اللهو معه، فالبنسبة لصغار السن قد تكون الدغدغة والملاطفة واللعب والنزهات كفيلة بتوفير أوقات تسلية ممتعة، بينما يكون حضور فيلم سينمائي أو مبارة كرة قدم مع من هم أكبر سناً مفيداً في هذا الخصوص.
إبراهيم أحمد