ثقافةصحيفة البعث

“مقابلة مع السيد آدم” والتحليق خارج السرب

ثمانية أعمال رمضانية، حصيلة موسم 2020، هي بلا أدنى شك نتيجة صادمة لدراما كانت تنتج للموسم الرمضاني الواحد ما يقارب 40 أو 50 عملاً، حتى في أكثر سنوات الأزمة صعوبة. وقد يكون للإجراءات الاحترازية الحكومية للحد من انتشار جائحة كورونا دور ما حال دون التمكن من إنتاج وتصوير العديد من الأعمال المعدّة للعرض خلال هذا الموسم، وقد اعتمد بعضها على البطل الأوحد، وبعضها على البطولة الجماعية لفريق العمل، ويمكن أن نسجل مجموعة من القواسم لما أنتجته الدراما للموسم الحالي، إذ كان من اللافت الاعتماد على وجوه جديدة سواء على مستوى الإخراج أو النصوص لكتاب جدد أو حديثي التجربة، وحتى الفنيين، وينسحب ذلك على الممثلين فقد حضرت الوجوه الشابة إلى جانب نجوم الصف الأول والثاني، ليكون مسلسل “مقابلة مع السيد آدم” (سيناريو فادي سليم وشادي كيوان وإخراج فادي سليم، إنتاج فونيكس غروب، ومن بطولة غسان مسعود ومحمد الأحمد وضحى الدبس ومنة فضالي ورنا شميس وتولين البكري وكارمن لبس ولجين إسماعيل ويزن السيد ودانة جبر) كمسلسل يغرد خارج السرب الرمضاني لهذا الموسم، في عمل يحاكي عالم الجريمة والضغوط  التي تتعرض لها  الشخصية الرئيسة، د. آدم (غسان مسعود) للتستّر على مُرتكِب جريمة غامضة راحت ضحيتها فتاة مصرية تعيش في سورية يظن الجميع أنها انتحرت، إلا أن المحقق ورد (محمد الأحمد) من الأمن الجنائي يرفض نظرية الانتحار ويستعين بخبرات د. آدم، فيتمكن من الكشف عن معلومات هامة تخص الضحية لجهة كونها حاملاً قبل الوفاة، وتعرضت لسرقة بعض أعضائها بهدف طمس الجريمة.

وينضوي العمل تحت ملف الأعمال البوليسية راصداً لنا التحولات النفسية والسلوكية العميقة للطبيب الشرعي آدم، وهي شخصية مركبة تحمل عدة مستويات من الأداء والإيقاع التمثيلي المضبوط – الاستشارة التي تكلّف الطبيب خطف طفلته الوحيدة – للضغط عليه بتغيير تقريره النهائي ونفي فرضية الحمل، لينقذ ابنته متجاهلاً تاريخه المهني لاستعادتها.. ابنته حياة، الطفلة المصابة بمتلازمة داون فتموت بعد عودتها إلى أبيها بيوم واحد بسبب نقص في جرعات الدواء وإعطائها أدوية يجب ألا تأخذها، ليخفي نبأ وفاتها عن الجميع محملاً بالشك حتى بابنه، المحامي يوسف (لجين إسماعيل)، وزوجته ديالا العبّاس (رنا شميّس) مدعياً أنه أرسلها إلى مركز طبي مختص، ويبدأ مشروعه الانتقامي في تتبع المتورطين، والقصاص منهم، مقترفاً العديد من الجرائم المعقدة معتمداً بذلك على دراسته ومعرفته بعلم الجريمة مسخراً عبقريته للانتقام ممن أجبروه على خيانة ضميره المهني، فتتوالى الجرائم دون أن يترك وراءه أيّ دليل، ما يربك الأمن الجنائي.

لكن المحقّق ورد يستشعر بحسّه الأمني وجود آدم وراء الجرائم، دون أن يكون لديه دليل لنجد أنفسنا في علاقة غير تقليدية ومشحونة تدخلنا إلى مناطق إنسانية في عالم الجريمة بين محقق ومجرم، وكل ذلك ضمن الإطار البوليسي الذي غاب عن  شاشات التلفزيون لأعوام خلت.

لاشك أن النص مختلف ويتضمّن جرعة عالية من العواطف المختلفة الحبّ والخيانة والخيبة.. ضمن التحفيز والمتعة معتمداً التعقيد كنوع من التشويق، ولا شك أيضاً أن غسان مسعود ممثل محترف يقدم أداء درامياً عالياً، لكن ما يؤخذ على العمل أن جريمة بهذا الإتقان والدقة، يقوم مرتكبوها بدفن الجثة بطريقة بدائية، حيث يبقى جزء من يد الضحية ظاهراً من التراب فيشاهدها الراعي، وفيما يخص الطفلة حياة التي توفيت بعد عودتها من الخطف، وإخفاء الطبيب آدم  لموتها كيلا يتعرض  للضغط عليه بخطف فرد جديد من عائلته فيخفي الخبر عن الجميع حتى ابنه يوسف المتورط فعلياً بالجريمة مع زوجته ديالا، حيث يتصل يوسف (الابن) مستفسراً عن مكان تواجد الأب وحياة، ليرد آدم :”نحن في بيروت”، فتمر المكالمة على المحامي الذي يفترض به الانتباه إلى أن الاتصال محلي وليس دولياً..؟! أم سيوظف ذلك لصالح العمل لاحقاً؟ هذا مرهون بما تبقى من زمن عرض المسلسل.

على شكل خاتمة

في النهاية يمكن الإشارة إلى أن أغلب الأعمال لم ترتقِ إلى سوية ذائقة المتلقي، كما أنها لم تلامس همومه المعيشية أو معاناته، حتى تلك الأعمال التي حاولت رسم الضحكة على وجه المشاهد كـ “هواجس عابرة” أو “ببساطة” لم تخلف إلا الخيبة.

سمر محفوض