دراساتصحيفة البعث

الصعود الصيني مقابل التباطؤ الأمريكي

ترجمة وإعداد: هيفاء علي

 عنونت صحيفة لوفيغارو الفرنسية في نهاية كانون الأول 2019 “تباطؤ الاقتصاد الأمريكي في عام 2019″، وأشارت في المقال إلى أن الحرب التجارية بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين، وتأثير التخفيضات الضريبية، ساهما في تباطؤ توسع الاقتصاد الأمريكي.

لقد سجلت الولايات المتحدة الأمريكية في عام 2019 لأول مرة منذ ست سنوات انخفاضاً في عجزها التجاري في السلع والخدمات، وقد اعترفت الصحافة الأطلسية بأن هذا “الانخفاض” هو نتيجة لمحصلة عام 2018 الذي وصل فيه العجز إلى مستوى غير مسبوق في غضون  10 سنوات.

ووفقاً للصحافة الأطلسية فإن انخفاض العجز والواردات الذي يريده دونالد ترامب، ليس خبراً جيداً بالضرورة، لأنه في غياب ارتفاع الصادرات فإنه غالباً ما يعكس تباطؤ الاقتصاد، وتباطؤ النمو في أكبر اقتصاد في العالم في عام 2019، وعليه، لا يمكن لهذه السياسة الحمائية الرجعية إخفاء هذه الحقيقة الأساسية، وإذا انخفض العجز فسيظل أعلى مما كان عليه في عام 2017، حيث بلغ العجز التجاري في العام الماضي قبل اندلاع الحرب التجارية ضد الصين من قبل إدارة ترامب، 550 مليار دولار.

لقد مر ربيع بأكمله منذ بروز الغيوم الرمادية لوباء كورونا على الصين، وهذه الغيوم، العاصفة الآن، غادرت السماء الصينية، وها هي تحجب بشكل دائم سماء الغرب بشكل عام، والولايات المتحدة الأمريكية على وجه الخصوص، ومن الواضح أن آفاقها الاقتصادية لم تكن مشرقة للغاية، ونتيجة الركود الاقتصادي سارت الولايات المتحدة في غضون بضعة أشهر إلى أزمة اقتصادية لم يسبق لها مثيل.

تواجه الولايات المتحدة الآن أزمة اقتصادية كبيرة تخفض من استراتيجية إنشاء النقد التي يبدو أنه لا حدود لها، والتي نفذها بنك الاحتياطي الفيدرالي في الأشهر الأخيرة لتجنب الانهيار الاقتصادي الفوري والكامل، ومع ذلك ، تتم إدانتها على المدى القصير بالفشل، وأن حقائق الأزمة الاقتصادية، والبطالة ، والإفلاس المتسلسل دون نسيان جدار الدين العام، سوف تتحطم بسرعة مذهلة، وعليه، فإن تخفيض قيمة “الملك”- أي الدولار-  أمر لا مفر منه إلى الحد الذي تدعم فيه “قيمته” السياسة الاستعمارية الأمريكية اليوم، وهي في حالة سيئة للغاية.

ومع إنشاء “صناعة البازار” المرافقة لعمليات الترحيل الهائلة للمعدات الصناعية الغربية، بدأ الدين العام الأمريكي يشهد نمواً متسارعاً كالآتي:

– خلال الفترة 1950-1973 ارتفع الدين العام الأمريكي بمعدل منخفض من 257 مليون دولار إلى 458 مليون دولار، بمتوسط زيادة سنوية بنسبة 2.5٪، وكان هذا المعدل أكثر من 9.1٪.

– خلال الفترة 1973-2007 انفجر الدين العام من 458 مليوناً إلى 9.007 مليار دولار.

– خلال الفترة 2007-2019 ارتفع من 9.007 مليار دولار إلى 22.719 مليار دولار، بمتوسط زيادة سنوية قدرها 1.143 مليار دولار أو بمعدل 8.1٪!.

على الرغم من مرور عقد على التقشف، ظلت الأساسيات الاقتصادية “لاقتصاد البازار” الأمريكي بشكل خاص، والغرب بشكل عام، ضعيفة، وبالتالي فإن نمو الدين العام للولايات المتحدة يتجاوز بقدر كبير الناتج المحلي الإجمالي من وجهة نظر نسبية ومطلقة، وبعبارة أخرى، فهو زيادة الدين العام الذي دعم بطريقة ما “نمو” الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة!.

مع ذلك، لايزال هناك أكثر من أربعة أشهر متبقية، وبالمعدل الحالي، يمكن أن يتضخم الدين العام الأمريكي بنحو 5000 مليار دولار للسنة المالية 2019-2020، وسوف يكون هذا الركود تاريخياً، لأن مبالغ الدين العام الجديد قصيرة الأجل التي تم إنشاؤها لا يمكن إنكارها، وبالتالي من الصعوبة بمكان رؤية كيف أن مستوى الدين العام لا يمكن أن يتجاوز 140٪ من الناتج المحلي الإجمالي قبل نهاية هذا العام.

إذا كان دفع الفوائد على الدين العام الأمريكي سنوياً خلال الفترة 1995-2005 يمثّل حوالي 350 مليار دولار، فإن هذا المبلغ يمثّل في المتوسط حوالي 416 مليار دولار خلال الفترة 2006-2016 على الرغم من أسعار الفائدة كانت منخفضة تاريخياً طوال هذه الفترة، ومن هنا فإن عدم اليقين الناجم عن الحرب التجارية وسياسة التجارة الحمائية التي بدأتها الإدارة الأمريكية ضد الصين لم يحسن شؤون الامبريالية الأمريكية، على اعتبار أن مصالح الدين العام تمثّل 523 مليار دولار على التوالي، و575 مليار دولار في 2018 و 2019!.

لقد وصل الدين العام الأمريكي إلى مستوى حرج منذ أزمة الرهن العقاري، حيث ارتفع من 64٪ إلى 101٪ من الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة بين بداية عام 2008 وبداية عام 2013، ومن ثم شهد ركوداً نتيجة لسياسات التقشف، وزيادة التصنيف الاقتصادي والاجتماعي للطبقة الوسطى الأمريكية، حيث بلغت 106٪ من الناتج المحلي الإجمالي في نهاية عام 2019، وفي الوقت نفسه، تجنب المستثمرون الأجانب بوضوح المبالغ الفلكية للديون العامة الأمريكية الجديدة، في عام 2014، احتفظوا بحوالي 6 تريليونات دولار (أكثر من ثلث الإجمالي)، بما في ذلك 1/6 للصين، كان هذا المبلغ فقط 6.810 مليار دولار في آذار 2020، بالكاد 800 مليار دولار إضافية في ست سنوات، في الوقت الذي ازداد فيه الدين العام الأمريكي بنحو 5.900 مليار دولار، فالقول بأن الدين العام الأمريكي قد تم تجنبه من قبل المستثمرين الأجانب خلال الفترة 2014-2020 هو تعبير لطيف ودبلوماسي، فالصين من جانبها توقفت عن زيادة تعرّضها للدين العام الأمريكي منذ عام 2011، ولم تعد الصين أول مالك أجنبي للدين العام الأمريكي في العالم .

ليست الصين وحدها التي تسعى لتقليل تعرّضها لمخاطر الدين العام الأمريكي والدولار، لقد انخفض نشاط المستثمرين الأجانب بالفعل من 7.067 مليار دولار إلى 6.810 مليار دولار في الدين العام الأمريكي من شباط إلى آذار 2020، في انخفاض شهري كبير قدره 257 مليار دولار، وتم تخصيص 10 مليارات دولار فقط للصين.

قبل عقد من الزمان وصلت الصين إلى التكافؤ مع الولايات المتحدة الأمريكية، وفي بعض الأحيان تفوقت عليها، ولا شك أنه في الترتيب الذي سيتم نشره في صيف عام 2020 ستفوز الصين لأمد طويل بالمرتبة الأولى في العالم، والعالم يؤيد نهوض الصين وحلفائها- في المقام الأول روسيا وإيران- ليس كانتصار مناهض للامبريالية، أو بنظام ضد نظام آخر، ولكن لوضع نهاية لحقبة من الظلام الرجعي، والسيطرة الفاشية الأطلسية على العالم، ووضع نهاية للاحتلال العسكري، وسياسات الابتزاز والتخويف، والعقاب الدائم من قبل دول الكتلة الأطلسية، وعليه، من الواضح الآن أن الصين ستكون قوة من الدرجة الأولى، وعاصمة مالية شديدة المركزية مع تماسك وانضباط غير مسبوق، وبالتالي، يجب على البروليتاريا الغربية أن تدعم مكافحة الاستعمار، وأن تعارض المساعي الاستعمارية لبرجوازيتها الخاصة.