ثقافةصحيفة البعث

المسلسلات المحلية لا تشغل بال الجميع!

ليس الجميع من يشغل بالهم حال الدراما المحلية ومستواها الفني، سواء كان جيداً أو هابطاً.. أساساً هذا التفصيل بالذات غائب عن الكثير من الناس، أولئك الذين سيستغربون أنك مستغرب من كونهم لا يتابعون الأعمال الدرامية، ولا يحفظون أسماء الفنانين عموماً، والأجيال الحديثة نسبياً منهم بشكل عام لا تعلم عن هذا العالم بقضه وقضيضه أي شيء سوى نثرات هنا أو هناك، وهذا الحال يأخذ في بعض مناحيه موقفاً من درامانا، وفي مناح أخرى عدم وجود أية علاقة أساساً مع الحياة الدرامية المحلية عموماً، ولأسباب أو حكايات عديدة، منها:

السيدة وداد (60 عاماً)، معلمة متقاعدة، أم لـ 5 أبناء، وهي أرملة منذ 20 عاماً، تحدد ذاك التاريخ بكونه بداية هجرتها للتلفزيون عموماً، لا للدراما التلفزيونية التي يعرضها فقط، تقول: “أذكر أنها كانت بداية الألفية الثانية، العالم يستعد للدخول في حروب كبرى يتم التحضير لها كل يوم على الشاشات، وكان زوجي الذي يشتغل بالزراعة يقضي ما يسمح به وقته لمتابعة تلك الأخبار.. بعدها وقعت حرب العراق، وتوفي زوجي في حقله.. الأبناء كانوا أطفالاً، وبدأت الحياة تريني وجهها الذي لم أعرفه سابقاً”. تشير السيدة وداد إلى مكنة خياطة يدوية تنتصب بكبرياء في زاوية الصالون، وهي تبدو بحالة جيدة رغم بعض الإصلاحات والتحديثات التي طرأت عليها، وتتابع: “صارت الحياة كلها تتمحور خلف هذه المكنة، كما ترى التلفاز أمامي، والأطفال كبروا، وهم تحت ناظري، أحياناً كنت أتابع مع جارة ما حلقة من مسلسل ما، وعلى الأغلب كانت من سلسلة “مرايا”، ولا أدري إن كانت مستمرة أو توقفت، لكنها كانت جميلة، لكنني لم انتظر مسلسلاً يوماً، وهناك الكثير من الفنانين الذين لا أعرفهم!! “سلفي” يقول إن المسلسلات السورية صارت غير ما نعرفه عنها، وفي الحالين الأمر لا يعنيني كثيراً، هناك ولدان في الجامعة، وصحتي لم تعد تساعدني كثيراً على العمل، لذا أي وقت متاح لي أقضيه خلف هذه المكنة التي صارت كل عالمي”.

السيد باسم (55 عاماً) ليس متطرفاً لهذه الدرجة بهجر التلفاز، لكنه لا يحب المسلسلات بأنواعها، وما تشده هي البرامج الوثائقية بأنواعها: “أعتقد أنه بعد “أيام شامية” لم أجد أي عمل أثار انتباهي حتى تلك المشابهة له بالشكل، والمفارقة كل المفارقة له بالمضمون.. شاءت الظروف أن يكون عملي هو التنقل الدائم بين المحافظات وحيداً غالبا، لذا كان الراديو ومازال جهازي الأمثل، من الراديو ترى كل شيء بأذنيك، تتخيل.. عندما كان يُبث حكم العدالة، كنت أراه بتفاصيله، أرى وجه الرائد هشام، وحركات المساعد جميل، أشاهد المجرم وأتتبعه حتى قبل أن تكشف الأحداث عنه”، يحكي السيد باسم عن الحياة التي تغيرت بالنسبة له بعد أن توقف عمله بالسفر بين المحافظات: “صرت أعمل على تكسي في المدينة، وهذه لوحدها تسبب أزمة قلبية يومية، وبعد كل الجهد الجبار خلف المقود في مدينة مزدحمة، وفي النهار عوضاً عن الليل والطرق المفتوحة، فإن أكثر ما يشغل بالي هو أن أصل بيتي مؤمناً قوت العيال، وأن أستلقي على “الصوفا” بمواجه التلفاز، أحياناً أُقلب بين المحطات الوثائقية، وأحياناً أغفو قبل أن أتابع أي شيء، أو حتى قبل أن يسخن الطعام أو يجهز!”.

رواد (20 عاماً)، جامعي، لم تعد شاشة التلفاز بما فيها مبهرة له، كما للكثير من الأجيال التي كبرت، وشاشة الجوال وشبكة الأنترنت بين أيديها.. رواد مثلاً لا تشغل باله أية دراما محلية كانت أم عربية: “الشبكة مليئة بالمواقع التي تقدم أعمالاً درامية مثيرة في طبيعتها “الأكشن”، وهذه الأعمال التي ترى الملايين يشاهدونها لا تبقى مسلسلات أو أفلاماً فقط، بل يتم تحويلها إلى ألعاب الكترونية تستهوي أعداداً كبيرة من الناس وفي كل أنحاء العالم، حتى إنك يمكن أن تجعلها عملك الخاص، وتجني منها أرباحاً، أقرأ على الفيس وغيره عن مشاكل الدراما المحلية، وهو منشور هنا أو هناك، لكني أشعر أن الموضوع لا يخصني، أنا أقرر ماذا أريد أن أشاهد، وألوف الخيارات متاحة أمامي”.

هذه بعض الأمثلة عن حيوات أشخاص بعيدة كل البعد عن الشأن الدرامي بما فيه، من تحسن أو تراجع، كان الأفضل في هذا الموسم أو الأسوأ في غيره، “رجعوا شوارب محمود الفوال” أم لا، لم يكابدوا مشقة أجزاء الحارات وأبوابها، ولم يلعنوا بعض الأعمال التي روج لها الهاجس الغرائزي، وهو الذي أوجدها، لن يصدمهم أن الممثلة الفلانية لم تعد هي لا بالشكل ولا حتى بالأداء، ولن تشغل بالهم مشاكل هذا الوسط وأمراضه، لقد اختاروا أو اختارت لهم الأقدار حياة بعيدة عن “الشيطان الملون”، وعن كل ما يدور في أروقته من حروب درامية تُراق فيها دماء الخيبة في كل موسم درامي “مضروب” كالذي نحن فيه الآن!

تمّام علي بركات