تحقيقات

زوجة الأب.. محاولات لإبعاده عن أبنائه.. و أحقاد تقود إلى الجريمة..

كثيرة هي القصص التي سمعنا عنها خلال الفترة الأخيرة والتي تدور في فلك جرائم ارتكبها الأب بمساعدة زوجته للتخلص من أطفاله الذين على ما يبدو يشكلون عائقاً أمام بقاء الزوجة الجديدة معه في ظل وجود أطفال أبرياء ينغصون حياتهم الجديدة عليهم، ليكون الحل دائماً بابتكار حيل وأساليب لا تمت للبشرية بصلة، سواء بحبس الطفل لأشهر طويلة في إحدى الغرف، أو بضربه حتى الموت أو بتسميمه أو بحيل أخرى لا يمكن لعاقل تصورها.
وللأسف تنتهي دائماً هذه الجرائم بقتل الأطفال الذين لا يعلمون بأي ذنب قُتلوا في الوقت الذي تندم به الأم على تخليها عن فلذات كبدها وتركهم عند والدهم كونها لا تستطيع تحمل مصاريفهم وكنوع من الانتقام لزواجه الثاني، ولعلّ آخر تلك الجرائم كانت ما حصل قبل يومين عندما أقدم أب على تسميم أطفاله مرتين والذين لم يتجاوز أكبرهم الأربع سنوات بمشورة وتخطيط زوجته وحين لم ينجحوا في التخلص منهم بالسم قاموا بخنقهم حتى الموت، هذه الحادثة وغيرها من الحوادث المشابهة والقاسية على قلوب الجميع تُعزز الصورة السلبية لزوجة الأب القاسية التي تحاول جاهدة إبعاد الأبناء عن والدهم.

صورة إيجابية
ونحن هنا لا نتحدث عن الجانب السلبي لزواج الرجل مرة ثانية، فكثير ما يضطر الآباء للزواج ثانية بعد وفاة الزوجة أو حتى استحالة الحياة الزوجية وعدم قدرته على تحمّل الأعباء المنزلية وحده في ظل وجود أطفال صغار، بالتالي يكون الزواج الثاني ضرورة كي تستقر حياته وحياة أطفاله إلا أن صورة الزوجة الثانية للأب والتي كانت وما زالت على مدى العصور مترافقة بشتى أنواع التعذيب والعنف الجسدي والنفسي للأطفال الأبرياء جعلت الكثيرين يتحملون هذا التعب الجسدي على ترك أبنائهم عرضة للتعذيب من قبل “خالة” لن تحمل مشاعر الأمومة تجاههم، في المقابل يسعى عدد من الآباء للبحث عن شريكة ثانية قادرة على رعاية الأطفال وتعويضهم عن أمهاتهم قدر الإمكان، فعلى الرغم من أن الصورة السلبية “للخالة” تطغى على الحالة الإيجابية إلا أنه وحسب دراسة فإن نسبة قد تتجاوز 40 بالمئة من زوجات الآباء تحاول مع شريك حياتها إرضاء أطفاله ورعايتهم، فغالباً ما تحاول زوجة الأب أن تتعاون مع شريك حياتها كيلا تقصر في دورها الاجتماعي، إضافة إلى كسب الزوج إلى جانبها بالتالي تحقيق الاستقرار الذي تبحث عنه.

كسر النمطية
ردود كثيرة جاءت حول الحوادث الأخيرة التي تسببت بإيذاء الأبناء من قبل آبائهم وزوجاتهم والتي تباينت ما بين رفض لفكرة زواج الأب ثانية بعد وفاة زوجته أو طلاقهم رأفة بالأبناء الذين لا ذنب لهم بالعيش تحت حكم “خالة”، ومنهم من روى قصصهم وتجاربهم التي تُثبت وجود “خالات” كُنّ بمثابة أمهات حقيقيات استطعن تعويضهم عن حنان الأم وتربيتهم وتزويجهم وكأنهم أبنائهن، حيث تحدث أحد الشبّان عن زوجة أبيه التي عوضته عن فقدان أمه بعد وفاتها وقدمت له ولإخوته حناناً لا ينقص عن حنان الأم وبقيت مواظبة على زيارة قبر والدتهم معهم إلى أن تزوجوا وأرجع الأبناء السبب في ذلك إلى وعي الأب واختياره الصحيح لهذه الزوجة وقوة إرادتها وصبرها وعطفها الذي طغى على الأنانية التي تحملها الزوجة الثانية في قلبها أغلب الأحيان، إضافة إلى بحثها عن حياة هادئة بعيدة عن إثارة الفتن من خلال تقبلها للنظام العائلي الموجود في الأسرة التي انتمت إليها مؤخراً وعدم محاولتها فرض نظام خاص بها ولو إلى حين كسب ثقة واستمالة قلوب الأبناء ووعيها بأن زرع الحقد والكره بين الأب وأبنائه لن يصب في صالحها بل من الضروري خلق نمط خاص يربط ويقوي أفراد الأسرة الجديدة التي انتمت إليها.

توازن نفسي
حملات كثيرة يشنّها المجتمع ضد زوجة الأب من خلال تصويرها بمشهد المرأة الشريرة التي هدفها تشتيت الأسرة قبل وصولها إليها، في حين يغفل ذات المجتمع تقديم تلك النماذج الطيبة الحنونة التي استطاعت أن تحل محل الأم في كثير من الأحيان، وبرأي الدكتورة فريال حمود” علم اجتماع”، أن الصورة السلبية لزوجة الأب في مخيلة الأطفال يعود إلى تلك الحكايا والأساطير التي بالغت في تصوير “الخالة” بكثير من القسوة كقصة “سندريلا” أو “الأميرة والأقزام السبعة”، لتأتي بعدها المسلسلات والأفلام التي كرّست أيضاً هذه الصورة من خلال تصويرها لكثير من القصص والحالات التي تظهر “الخالة” بمظهر الشريرة التي تهدف إلى هدم المنزل وغرس الكره والفتنة بين الأب وأبنائه وتشريدهم، في حين هناك الكثير من النماذج الإيجابية الأخرى التي باتت منتشرة في هذا الزمن أكثر من الصورة السلبية المأخوذة، فكثيرات هنّ “الخالات” اللواتي كنّ بمثابة الأم في رعاية الأبناء واستطعن بذكاء إعادة التوازن للأسرة التي فقدت مصدر الحنان، وأكدت حمود على الدور الكبير للأب في حفظ التوازن النفسي للأسرة بكاملها، فعليه أن لا يتجه بكل اهتمامه إلى زوجته الجديدة ويهمل أبناءه، لأن سعادته الحقيقية في سعادة كل أفراد الأسرة بالحب والتفاهم والعدل في المعاملة بين زوجته وأبنائه، فأغلب حالات الزواج الثاني للرجل يكون بدافع حبه لأبنائه لا بدافع الأنانية، إذ إن متطلبات الأبناء كبيرة وأعباءهم مرهقة للرجل، ومن هنا عليه البحث عن زوجة واعية متفهمة لوضعه وقادرة على تربية أبنائه وغرس المحبة والتفاهم بينها وبينهم، ما ينعكس إيجاباً على علاقتها بالأب لا محاربة الأبناء ومحاولة إكراه الأب لهم، الأمر الذي يودي بها إلى نتائج سلبية تنعكس عليها بالضرورة كونها العنصر الدخيل على هذه الأسرة.
ميس بركات