اقتصادصحيفة البعث

أين الحكومة من هذه المقومات؟

إذا ما حاولنا الوقوف على أبرز ما يميز الاقتصاد السوري عن نظرائه من الدول المجاورة سرعان ما يتبين أن اقتصادات هذه الدول ذات لون، أو طابع، واحد، كدول الخليج – على سبيل المثال – التي يتسم اقتصادها عموما بالنفطي، مع غياب واضح لدور بقية القطاعات (زراعة، صناعة.. إلخ)، وبالتالي غالبا ما يكون اقتصادها ريعيا أو خدميا، وفي حال نضوب ذهبها الأسود، أو تراجع إنتاجه، يخبو نجمها وينكمش اقتصادها الذي لم يحسب له خط الرجعة لعدم وجود روافد أو بدائل أخرى تحل محله، بينما أبرز سمات الاقتصاد السوري تتمثل بعدم ارتكازه على قطاع محدد بعينه، فهناك القطاعات المتعددة المتداخلة بألوانها المتسقة والمشكلة لوحة فسيفسائية متناغمة الألوان، وغياب أي لون منها يجنح باقتصادنا نحو النشاز وعدم وضوح المعنى.

ورغم أن الطابع العام للاقتصاد السوري هو زراعي، إلا أنه لم يلغ، أو يحد من، الصناعة والسياحة والتجارة، إلى جانب الروافد الأخرى التي تساهم بتقويته كالثروات الباطنية وموقع سورية الاستراتيجي الذي يخولها أن تكون بوابة أوروبا البرية إلى العالم العربي.

كما يتمتع الاقتصاد السوري – بحكم تنوع قطاعاته – بمقومات تجعله اقتصادا منافسا فيما لو تم العمل – بشكل جدي وبإرادة لا تنثني – على تفعيل مفاصله كافة، عبر زج كامل أدوات الإصلاح في التنمية الاقتصادية. ولربما يتأتى ذلك – بالدرجة الأولى – من خلال وضع الخطط والسياسات التكتيكية منها والإستراتيجية الواضحة والشفافة، والعمل بنهج ربط الإدارة بالأهداف، والالتزام ببرنامج زمني يكفل عملية تنفيذها بأسرع وقت ممكن وبأقل التكاليف التي تحد من نسبة الهدر، إضافة إلى الاستفادة من تجارب الدول الأخرى ولاسيما النمور الآسيوية، وبالتحديد ماليزيا التي كانت ظروفها الاقتصادية لحظة انطلاقها تتشابه مع الظروف السورية.

وسبق وأن أشرنا إلى أن اعتماد مبدأ مكافأة المجد ومعاقبة المسيء، من شأنه إفراز نتائج إيجابية تساهم بترميم الهيكل الإداري والتنظيمي بشكل أوتوماتيكي كوضع الرجل المناسب في المكان المناسب وانتفاء عمل سماسرة التوظيف الحكومي والقضاء على الترهل والبطالة المقنعة، ولعل للجنة مكافحة الفساد دور مهم في هذا الشأن يساهم بدرجة كبيرة بتمتين أواصر اقتصادنا الوطني.

ولتكتمل حلقة التنمية الاقتصادية المنشودة.. فالقطاع الخاص مدعو بقوة للمشاركة في عملية التنمية والإصلاح باعتباره شريكا إستراتيجيا لنظيره العام وحصل على امتيازات وتسهيلات حكومية طالما كان ينادي بها، لذلك عليه – خاصة في هذه المرحلة بالذات – ركل مبدأ “رأس المال جبان” والمضي قدما باستثمارات إنتاجية حقيقية دون التركيز على الخدمية والريعية، فالمراهنة على دوره الاجتماعي والاقتصادي لازالت قائمة، وكلنا أمل ألا نخسر الرهان.

حسن النابلسي

hasanla@yahoo.com