ثقافةصحيفة البعث

ارتجالية الطرح و الرهان على الاستمرار

في جولة على دراما هذا العام، نرى طغيان الطابع الاجتماعي، وهذا لا يمكن التعامل معه إلا بنص يحمل رؤية اجتماعية معاصرة تسعى للإمساك بعصر اللحظة ومحاولة تشخيص عيوبنا وأوجاعنا، فمهمة الدراما تشخيص الداء والإشارة إليه وتوصيفه. ورغم محاولة صناع الدراما تحدي الظروف السيئة التي يعانيها البلد والعالم كله والرهان في الحفاظ على استمرارية الدراما إلا أن ما عُرض من أعمال في هذا الموسم الدرامي افتقد للمنهجية التي تحكم عملها، لتظل مرهونة للارتجالية وعجلة السرعة، حيث كما كل عام يأتي موسم رمضان وأغلب الأعمال لم ينته تصويرها أو عملياتها الفنية. وهذا العام جاءت جائحة كورونا لتكون شماعة نعلق عليها سوء الحال، والمصادفة وحدها هي التي تحكم عرض عمل متكامل العناصر، مما انعكس سلباً على الأعمال الدرامية، وعلى هويتها التي تفتقد للوضوح والدقة، والدراما كمنتج وطني مهمتها المساهمة في معالجة الأوضاع الاجتماعية والإنسانية، خاصة وأن لديها كوادر مبدعة ومؤهلة لإنتاج أعمال درامية، تليق بها وبالمشاهدين، من كتاب ومخرجين وممثلين يدركون قضايا مجتمعهم ومعاناته، ويعرفون كيف يطرحونها.

وفي نظرة إلى الدراما وما حققته من حضور لدى الناس عبر تناولها لقضاياهم الحياتية والإنسانية، نرى أن السيناريو هو الحامل الأساسي لهذه الدراما من خلال الموضوعات التي تطرحها. وقد أصبحت الدراما العربية والسورية على وجه الخصوص ذات هوية فنية واضحة، تتجلى في العملية الفنية المتكاملة من كتابة وإخراج وتمثيل وإنتاج، وهذا ما افتقدناه في أعمال الموسم الدرامي لهذا العام، قياساً بأعمال المواسم الرمضانية السابقة، حيث كان بعضها – وللأسف – شبيهاً في مستواه الفني والفكري بروايات عبير لليافعين، وربما من هنا جاءت اتهامات بعض صفحات التواصل الاجتماعي بأنها رغم ما حققته الدراما السورية من حضور هي دراما ارتجالية، لأن صناع الدراما يظلون مرهونين لفكرة السرعة بالإنتاج واللحاق بموسم رمضان، ويتذكرون بآخر لحظة أنه يجب أن ينتجوا، وهذا ينعكس سلباً على العمل الدرامي.

وإذا توقفنا عند التصريحات الكثيرة التي تطلق حول الخطر المحدق بالدراما السورية سواء من حيث تكرار الموضوعات التي تتناولها، وعدم معالجتها العميقة للقضايا التي تطرحها، أم من حيث الرؤى الإخراجية، خاصة وأن الدراما المصرية لها حضورها المميز على الساحة الدرامية، سواء من خلال عدد الأعمال التي تنتجها، أم من حيث التقنيات الإخراجية، إضافة لحضور الدراما العربية الأخرى مثل الخليجية واللبنانية التي حقق بعضها حضوراً مختلفاً من خلال توجه الكثير من المخرجين السوريين للعمل فيها، الأمر الذي يحتاج من صناع الدراما وقفة مع الذات لوضع خطط إستراتيجية تنقذ الدراما من ترهلها، بفتح نوافذ جديدة لموضوعات لم تطرحها سابقاً، حيث أنها بدأت تكرر موضوعاتها وإن بلبوسات مختلفة كأن تقدم السياسة بغطاء اجتماعي.

واليوم، ومن خلال ما يطرح حول ما تتعرض له الدراما السورية من تهديد بسبب العقوبات الاقتصادية التي قد تؤثر على تسويقها عربياً، من الضروري البحث عن حلول أخرى، ولعل في هذا بعض من فائدة من منطلق مراجعة الدراميين لذاتهم وتجديد أدواتهم وأفكارهم وطرق موضوعات أكثر واقعية تتناول هموم المواطن وتوظيف ما يحدث الآن في سورية لخدمة هذه الدراما بحيث تستعيد في مواسم قادمة حضورها بحرفية ومصداقية أكثر لتبقى جديرة باهتمام المشاهد العربي الذي شكلت الدراما السورية حضوراً ملفتاً في اهتماماته الدرامية، وعلى صناع الدراما أن يكونوا أكثر اهتماماً وجدية في تبني أعمال ذات سوية فكرية وفنية تليق بسورية وبدراما تحمل اسمها، واحترام فكر المشاهد السوري والعربي وجذبه والارتقاء بذائقته، حتى لا يكون أسير أعمال هابطة تعرضها قنوات أخرى من أولى رسائلها استهداف فكر هذا المشاهد بما تقدمه من أعمال لا تقدم له أي فائدة، فهل لنا أن نكون جميعاً، كل من موقعه على قدر مسؤولياتنا في مواجهة التحدي الذي تتعرض له درامانا، وأن يصوّب أصحاب شركات الإنتاج بوصلة عملهم بتبني أعمال أكثر جرأة وحياتية، وكسب الرهان على استمرار الدراما وتألقها.

جُمان بركات