محليات

كورونا خفف ضغط الأهالي وقلق الامتحان تبدده طمأنات “التربية”!

مع اقتراب امتحانات شهادتي التعليم الأساسي والثانوي يبدأ الضغط النفسي على الطلاب وذويهم، إذ يعتبر الامتحان محطة مهمة في حياة كل طالب، كونه يقطف ثمرة مجهوده ويحدد مستقبله ويقترب به خطوة نحو تحقيق حلمه، لكن يبقى رهاب الامتحان ينتاب الكثير من الطلاب، حيث تلعب رهبة الامتحان دوراً محفزاً على الدارسة ودافعاً للتحصيل والإنجاز، وفي ذات الوقت يكون الخوف من الفشل أو من ردة فعل الأهل الذين يصر أغلبهم على وضع أبنائهم في أجواء الضغط النفسي والقلق، بإعلان حالة الاستنفار المنزلي، وذلك بقطع العلاقات الاجتماعية وحصار الطالب من كافة النواحي لتزداد مشاعر الخوف والقلق والتوتر من اجتياز هذا الاختبار النهائي، الذي يشكل حصاد ما زرعه منذ بداية العام الدراسي و”ما يزيد الطين بلة” أن الطالب لا يجد نفسه أمام الضغط المرتبط بالتحصيل العلمي فقط، بل هناك ضغوط أخرى يفرضها الأهل، كالمنافسة مع الأقارب وضرورة تحقيق أعلى الدرجات إرضاء للبرستيج الاجتماعي، ما يحمل الطالب فوق طاقته، ليقع تحت ضغط مشكلات نفسية تنعكس سلباً على دراسته قبل الامتحان، وخاصة الطلبة المتفوقين الذين يرافقهم قلق الحصول على درجات كاملة والوصول إلى الميزات المترتبة على ذلك.

في المقلب الآخر يرى خبراء تربويون أن حالة الخوف من الامتحان تأتي نتيجة طبيعية لضعف الثقة في النفس أو الرغبة في التفوق على الآخرين. وفي الحقيقة، أن حالة القلق التي تنتاب هؤلاء تصاحبها بعض الأعراض العضوية والنفسية منها: سرعة الانفعال، وانشغال الذهن بأفكار سلبية، ما يقلل القدرة على التركيز ويعطي نتائجاً سلبية، مشيرين إلى أهمية وضوح الأسئلة الامتحانية والابتعاد عن التركيب والتأكيد على شموليتها لجميع المستويات.

تدرج ووضوح

وزارة التربية لم تكن بعيدة عما أشار إليه الخبراء لتأتي طمأنة المعنيين من خلال تصريحات المعنيين حول المحددات الواضحة للنماذج الامتحانية، وذلك كطرح الأسئلة الواضحة التي لا تحتمل التأويل في الإجابة عنها وفي تصحيحها على أن تغطي الأسئلة موضوعات الكتاب المطلوبة (شمولية الأسئلة لمستويات التفكير)، حيث أكد وزير التربية عماد العزب في أكثر من مناسبة على التدرج في طرح الأسئلة أثناء تنظيم الورقة الامتحانية، إضافة إلى التنويع في طرح الأسئلة من المعارف ومستوياتها والمهارات العقلية (تذكر.. تحليل ونقد وتقويم..)، مع التأكيد أن الأسئلة الامتحانية ستكون من داخل الكتاب المقرر وتطبيقات على ما جاء فيه حصراً، مع اعتماد الطريقة المباشرة في طرح السؤال والبعيدة عن التعقيد.

ويوضح تربويون أنه مهما كانت أسباب القلق لا يجب أن يتحول إلى ضغط يوثر على نفسية الطالب، فينعكس سلباً على أدائه الامتحاني، فالتركيز والنوم الكافي والتحضير الجيد مع بذل الجهد هي أمور مهمة جداً لخوض الامتحان والحصول على النتيجة المرجوة.

ولم يغفل التربويون وجود القلق والضغط النفسي كون المرحلة حرجة في حياة الطلاب تحدد مسيرتهم العملية ومستقبلهم المهني ومقولة (في الامتحان يكرم المرء أو يهان) صحيحة ومنطقية في هذه المرحلة، داعين الأهالي إلى عدم المبالغة في القلق الامتحاني أو الضغوط النفسية التي يعيشها الطالب أثناء الامتحان لأنها تأتي بنتائج عكسية، وقد تسبب له الانهيار أو الفشل.

إرضاء الأهل

ويتوقع  متابعون أن يكون هذا العام الاستثنائي نتيجة الإجراءات الصحية المتبعة منعاً من انتشار وباء كورونا أقل قلقاً وضغطاً من الأعوام السابقة، وذلك بعد أن اتخذت الوزارة الاحترازات الوقائية، ومنها تجنب التجمعات أمام المراكز الامتحانية من قبل أولياء الأمور، خاصة أن السنوات الماضية شكل تجمهر الأهالي أمام المراكز حالة قلق وضغط على الأهالي الذين ينتظرون الأبناء بفارغ الصبر للخروج من الامتحان، إضافة إلى هواية بعض الطفيليين في التشويش على العملية الامتحانية من خلال نشر  شائعات حول نمط الأسئلة وصعوبتها وعدم كفاية الوقت مع اتهام المراقبين بمضايقة الطلاب والتأثير عليهم، ما يترك حالة ارتباك وقلق عند الأهالي لتنتقل بعد ذلك إلى الطلاب الذي يعيش لحظات عصيبة داخل الامتحان وخاصة عند النسيان أو عدم قدرته على حل الأسئلة، واضعاً في مخيلته صورة أهله المنتظرين خارج المركز وعبارات التوبيخ واللوم.

الثقة بالنفس

واستطلعت “البعث” آراء بعض الطلاب من “الشهادتين”، حيث يعتبر حيان من الصف التاسع أن الثقة بالنفس تزيل الخوف والرهبة، فلكل مجتهد نصيب ومن يدرس ويتابع من بداية العام يصل إلى موعد الامتحانات وهو مرتاح نفسياً ومستعد بشكل جيد للامتحان، أما الطالبة ألمى من ذات الصف فقالت: إنني أدرس وأعمل ما علي وأهلي يرفعون معنوياتي ويزيدون الثقة في نفسي.

أما الطالب محمد من الصف الثالث الثانوي فيرى أنه يدرس بشكل جيد، لكن حالة القلق بدأت ترافقه مع اقتراب موعد الامتحانات كونه يخاف من نسيان المعلومات، وتتفق معه زميلته ريهام التي تخشى نسيان المعلومة رغم تحضيرها الجيد للامتحان، ولكن تعاني التوتر والقلق نتيجة إلحاح أهلها على الدارسة في كل الأوقات.

ويؤكد طلاب آخرون أنهم يخافون من مجرد كلمة امتحان بسبب حالة الطوارئ التي يفرضها الأهل في المنازل، ومع تكرار موعد الامتحانات المدرسية سنوياً تزداد مشاعر الخوف والقلق والتوتر من اجتياز هذا الاختبار النهائي، حيث تعتبر الاختصاصية النفسية سلام قاسم أنه امتحان يجد فيه الطالب نفسه أمام اختبارات أخرى نفسية ومدرسية واجتماعية، ولاسيما أن القلق والتوتر شعور طبيعي يحض الطالب على الدراسة والجهد والمثابرة، إنها بمثابة محفز له شرط أن تكون ضمن أطر عادلة وطبيعية.

أسباب توترية

وعن أهم الأسباب النفسية المؤدية لهذا التوتر والخوف، تشير قاسم إلى ضغط الأهل أو حكم الأساتذة أو رأي الأصدقاء، والخوف من عدم إرضائهم وعدم التحضير الكافي، إضافة إلى الاستهتار والإهمال يوصلان الطالب إلى الشعور بالضغط والقلق عند الامتحان، وبأنه لا يملك الوقت الكافي للدراسة، لافتة إلى أن عبارة “في الامتحان يكرم المرء أو يهان”  تعكس زيادة الضغط النفسي والاجتماعي لدى الطلبة أثناء فترة الامتحانات، إذ تعد هذه الفترة من الفترات الحرجة التي لا يعيشها الطلبة فحسب، بل تمتد آثارها إلى داخل البيوت وتعلن حالة الطوارئ والاستنفار في المجتمع، وتجتاح موجة عارمة من القلق والتوتر قلوب كل من الطلاب وأوليائهم، فإما فرح مكلل بنجاح أو رسوب تنكس له الرؤوس.

وتؤكد قاسم على ضرورة تعديل طريقة الامتحان لتناسب الحياة العصرية والتخفيف من التوتر والضغط النفسي على الطالب، مشددة على أهمية الاستماع للموسيقا من الطالب و‏القيام بالتمارين الرياضية مثل رياضة المشي التي تحفز وتحسن الذاكرة والقوة العقلية والحصول على نوم كاف وتأثيره على الدراسة، فإن النوم يساعد خلايا ‏العقل على استيعاب المعلومات الجديدة ونقلها للذاكرة طويلة المدى وإمكانية استعادتها حين الطلب، إضافة إلى الابتعاد  عن كل ما يسبب تشتيت الذهن والابتعاد عن التوقعات، وما تنشره صفحات التواصل الاجتماعي من شائعات وأخبار.

قبيل الامتحان

ومع الضغط النفسي والقلق أثناء الامتحانات تدخل الدروس الخصوصية المكثفة على خط إرهاق الطالب، وخاصة أنها قبل موعد الامتحان بساعات قليلة، ما يسبب حالة تشتت ونسيان في أغلب الأحيان عند الطالب، حيث يجد أغلب الأهالي في هذه الدروس طريق النجاح والتفوق متناسين المثل القائل “العليق عند الغارة لا ينفع”. ويوضح المدرس جابر معمرجي أنه لا فائدة من هذه الدروس قبل الامتحان بساعات ومعظم الطلاب الذين يطلبون الدروس الخاصة قبيل الامتحان يبحثون عن التوقعات وأوهام التسريب، معتبراً أن الطالب الذي تابع مع مدرسه عاماً كاملاً ونظم وقته لن يحتاج إليها ومن أضرارها تشتيت الطالب وزعزعة دراسة عام كامل، وقد تتضارب الآراء قبيل الامتحان فيزداد الطالب قلقاً، محملاً الجميع مسؤولية هذا القلق، فنظام التعليم قائم على امتحان يتوقف عليه مستقبل الطالب.

الكتاب المفتوح

ورغم التطوير الحاصل في المناهج والتي تواكب التطوير المعرفي والتكنولوجي في العالم تبقى مناشدات الخبراء التربويين من مواكبة هذا التطوير على مستوى الأسئلة وإلغاء الأسئلة التقليدية، خاصة أن المناهج المطورة تركز على اكتساب المهارات والفهم والابتعاد عن الحفظ والتلقين.

ومع حرص وزارة التربية على العمل لتطوير نمط الأسئلة الامتحانية حسب المناهج التربوية تعلو أصوات المختصين من أجل  الاستفادة من تجارب الدول المتقدمة في العلم وإلغاء الامتحانات النمطية وربط الامتحان بالحياة ودراسة جدية من القائمين لإمكانية تطبيق نمط الكتاب المفتوح هو أسلوب جدير بالتطبيق.

علي حسون