اقتصادزواياصحيفة البعث

هل المشكلة بالتخطيط أم بالخبراء؟

أوحى قرار الحكومة الأخير الاستعانة بالباحثين أو الخبراء لوضع الحلول والمقترحات للمشكلات التي ظهرت خلال الأزمة، وكأنّ الحكومات السابقة لم تستعن بأي باحثين أو خبراء، بل وكأنّ المؤسسات والجهات الحكومية خالية تماماً من الباحثين والخبرات!!

ترى هل هذا الإيحاء صحيح؟ وهل فعلاً تمّ استبعاد الباحثين والخبراء عن الشأن العام ولاسيما في المجال الاقتصادي؟

كما نعرف، لم تخلُ حكومة على مدى العقود الماضية من وزراء أتوا من الجامعات وخاصة من كليات الاقتصاد، كما ترأس أكاديميون وباحثون وخبراء – ولا يزالون يترأسون – الكثير من المؤسسات الحكومية. وبتفصيل أكثر، وزارة الاقتصاد يشغلها دائماً أكاديمي أو باحث، بل إن بعضهم عمل خبيراً في منظمات إقليمية ودولية.

أكثر من ذلك النائب الاقتصادي لرئيس الحكومة كان غالباً أستاذاً جامعياً أو أكاديمياً، أي هو باحث وخبير في مجال الاقتصاد والتجارة الخارجية والداخلية. وما من مجلس شعب إلا وضمّ صفوة من خبراء وباحثين لم يتمكنوا من إقناع أي حكومة بالأخذ بمشورتهم في أية قضية اقتصادية. ولولا وجود الخبرات والاختصاصات العالية في شركاتنا الإنشائية، منذ سبعينيات القرن الماضي، لما قامت سورية الحديثة كما عرفناها قبل الأحداث بمصانعها وسدودها  وجسورها وسكك حديدها وصوامعها وشبكات ريها واستصلاح أراضيها ومدنها السكنية.. إلخ.

وإذا كان الأمر يتعلّق بالجانب البحثي والمخبري، فإن أسابيع العلم السنوية كانت تقدّم مئات البحوث في شتى المجالات دون أن تستفيد منها أية جهة حكومية! والمثال الأقرب الدراسات التي أعدّها باحثون باسم اتحاد نقابات العمال ومعظمها بمثابة وصفات لمعالجة قضايا اقتصادية إستراتيجية استلمتها الحكومات السابقة ووضعتها في أدراج محكمة الإغلاق! وعلى سبيل المثال، منذ ثمانينيات القرن الماضي، نُشرت بحوث حول إقامة مترو دمشق، فتصوروا لو نُفذ البحث في حينه، خاصة وأنه استأثر باهتمام شركات عالمية.. هل كنّا نعاني اليوم من أزمة نقل مستفحلة وعصيّة على الحل؟

لعلّ السؤال الأهم: هل نحتاج الآن إلى التخطيط؟ أي إلى صياغة رؤية إستراتيجية للمستقبل بمساعدة الباحثين والخبراء، أم هدر الوقت بمسابقات بين الباحثين لتقديم حلول للأزمات التي تعصف بنا منذ سنوات؟

عندما وضعنا رؤية عنوانها “الأولوية للزراعة”، تمكنّا من وضع خطط تنفيذية لترجمتها ورصد ما تحتاجه من اعتمادات مالية أثمرت اكتفاءً ذاتياً وخاصة في المحاصيل الزراعية. ومنذ أن أهملت الحكومات تبني الخطط الخمسية في تسعينيات القرن الماضي فقدنا الرؤية والبوصلة وعجزنا حتى عن إصلاح قطاعنا العام وإيجاد الحلول لأزماتنا التي تتفاقم يوماً بعد يوم! أما القطاع الإنشائي الذي كان يضمّ آلاف الخبراء والخبرات من معظم الاختصاصات وبنى سورية الحديثة، فقد جرى تقزيمه وتهميشه مع بدايات تسعينيات القرن الماضي وأصبح اليوم من الماضي “السحيق”!

لقد اقترحنا منذ تسعينيات القرن الماضي إحداث مركز لصناعة القرار ملاصق لرئاسة مجلس الوزراء يضمّ باحثين وخبراء في شتى الاختصاصات، مهمته مساعدة الحكومة في إنجاز الخطط وصياغة القرارات المطلوبة لوضعها موضع التنفيذ؛ ومثل هذا المركز الموجود في الكثير من الدول هو الأنجع والأكثر فعالية لصياغة رؤية اقتصادية مستقبلية تُترجم بخطط خمسية قابلة للتنفيذ، بدلاً من اقتراحات أشبه بالمسابقات “العابرة”!

بالمختصر المفيد: نحتاج لرؤى يصوغ خططها – “الخمسية” أو “العشرية” – الخبراء وتنفذها الحكومات.

علي عبود