الصفحة الاولىصحيفة البعث

الانشقاقات تدفع أردوغان لشن حملة اعتقالات في الجيش والأمن

شنّ النظام التركي حملة اعتقالات جديدة واسعة، أمس الثلاثاء، ضد عدد كبير من الضباط والعسكريين برتب عليا، بذريعة المشاركة في “محاولة انقلاب” عام 2016، التي أصبح يستخدمها رأس النظام رجب طيب أردوغان لسجن معارضيه من السياسيين أو حتى من الصحفيين والناشطين المدنيين.

وقال مكتب الادعاء بإسطنبول: إنه أصدر مذكرات اعتقال بحق 42  من أفراد الجيش والدرك، بينهم 24 ضابطاً في الخدمة الفعلية، بعد شهادات قدّمها أشخاص محتجزون سابقاً ضدهم، كما أصدر أوامر منفصلة باعتقال 76 من أفراد الجيش والدرك ومدنيين بتهمة التواصل مع عناصر من منظمة غولن، بينهم 74 بالخدمة الفعلية. وشملت أوامر الاعتقال أفراداً من القوات البرية والجوية والبحرية، إضافة إلى ضباط برتبة كولونيل وثلاثة برتبة لفتنانت.

ويقول مراقبون: إن سياسة أردوغان في السنوات الأخيرة، عبر التدخل في شؤون الدول الأخرى، والزج بتركيا في عداوات وتوترات مع الخارج لتنفيذ أجندته العثمانية الإخوانية، خلفت خسائر بشرية في صفوف المؤسسة العسكرية، ما أثار استياء كبيراً، وأدى إلى موجة استقالات، تمّت السيطرة عليها لاحقاً، بالإضافة إلى التستر عن مقتل عناصر من الجيش برتب عليا خلال الحرب الدائرة في ليبيا، ما ينذر بانشقاقات كبيرة، تفسّر الحملة الحالية على مؤسستي الجيش والأمن.

ويشن نظام أردوغان منذ محاولة الانقلاب حملة قمعية شديدة لاستهداف معارضيه وخصومه، حيث تمّ اعتقال حوالي 80 ألفاً إلى حين محاكمتهم، وفصل نحو 150 ألفاً من موظفي الدولة ومن الجيش وغيرهم، أو أوقفوا عن العمل. ونالت وحدات الجيش التركي، البرية والبحرية والجوية، الحصة الأكبر من حملة الاعتقالات الضخمة تلك، وتصاعدت حملة الاعتقالات مؤخراً، خاصة بعد الانشقاقات التي شهدها حزب أردوغان.

وفي إطار صلاحياته الدستورية المُطلقة، تمكّن أردوغان من تعزيز سيطرته بشكل كامل على القوات المسلحة، التي كانت حتى وقت قريب أحد أهم عوامل الحكم في تركيا، لكنّ أردوغان نجح في السنوات الأخيرة من تحييدها أولاً، ومن ثمّ ضمان موالاة كبار ضباط الجيش له.

وأدت الحملات المتكرّرة في صفوف الجيش إلى استقالات كبار الضباط الأتراك، ما ينذر باختلال خطير في توازن القوات المسلحة، حيث أصبحت أغلب قياداتها المتبقية تنتمي إلى حزب العدالة والتنمية الإخواني الحاكم. ويشبه مراقبون الاستقالات في صفوف المؤسسة العسكرية بالانشقاقات التي حصلت في حزب العدالة والتنمية عندما انسحب كبار قادته وتوجّهوا لتشكيل أحزاب مُنافسة بعيداً عن هيمنة أردوغان وسياساته الانفرادية الداخلية والدولية.

وتعجّ السجون التركية بالمعتقلين السياسيين وسجناء الرأي، حيث استغل النظام التركي محاولة الانقلاب الفاشلة لإطلاق حملة أمنية واسعة تستهدف خصومه السياسيين ومنتقديه. وتوجه منظّمات دولية تدافع عن حقوق الإنسان من وقت لآخر انتقادات كبيرة بسبب القمع، الذي أصبحت حكومة العدالة والتنمية تنتهجه مع المعارضين لسياسات أردوغان، وتطويعها القوانين لصالحها دورياً، حتى أن تهمة “الإرهاب” أصبحت جاهزة على المقاس، وتوجه جزافاً للصحافيين والمعارضين والنشطاء على حد سواء.

وقدّم عمر فاروق جرجيرلي أوغلو، نائب رئيس حزب الشعوب الديمقراطي، في مدينة كوجالي، وعضو لجنة حقوق الإنسان في البرلمان التركي، منذ أيام، استجواباً برلمانياً حول المعتقلين في السجون التركية منذ فترات طويلة دون أن يصدر حكم قضائي ضدهم، وطالب باستجواب وزير العدل عبدالحميد جول، مرفقاً طلب الإحاطة بخطابات ورسائل أهالي الضحايا، وأشار إلى أن العامل المشترك بين جميع الخطابات والرسائل أن أصحابها ينتظرون قرارات المحكمة العليا التي تتراخى في استكمال مراحل التقاضي منذ مدة طويلة.

ووفق تقرير منظمة هيومن رايتس وتش لعام 2019، فإن العديد من محاكمات “الإرهاب” في تركيا تفتقر إلى أدلة دامغة عن وجود نشاط إجرامي أو أعمال معقولة يُمكن اعتبارها إرهابية. كما توجد بواعث قلق بشأن الحبس الاحتياطي المطول للمتهمين بجرائم إرهابية، ومن تحوّله إلى شكل من أشكال العقاب الجماعي.