تحقيقات

الفلاح يئن من المعاناة.. كوارث طبيعية وأسعار محبطة وحبل الوعود مستمر!

تبرز اليوم أكثر من أي وقت مضى أهمية القطاع الزراعي، وذلك في ظل العقوبات المفروضة على سورية التي كان آخرها تطبيق ما يسمى “قانون قيصر” مطلع هذا الشهر، وهو ما ستكون له تداعيات خطيرة على الاقتصاد الوطني إذا لم نستطع التصدي له بالإجراءات العملية المناسبة، ولعل أهمها زيادة العناية والاهتمام بالقطاع الزراعي المهمل بشكل ملحوظ، منذ سنوات، وسط غياب واضح لدعم المزارعين الذين تضاعفت خسائرهم نتيجة العوامل والكوارث الطبيعية، والتكاليف الباهظة التي تتطلبها عملية الإنتاج الزراعي، بدءاَ من حراثة الأرض، مروراً بجني المحصول ومستلزمات الإنتاج، وصولاً لتسويقه، ما أثر بشكل واضح على الأمن الغذائي الوطني، وعدم تحقيق الاكتفاء الذاتي، وهذا ما جعل الكثير من الفلاحين والمزارعين يهجرون أرضهم، ولسان حالهم يقول: “الأرض يا دوب تجيب تعب”.
للأسف، هذا هو واقع حال القطاع الزراعي الذي تعب من الدعم الورقي والكلامي على مدار السنوات الماضية التي عانى خلالها الفلاح من الأزمات والكوارث التي تقضي على موسمه دون أن تكون هناك أية إجراءات تعوّض له ولو جزءاً بسيطاً من خسائره!.

فلاحون مستغربون!
أبو عدنان، مزارع من طرطوس، عبّر عن امتعاضه من أداء وزارة الزراعة لجهة التقصير بالإجراءات المطلوبة منها لتحسين واقع الفلاح، ومساعدته على الاستمرار بزراعة الأرض، وقال: لا يوجد هناك ما يحفزنا على الزراعة، فالخسائر متلاحقة، وإن كان لا حول ولا قوة لنا مع الكوارث الطبيعية، لكن أين الجهات المعنية الغائبة والبعيدة عن معاناة الفلاح؟ لماذا رفعت أسعار الأسمدة والمبيدات الحشرية وباقي مستلزمات الإنتاج؟ ألا يعلم المعنيون بالأمر أنه إذا أراد الفلاح الحصول على قرض يعينه يدخل في متاهة قد تضطره لصرف أموال كثيرة حتى يفوز به، وقال أبو عزيز: أمر غريب فعلاً الفلاح يحرث ويجني المحصول ويبيع بسعر التكلفة، بينما التاجر يبيع بأضعاف السعر، بل حتى بائع البسطة يجني أكثر من الفلاح “المعتّر”
وأحدهم علّق على إجراءات وزارة الزراعة: “للأسف هي شاطرة فقط برفع سعر السماد والأدوية الزراعية، مع أن أغلبها فاقد الصلاحية، عدا عن الضغط على الفلاح وقهره، بينما التاجر والوسيط يأكل كل شيء!

لماذا هذا الإهمال؟
الدكتور محمد رقية، الخبير الاستشاري في الاستشعار عن بعد والجيولوجيا والبيئة تساءل: لماذا هذا الإهمال للقطاع الزراعي رغم كل ما تمتلكه سورية من مناخ ملائم، وأراض زراعية خصبة، ويد عاملة، وخبرة زراعية؟ ألا يكفي الفلاح ما يتكبده من خسائر كبيرة جراء تأثيرات الطقس كالرياح والصقيع والحرارة العالية التي قلما ينجو منها فلاح واحد، والتي يمكن أن تقضي على الموسم بكامله، وخاصة الزراعات الباكورية والبيوت البلاستيكية؟!.
وبرأي الدكتور رقية فإنه آن الأوان كي تعطي الحكومة الأهمية القصوى والأولوية للقطاع الزراعي لأنه هو أساس الصمود والقرار السيادي المستقل، مشيراً إلى أن الفلاح في بلدنا يعاني من مشاكل عدة، حيث لم تعد لديه قدرة على تحمّل التكاليف الباهظة كالحراثة التي ارتفعت أجورها عشرين ضعفاً، وكذلك الأسمدة ارتفعت إلى ستة أضعاف، عدا عن ارتفاع أجور العمال في جني المحصول، وأجور النقل، وارتفاع أسعار العبوات بشكل مخيف أكثر من 20 ضعفاً، وبذلك لا يجدي معها أي سعر يبيع به الفلاح، عدا عن الارتفاع الجنوني بأسعار مبيدات الحشرات التي لا يمكن الاستغناء عنها في العملية الإنتاجية، وارتفاع أسعار الغراس بين 20 و 30 ضعفاً حتى في المشاتل الحكومية، أما في المشاتل الخاصة فحدث ولا حرج،
وقال: ليس مقبولاً تلك الأسعار المتدنية جداً لمنتجات الفلاحين، وخاصة الخضار والفواكه التي لا تغطي تكاليف الإنتاج في كثير من الحالات، لذلك يبقيها الفلاح دون قطاف لأن خسائره ستكون أقل، وفي الوقت نفسه تصل للمستهلك بأسعار مضاعفة (٥ – ١٠) أضعاف!.

يريدون دعماً حقيقياً
ورداً على سؤال حول كيفية الدعم الحكومي لقطاع الزراعة شدد الدكتور رقية على الدعم الحقيقي الفعلي للأرض الذي يريده كل فلاح، لاسيما لجهة تخفيض تكاليف الإنتاج، ورفع أسعار المنتجات، بحيث تحقق ريعية محددة للفلاح، وإعطاء القروض والمساعدات المالية اللازمة لعملية الإنتاج دون تعقيد أو تعجيز، والتعويض على الفلاحين عند الكوارث الطبيعية تعويضات مجزية وعادلة.
ولفت الدكتور رقية إلى أهمية إقامة معامل التصنيع الزراعي في أماكن الإنتاج كعصائر الحمضيات والكونسروة وغيرها من أجل تخفيف تكاليف الإنتاج، وتشغيل اليد العاملة من أبناء المنطقة.
وحسب الدكتور رقية، إذا لم يتم تدارك السلبيات التي أوردها في العمل الزراعي من خلال دعم الفلاحين فستتم هجرة العمل الزراعي، وستزداد أعداد “المهمشين” في الطرقات الذين يستجدون لقمة العيش!.

خارطة لتطوير الإنتاج
الدكتور علي سلطانة (كلية الزراعة، جامعة تشرين) دعا إلى اتباع سياسة زراعية جديدة تقوم على رسم خارطة لتطوير الإنتاج الزراعي كماً ونوعاً عبر توفير مدخلات الإنتاج الزراعي ودعمها من قبل الحكومة، وتحديد الزراعات التي تحقق الأمن الغذائي الذاتي، وتوزيعها بشكل منظم ومتناسب مع الموارد المائية،
كما أكد على أهمية العمل على إدخال التكنولوجيا الحديثة في الإنتاج الزراعي، وتنظيم العلاقة بين القطاعات الزراعية المختلفة والجهات والمؤسسات الحكومية المعنية بالقطاع الزراعي، وتشجيع المزارعين عبر وضع سياسات تسويقية ودعمهم من خلال حمايتهم المادية والمعنوية في حال الكوارث التي يمكن أن تصيب محاصيلهم.
وبرأي الدكتور سلطانة أنه حان الوقت لاستثمار وتشجيع البحوث الزراعية، والاستفادة من مخرجاتها في إدخال الزراعات الحديثة، والاعتماد على الأصول المحلية وتطويرها، وأضاف: يجب أن يكون الهدف من الإنتاج الزراعي تحقيق الأمن الغذائي قبل التفكير بالتصدير للخارج، والعمل على خلق صناعات موازية تدعم القطاع الزراعي، وتعطي قيمة مضافة له، وعلى الجهات المعنية أن تعمل على توجيه الخطط الاستثمارية إلى القطاع الزراعي بشكل مكثف، وتجميع الحيازات الزراعية في نظم أهلية متكاملة بشكل مختلف عما يحدث حالياً من اتحاد الفلاحين وغيره.
كما دعا سلطانة لتوفير الطاقة ونظم الري الحديثة بأسعار خاصة للمزارعين، وشق الطرق الزراعية والمواصلات ووسائل النقل والمخازن، ووضع خطط تسويقية تتناسب مع حجم الإنتاج ونوعه وتوزعه، بالإضافة إلى الاهتمام بصيانة ومراقبة وتطوير الموارد الطبيعية الموجودة من غابات ومراع وأنهار وبحيرات، بالمختصر، هناك الكثير من الأمور الضرورية التي يجب العمل عليها لتحسين واقع القطاع الزراعي كي نأكل مما نزرع، ونلبس مما نصنع، فأحد الحكماء شبّه الدولة بالشجرة التي “جذورها الزراعة وأغصانها الصناعة وأوراقها التجارة”، ولا شك حتى تنمو تلك الشجرة وتطرح ثماراً تحتاج لتأمين مناخ مناسب وإدارة ناجحة، فماذا ننتظر طالما أن كل مقومات نجاح قطاعنا الزراعي بين أيدينا؟!.

هامش
عرفت سورية الزراعة منذ أقدم العصور، واشتهرت بجودة المنتجات الزراعية من الفواكه الصيفية والشتوية، والحبوب بأنواعها، وخاصة القمح المشهور عالمياً، كما تعد سورية الموطن الأصلي لبعض الأشجار المثمرة مثل: الزيتون، الفستق الحلبي، وغيرهما من الأشجار المثمرة.

غسان فطوم