اقتصادصحيفة البعث

المشاريع المتعثرة وطرق معالجتها

 

أصبحت المشاريع المتعثرة سمة من سماتنا التنموية، والسبب يرجع إلى أن المشاريع لا تتطلب فقط مستثمرين، وإنما تتطلب جهدا جماعيا من كل الوزارات المعنية، فليس من المعقول أن تتحمّل وزارة الصحة مثلا مسؤولية تعثُّر المشاريع بينما تقوم مصلحة الجمارك بمنع استيراد المعدات الطبية، فهذه القضية هي مشكلة ذات جذور متشابكة، ولابد أن تحل بشكل جماعي. ولا أعتقد أن المشكلة هي في نظام الحكومة في تنفيذ مشاريعها، والذي يشترط إعطاء الأولوية للعرض الأقل قيمة، فهذا الشرط ليس السبب في تعثر المشاريع, وإنما يضمن وجود المنافسة بين المقاولين. السبب الرئيسي لهذا التعثر هو عدم وجود جهد جماعي بين مختلف الوزارات والجهات المعنية لحل هذه المشكلة.

أصبح تعثُّر المشاريع قضية القضايا ومشكلة المشاكل في وقتنا الحالي. المشروع المتعثر هو المشروع الذي تجاوز مدته المحددة ولم ينفذ منه أكثر من 50% حسب التعريف الإداري والفني؛ وفي رأيي أن هذا التعريف غير دقيق، لأن المدة تحدد افتراضا، فالمشروع الصغير يعامل مثل الكبير في المدة، وفي رأيي أن المشروع المتعثر هو الذي يتوقف العمل فيه دون أي عائق كبير أو يتجاوز المدة الافتراضية له بنسبة تزيد على ضعف المدة الأصلية وذلك لضمان سلامة تقدير المدة.

تصنيف المشاريع المتعثرة:

يمكن تقسيم المشاريع المتعثرة إلى:

01– مشاريع متعثرة أولية: يكون التعثر في مرحلة التكوين ولاتزال أسبابه كامنة تحت السطح، ويأخذ بوادر غير محسوسة لا تثير انتباه المستثمرين حيث أن مخاطره لاتزال أولية. هذه المشاريع تستدعي متابعتها بدقة واتخاذ الإجراءات الوقائية المناسبة قبل تدهور وضعها.

02– مشاريع متعثرة ثانوية: يكون التعثر في مرحلة النمو، وقد تجاوز مرحلة التكوين وأصبح له مظاهر واضحة ملموسة ويمارس ضغوطا واضحة تزداد تدريجيا على متخذ القرار في المشروع، والذي بدأ يشعر بالقلق حول إمكانية نجاح المشروع, هذه المشاريع تتطلب رعاية أكثر, وهي ليست بالضرورة مشاريع مشكوك بها.

03– مشاريع متعثرة بشكل كامل: في هذه الحالة، يكون التعثر مكتملا وفي مرحلة النضج، حيث بلغ شدة أزمته وأقصى حد له، وأصبحت أوضاعه بالغة السوء وتهدد استمراره وإمكانية تنفيذ هذه المشاريع بالكامل مشكوك فيها.

04– مشاريع هالكة: وهي تلك المشاريع التي استنفذت كافة الوسائل الممكنة لانقاذها ومعالجتها بحيث أصبح مستحيلا تنفيذهاعلى أرض الواقع. وعليه يجب وضع خطة لانهاء المشروع وتصفيته وفقا للخطة التي اتفق عليها المالكون.

أسباب تعثر المشاريع:

هناك اسباب عديدة لتعثر المشاريع تختلف حسب الزمان والمكان والقطاع والمشروع بحد ذاته. نود هنا أن نذكر الأسباب الرئيسية منها، وهي:

  1. اعتماد المشاريع على دراسة جدوى من شركات محلية لا تملك المؤهلات والخبرات المطلوبة لذلك. وغالبا ما تكون هذه الدراسات خاطئة سواء بالنسبة لقدرة التدفقات النقدية الداخلة لتغطية التزامات المشروع، وكذلك بالنسبة لمعدل العائد من الاستثمار ومدى توافقه مع تكلفة الأموال المستثمرة.
  2. سوء الإدارة والاعتماد على أفراد من عديمي الخبرة أو منخفضي الكفاءة والدراية الفنية والعملية في إدارة النشاط الذي يمارسه وكذلك حداثة خبراتهم في النشاط الذي يقومون به خاصة بالنسبة للمشروعات الجديدة التي تحتاج إلى مدراء ذوي خبرة أو معرفة خاصة بمثل هذه المشاريع التي يتم تنفيذها لأول مرة في الدولة ولا توجد بها خبرات سابقة في هذا المجال.
  3. ضعف التخطيط التمويلي وعدم قدرة المنشأة على إحداث توافق بين احتياجاتها وبين إيراداتها من التمويل.
  4. غياب التخطيط الجيد وعدم وضوح الرؤية اثناء مرحلة الدراسات والتصميم، عدم الاعتناءلإعداد وثائق المشروع قبل التنفيذ، القصور في دراسة طبيعة المشروع من حيث الموقع ومتطلبات التنفيذ.
  5. وجود شبهات للفساد والمحسوبية، وضعف كفاءة جهاز الاشراف الفني والمالي، عدم مشاركة فروع الجهات الحكومية أو شبه الحكومية (غرفة الصناعة – غرفة المقاولين) في المتابعة والاشراف، ضعف كفاءة أعضاء لجان الاستلام الأولي والنهائي للمشاريع.
  6. ضعف البنية التحتية وعدم التنسيق بين الجهات الخدمية التي لها علاقة بمواقع واعمال المشاريع، ضعف القاعدة المعلوماتية لدى الجهات المختصة عن البنية التحتية.
  7. هناك مشكلات متعددة تواجه أصحاب المصانع المتعثرة تتمثل أبرزها ارتفاع أسعار الكهرباء والمياه وأجور العمال والتأمينات والضرائب وكلها أعباء تجبره في النهاية على الإغلاق والخروج من السوق أو التوقف مؤقتا عن الإنتاج حتى يجد حلا من جانب الدولة لهذه المشاكل.
  8. إن معظم المصانع المتعثرة مشكلتها الكبرى هي في تسويق منتجاتها بسبب وجود منتجات رديئة في السوق مستوردة من الخارج بأسعار أرخص من المحلية، وبالتالي يجد صاحب المصنع نفسه غير قادر على مواكبة الظروف والأوضاع, مما يضطره إلى التوقف عن الإنتاج أو الإغلاق نهائيا.
  9. منشآت أو شركات إنتاجية لا تعمل بطاقاتها الكاملة وتنتشر فيها الطاقات العاطلة نتيجة لأي من الأسباب التالية:

– نقص عنصر من عناصر التشغيل أو لا يوجد التمويل اللازم لتوفير هذا العنصر.

– نقص أو تراجع الطلب على الإنتاج سواء لتغير أذواق المستهلك أو لنقص القدرة الشرائية نتيجة للكساد الذي حدث في المجتمع وانتشار البطالة فيه.

– ظهور منافس جديد لديه إمكانيات هائلة وقدرات تنافسية عالية تمكنه من الإنتاج بتكلفة أقل وجودة أعلى.

  1. منشآت تعمل على نطاق محدود صغير الحجم لدرجة لا تمكنها من الاستفادة من وفورات الإنتاج الكبير بل تعاني من كونها تنتج إنتاج نمطي مرتفع الكلفة ومنخفض الجودة لا يقبل عليه المستهلك إلا مضطرا، وهذه المشاريع غالبا ما تكون غير قابلة للتوسع كونها صغيرة الحجم نتيجة:

– صغر المساحة الجغرافية التي يشغلها المشروع وعدم وجود مساحات إضافية محيطة بها.

– تقادم التكنولوجيا المستخدمة وعدم إمكانية استخدام تكنولوجيا جديدة لاعتبارات فنية ومهنية.

– ارتفاع معدل ومتوسط سن العمال وعدم رغبتهم في إحداث تغيير، واعتبارهم أن أي تطوير هو بمثابة خطر يهدد استمرارهم في المشروع ومصدر رزقهم.

  1. سوق محلي محدود ينقصه القدرة على استيعاب الإنتاج والمرونة والتلقائية، ومن ثم لا يكون مشجعا للقيام بإنشاء شركات كبيرة الحجم، نظرا لأن السوق لايستوعب الإنتاج الضخم للوحدات الإنتاجية الحديثة، ومن ثم يكون على متخذ القرار بإنشاء هذه الوحدات أن يتجه إلى البحث عن أسواق خارجية تستوعب هذا الإنتاج، وعلى البنك الممول أن يكون مدركا لطبيعة المخاطر الإضافية التي يشملها منح الائتمان لهذه المشاريع، فالسوق وتصريف الإنتاج هو المقوم الأساسي الذي من خلاله تقوم المشاريع المقترضة بسداد الائتمان والديون التي حصلت عليها.
  2. مصاعب تأمين النقد الأجنبي أمام تزايد العجز في ميزان المدفوعات للدولة والانخفاض المستمر لقيمة العملة المحلية أمام العملات الأجنبية وبالتالي يجب مراعاة عدم السماح للمشاريع بالحصول على قروض متوسطة وطويلة الأجل بالعملات الأجنبية حتى لا يزيد تعثرها نتيجة ارتفاع سعر العملات الأجنبية بمعدلات تفوق ربحية المشاريع.

طرق معالجة المشاريع المتعثرة:

يجب أن تتم معالجة المشاريع المتعثرة ليس كمعالجة تمويلية محدودة وإنما ان تتم بمنظور تنموي متكامل يقودها إلى العودة إلى سوق العمل والنجاح من خلال الخطوات التالية:

  1. وضع دراسة جدوى اقتصادية جديدة من قبل شركات تملك المؤهلات والخبرات المطلوبة وأن تشكل لجنة من اقتصاديين مؤهلين لدراسة جدوى إنقاذ هذه المشاريع من عدمه لتلافى إهدار أموال إضافية ضخمة مرة أخرى دون جدوى.
  2. ضرورة أن تشارك البنوك السورية في المعالجة، من خلال منح هذه المشاريع المتعثرة قروضا إضافية وإعادة جدولة القروض لآماد طويلة (15-20) سنة وبأقساط مناسبة، وبفترة سماح (1-2) سنة وبضمان المشروع نفسه وتحرير الكفلاء السابقين الذين تضرروا بسبب تعثرها وتلكئها في سداد الاقساط الشهرية للقروض السابقة على تلك المشاريع .
  3. ضرورة أن تقوم كل من هيئة الاستثمار والبنك المدين أو جهات معنية أخرى بالإشراف على أوضاعها الإدارية والمحاسبية والتسويقية وتقديم الدعم اللازم لها في هذه المجالات مدة لا تقل عن سنتين.
  4. ضرورة أن يوجه جزء من المشتريات الحكومية إلى المنتجات والخدمات التي تقدمها تلك المشاريع بما يسهم في تشغيلها وإعادة دورة الحياة إلى مفاصلها.
  5. ضرورة أن تقوم هيئة الضرائب والتأمين الاجتماعي ومؤسسة الكهرباء والمياه ومؤسسات الدولة الأخرى في إيجاد حلول تخفف من عبء الالتزامات المالية الواجبة الدفع على المشاريع المتعثرة.
  6. وعلى صعيد الاقتصاد الكلي ينبغي لوزارة التجارة والصناعة والسياحة أن تدرس بعمق الأسباب التي تقود إلى تعثر العديد من المشاريع وفي قطاعات مختلفة، وقد تتحول إلى ظاهرة خطيرة إن لم يتم معالجتها بشكل جذري ولا سيما الأمور المتعلقة بالمنافسة غير العادلة في بعض القطاعات، والتوسع الكبير في منح التراخيص في قطاعات أخرى مع الطاقة الاستيعابية المحدودة لتلك القطاعات.
  7. ضرورة مساهمة المصرف المركزي في حل مشكلات التمويل التي تعاني منها أغلب المشاريع عبر تأمين القطع الأجنبي لها اذا اقتضى الأمر ذلك.
  8. لا بد أن يكون لدى الشركات المتعثرة منتج مقبول في السوق المحلية وينافس المستورد وتعتمد على مواد خام محلية حتى لا نضع ضغطا إضافياعلى توافر الدولار. ويشترط بالشركة التي تريد المساعدة ألا تكون قد وصلت إلى مرحلة الإفلاس ولديها إدارة واعية وقوية قادرة على تخطى المرحلة الحالية.
  9. وضع نظام تسويقى جيد للمنتجات وحصر أنواع المنتجات المستوردة التي يوجد لها بديل محلي والتوقف عن استيرادها من الخارج حتى تعود المصانع المتعثرة للعمل مرة أخرى.
  10. يمكن أيضا دمج المشروع المتعثر في المشاريع الأخرى وهي من أهم الطرق وتتم عمليات الدمج بعدة طرق نذكر منها:
  11. الابتلاع للوحدات والفروع والخطوط الإنتاجية
  12. الامتصاص للعمليات والعملاء والأنشطة
  13. الدمج التدريجي بين كيانين
  14. المزج الفوري وتشكيل كيان جديد.
  15. التفاهم مع أصحاب المشاريع المتعثرة للوقوف على أسباب التعثر ووضع معايير فنية ومالية جديدة لإكمال المشاريع وإعطاء فرصة للمقاولين الجادين ممن تعثروا لأسباب خارجة عن إرادتهم.
  16. الاستعانة بخبرات تعتمد معايير عالية للجودة في تنفيذ المشاريع للمتابعة في المناطق التي توجد بها مشاريع متعثرة.

التأجير التمويلي كأحد حلول ضعف رأس المال وضعف التمويل

هي آلية جديدة لدعم وتنمية المشاريع والمنشآت، لم يستفد منها الاقتصاد السوري بالشكل الأمثل حتى الآن، كأحد أدوات التمويل الفاعلة والقادرة على تلبية الاحتياجات التمويلية للمشروعات المختلفة داخل السوق السورية سواء الكبرى أو الشركات الصغيرة والمتوسطة، وذلك في الوقت الذي تعاني فيه كافة القطاعات الاقتصادية من أزمة نقص التمويل بالقطع الأجنبي.
التأجير التمويلي هو عبارة عن نظام تمويلي يقوم فيه المؤجر (الممول) بتمويل شراء أصل رأسمالي بطلب من مستأجر (مستثمر) بهدف استثماره لمدة لا تقل عن 75% من العمر الافتراضي للأصل مقابل دفعات (مقابل التأجير) دورية، مع احتفاظ المؤجر لملكية الأصل وحتى نهاية العقد وامتلاك المستأجر لخيار شراء الأصل عند نهاية مدة التأجير, على أن تكون دفعات مقابل التأجير قد غطت تكلفة الأصل وهامش ربح محدد- أو إعادة الأصل للمؤجر في نهاية مدة التأجير أو تجديد عقد التأجير مرة أخرى.
ويعد قطاع التأجير التمويلي أبرز حلول وسائل التمويل غير المصرفية التي يمكن أن تساعد الشركات في تقليل التكلفة الاستثمارية للبدء في النشاط، وتوفير الحلول التقنية اللازمة، والتي ستنعكس بالتأكيد على أداء الشركات مما يؤهلها للمنافسة بمنتجاتها وخدماتها، والتوسع والانتشار سواء في الخدمات المقدمة أو في القطاعات التي تعمل بها، بالإضافة إلى تمكنها من المنافسة على المناقصات الدورية التي يتم طرحها من الوزارات والجهات الحكومية.

– المصانع المتعثرة: إن “التأجير التمويلي” أداة مهمة للمجتمع الصناعي لتدبير كافة الأموال اللازمة لشراء المعدات المتعلقة بالمشاريع الصناعية، وكذلك التسهيلات الإجرائية التي يتم منحها للشركات المتعثرة، التي تبحث عن تمويل قصير الأجل لتمويل دورة رأس المال العاملة لشراء الخامات ومستلزمات الإنتاج للمصانع المتوقفة نتيجة تعثرها مع البنوك، وكذلك عزوف القطاع المصرفي عن تدبير التمويلات اللازمة للمشروعات الصناعية.
– الصناعات الهندسية: ان قطاع الصناعات الهندسية، وخاصة الآلات والمعدات من أكثر القطاعات التي يمكنها الاستفادة من التأجير التمويلي نظرا للمبالغ الطائلة التي يحتاجها المستثمر لبدء مشروعه، بما يتيح إمكانية ترشيدها من خلال ذلك النمط التمويلي، مع توقعات تشير إلى نمو الطلب من قبل الشركات المتوسطة والصغيرة في هذا القطاع الحيوي خلال الأعوام المقبلة بالإضافة إلى قطاع الأغذية والتصنيع الزراعي.
– خدمات التأجير التمويلي: ان زيادة الطلب على خدمات شركات التأجير التمويلى والتي تقدم تمويلات مرنة للشركات، لتنفيذ مخططاتها الاستثمارية ولدعم أنشطتها التشغيلية يمكن أن يؤدي إلى وجود مساحة من النمو يمكن أن يتحرك فيها السوق السوري خلال الفترة المقبلة.

طرق معالجة مشاريع البناءالمتعثرة

يمكن معالجة مشاريع البناء المتعثرة اذا أخذنا النواحي التالية بعين الاعتبار:

  1. إيجاد وظائف مؤقتة لمهندسين خبراء كبار في مجالات دراسات المشاريع وتنفيذها في كل وزارة حكومية تعاني نقصا في الكادر الفني لها، وتكون هذه الوظائف ذات خبرات كبيرة في مجال المشاريع ومهارات فنيةعالية برواتب مقطوعة ومؤقتة ولتكن سنوية مثلا.. أو بعدد سنوات المشاريع الكبيرة (3 سنوات مثلا).
  2. إيجاد حوافز تشجيعية للمهندسين والفنيين المشرفين على المشاريع… فليس من المعقول أن نساوي بين مهندس يشرف على مشروع بقيمة 100 مليون دولار ويحتاج إلى جهد كبير في المتابعة مع مهندس لا يشرف على أي مشروع, وليكن الحافز بحجم الإنجاز فإذا تم إنجاز المشروع بجودة عالية وبوقته المحدد يحصل هذا المهندس والفني على حوافز تشجيعية كبيرة.
  3. رغم ازدياد حجم المشاريع بشكل كبير إلا أن الإدارات الفنية والهندسية في الدوائر الحكومية ظلت على وضعها بدون أي تطوير ولم يتم دعمها بشكل موازٍ للدعم الكبير للمشاريع. فالكوادر البشرية والفنية في الإدارات الحكومية هي الذراع التنفيذية للمشاريع ويجب دعمها، بإيجاد وظائف فنية متميزة بها، حيث يصعب التعامل مع الهياكل الوظيفية حاليا في ظل زيادة الاعتمادات المالية للمشاريع، بل إن بعض الموظفين كالفنيين والمهندسين في هذه الإدارات يظل يطالب بترقيته التي يستحقها ولا يجدها بسبب شح الترقيات، ولهذا يجب تطوير هذه الإدارات.
  4. التصميم غير الدقيق يكلِّف أموالا طائلة ويستهلك اعتمادات المشروع في أعمال غير أساسية في المشروع وستذهب اعتمادات المشروع هدرا في بنود لاتخدم الوظيفة الأساسية للمشروع، أما في حالة وجود تصميم دقيق من قبل مكاتب هندسية ذات خبرة عريقة في هذا المجال فسيتم بذلك مراجعة التصميم عدة مرات وبالتالي توفر مالا يقل عن20% من الهدر الذي سيحصل في حالة عدم وجودها.

بوجود تصميم دقيق وواضح يمكن حساب كميات وبنود أعمال المشروع قبل طرحه في المنافسة واعتماد مبالغ قريبة من الواقع لها بدلا من (التخمينات) التي تصاحب كثيرا من اعتمادات المشاريع التي تفاجأ الجهة إما بزيادتهاعن المطلوب أو أنها تقصر كثيرا عن أعمال المشروع مما يكون سببا في تأخُّره وعرقلته.

  1. عدم وجود المنفذ الماهر للمشاريع سبب كبير لتعثرها، وبالتالي فلا بد من الترخيص للشركات الأجنبية لتنفيذ المشاريع مع عدم خضوعها لنظام المقاول المحلي الذي أثبت فشله في تنفيذ كثير من المشاريع وسعيه لجني أكبر عائد من المشروع حتى ولو على حساب الجودة.
  2. حكما اندمج عدد من شركات التنفيذ في شركة واحدة قادرة ماليا وفنيا لكل وزارة كفيل بالتدخل لإنقاذ المشاريع من التعثر.
  3. إنشاء وحدة مستقلة في كل وزارة تكون مرتبطة مع الوزير مباشرة أو بمكتب الوزير نفسه بمسمى (وحدة متابعة المشاريع). ويكون من أهم مهامها:
  4. إيجاد حوافز تشجيعية لفروع الوزارات الأكثر إنجازا من خلال الإحصائيات السنوية لإنجاز المشاريع مثل دعم الهيكل الوظيفي للفروع، وترقية الموظفين المتميزين مثل المشرفين على هذه المشاريع والمتابعين لإنجازها وذلك لإعطاء حافز مادي ومعنوي كبير للفروع الأخرى لإنجاز مشاريعها ومتابعتها باستمرار وإيجاد الحلول لتعثرها حتى خارج وقت الدوام الرسمي. وهذا لاشك سيخلق جوا من التنافس والتدافع نحو إنجاز المشاريع بروح طيبة، وسيوفر على الدولة آلاف الملايين من الدولارات التي تذهب هدرا في مشاريع متوقفة أو غير منجزة، وسيكون لنا مشاريع بنية تحتية رائعة ومتميزة ومنفذة باحترافية وعلى مستوى عالٍ من الإتقان والجودة.
  5. إعطاءمزيد من الصلاحيات لفروع الوزارات في البت في سحب المشاريع واعتماد المشاريع التي تصل إلى 3 مليون دولار وإعطاء حوافز ومكافآت للمساهمين في تسيير المشاريع وحل مشاكلها من موظفين وخبراء.

المشاريع المتعثرة في سورية

إن الحرب الكونية التي خاضتها معظم دول العالم على سورية، وما ترتب عليها من أوضاع اقتصادية صعبة تعيشها سورية، هي السبب الرئيسي في تعثر وغلق كثير من المشاريع والمصانع, وهناك أيضا أسبابا أخرى متعلقة بكل مصنع وتختلف من مصنع لآخر منها مشاكل تأمين المواد الخام وصعوبة الحصول على القطع الأجنبي والخدمات المصرفية فضلاعن المديونيات وضعف التمويل.

بشكل عام، إن معرفة المشكلة تعتبر نصف الحل, فالمشكلة ليست فقط في المتعهد (المقاول) فهو أداة تنفيذ فقط، ولكن المشكلة يدخل فيها العديد من العوامل التي تؤثر على المتعهد نفسه فليس هناك متعهد يصنع المعدات بنفسه فلابد من استيرادها, وليس هناك متعهد ينفذ طريقا داخل المدينة متجاهلا حركة المرور وخطوط المياه والكهرباء والهاتف، وليس هناك متعهد ينفذ بدون وجود تمويل مالي مستمر له, وليس هناك متعهد ينفذ مشروعا بالجودة المطلوبة دون وجود نظام واضح يحفظ حقوقه من عديمي الضمير وممتهني الفساد والرشوة, وكذلك هناك جهات تنفذ مشاريع وهي مكتوفة الأيدي أمام متعهد مهمل ومتسلط ومستغل للمرونة في انفاق الأموال دون رقابة فعالة. فقضية المشاريع المتعثرة هي قضية ذات جذور متشابكة، ولابد أن تحل بشكل جماعي مع باقي الأنظمة الموجودة في البلد.

أحيانا يتم تشكيل لجان لمتابعة المشاريع المتعثرة, حيث تقوم هذه اللجان بوضع توصيات لا تؤدي في أغلب الأحيان إلى النتيجة المطلوبة. المشكلة أن أعضاء هذه اللجان يملكون خبرات ضعيفة وغير فعالة وخاصة في مجال علوم الإدارة والتسويق والتمويل العالمية والحديثة, ومعظمهم لم يكتسب خبرات خارجية. إن الاعتماد على هذه اللجان لا جدوى منه، لذلك من المفيد الاستفادة من الخبراء والمختصين السوريين أو العرب أو الأجانب ذوي الخبرات العالمية والحديثة عالية المستوى لدراسة أسباب تعثر هذه المشاريع وعلاجها.. هذه الاستعانة بالخبراء المختصين توفر على البلد ملايين، لا بل مليارات، الدورلارات على المدى المتوسط والبعيد.

بشكل عام، إن السبب الرئيسي لتعثر المشاريع في سورية ليس ضعف التمويل، إنما هي أسباب عديدة منها:

  1. ضعف التخطيط: غياب التخطيط الجيد وعدم وضوح الرؤية أثناء مرحلة الدراسات والتصميم، والاعتماد على دراسة جدوى من شركات لا تملك المؤهلات والخبرات العالية المطلوبة. لذلك عندما يوجد التخطيط الجيد المحترف لا يعود هناك مكان لضعف التمويل، أي يجب أن يكون تمويل المشرع مضمونا بشكل جيد وأكيد قبل البدء بالمشروع، وإلا يفضل عدم البدء به وادخار الأموال المهدورة.
  2. ضعف الإدارة: الاعتماد على أفراد ضعيفي الخبرة أو منخفضي الكفاءة والدراية الفنية والعملية في إدارة المشاريع, وخاصة المشاريع التي يتم تنفيذها لأول مرة في الدولة ولا توجد بها خبرات سابقة في هذا المجال.

قسم لا بأس به من شركات القطاع الخاص هي شركات عائلية، حيث الأب هو المدير العام، والزوجة المديرة المالية، والإبن الأكبر هو مدير الإنتاج، والإبن الأوسط المدير الفني، والإبن الصغير مدير المبيعات، أما البنت الكبرى فهي مديرة العلاقات العامة، والبنت الأصغر مديرة التسويق, أي لا مكان لمدراء مختصين وأصحاب كفاءات وخبرات عالية تضمن نجاح واستمرار هذه المشاريع.

  1. ضعف التسويق: نقص الكفاءات التسويقية والذي يجعل كثيرا من الشركات تقوم بتكليف أحد أفراد العائلة أو في أفضل الأحوال تكليف مدير الانتاج أو رجال المبيعات بالقيام بمهام تسويقية هي من اختصاص مدير التسويق. كذلك عدم الاهتمام بدراسة السوق فى أغلب الشركات مشكلة كبيرة يجب إيجاد حل لها, الأمر الذي يؤدي لأن تكون المنافسة هي نقطة ضعف كبيرة لدى إدارة التسويق لدى أغلب الشركات السورية.
  2. ضعف التطوير: قلما نجد شركة، وخاصة الشركات الإنتاجية، تملك قسما خاصا للتطوير من أجل تطوير آلات وطرق الإنتاج، وكذلك تطوير المنتج نفسه بهدف رفع مستوى الجودة وتخفيض التكلفة، وبالتالي زيادة هامش الربح. أما بخصوص شركات الخدمات فهي أيضا تستطيع تطوير خدماتها وسبل الوصول إلى الزبائن.
  3. ضعف الاستقرار الاقتصادي والسياسي والقانوني: رأس المال والاستثمار في المشاريع يحتاج إلى استقرار اقتصادي ونقدي، وإلى قوانين واضحة وثابتة لا تتبدل كل عام، وكذلك يحتاج إلى قضاء نزيه وعادل يضمن له حقه وماله.

وأخيرا، أود أن أقول أن المشكلة في كل بلدان العالم الثالث ليست في المشاريع المتعثرة وإنما في العقول والسياسات المتعثرة. لا بد من الوقوف على أسباب التعثر ومعالجتها بشكل سريع وجذري.

الدكتور المهندس جهاد الشامي

رئيس اتحاد المهندسين العرب في أوروبا