ثقافةصحيفة البعث

“Mother”.. ننصح بالمشاهدة!

لن يكون المشاهد أمام فرجة سينمائية باتجاه واحد فقط وهو يشاهد أحداث فيلم mother (إنتاج 2017)، والذي يقع بالتصنيف ضمن خانة الرعب النفسي، وفي الحقيقة الرعب الذكي الموظف بدقة في الفيلم ليس إلا من بعض الحالات التي يوظفها كاتب ومخرج الفيلم دارين أرنوفسكي في صياغته البصرية للحكاية المنسوجة ببراعة على نول السيناريو. الفيلم الذي قامت بدور البطولة فيه حسناء هوليوود، جينفر لورانس، والممثل صاحب الملامح الإغريقية خافيير بارديم، يُضاف إليهما كل من الممثلة البارعة ميشيل فايفر، وأيضاً الممثل صاحب الحضور الضروري اد هاريس، وغيرهم. وهذه الأسماء عندما تجتمع تحت إدارة مخرج له سجل سينمائي حافل بالغرابة، والمعروف عنه أنه لا يُنجز الأفلام المُستهلكة، بل هو والغموض توءمان، فالنتيجة ستكون مضمونة بالنسبة للمشاهد كونه أمام عمل سينمائي من العيار الثقيل، وأمام عدة مذاهب فنية تجتمع لتقدم له ما يبهره في كل لحظة من لحظات الفيلم.

يوظف الفيلم المسرح في خدمة القصة، فالأحداث تدور في بيت/ مكان واحد، عن رجل وامرأة في بداية حياتهما الزوجية، يعيشان في بيت بحاجة إلى الترميم. والزوجة الشابة هي من تعتني بالأمر وبتفاصيله الدقيقة، وهذا له رمزيته التي تشبه نوعاً ما رمزية كاهنة المعبد في تمدينها أنكيدو، بينما يكابد الرجل، وهو شاعر له جمهور كبير يعشقه، لصياغة قصيدة جديدة، وهنا أيضاً يرمز الشاعر إلى إعادة الخلق. تقوم عائلة مؤلفة من أب وأم وولدين بزيارة بيت الزوجين، وتبدأ الأحداث الغريبة، سواء تلك التي كانت تقع دون أن يجد لها المشاهد مبرراً، أو تلك التي تلت وتغيرت بسببها مجريات الفيلم، رويداً رويداً ستتكشف كل الغرابة التي لم تفهمها الزوجة من تطفل الضيوف الوقح، ومعرفتهم بالعديد من التفاصيل التي لا تعرفها، وعدم اكتراثهم بتعبها في إصلاح البيت رغم حملها، وحتى وقوع الجريمة في البيت، عندما يقوم أحد الإخوة بقتل أخيه، وهنا ستبدأ الرمزية تتناوب مع الكلاسيكية في سرد الحكاية التي ليست في الحقيقة إلا حكاية إعادة الخلق كما وردت في الإنجيل، طبعاً برؤية فكرية وفلسفية مبتكرة من الكاتب.

الشرط الصعب الذي جعله المخرج خياره العام لتقديم فرجته أن كل الأحداث تدور في مكان واحد، وهنا من الخطورة بمكان أن يُطرح سؤال: لماذا كان فيلماً سينمائياً وليس عرضاً مسرحياً؟ لكن اشغال التصوير والإضاءة، والموسيقا القدرية التي تتسلل بهدوء للمشاهد من بين المشاهد، وحبكة الأحداث الدرامية المنحوتة بالإبرة – كما يقال – والحركة المستمرة ضمن المشهد، البناء المحكم للمشاهد وتتاليها، والمزاج اللوني العام للفيلم المتراوح بين الرمادي والناري، والأداء الرفيع حتى للكومبارس، والخيارات العبقرية في طرح الأفكار الرمزية بما يجعلها ممتعة بصرياً دون أن تحول قسوة الفكرة باستمرار متعة المشاهدة.. هذا وغيره جعل الفيلم من الأعمال السينمائية الرفيعة بحق، حيث الكاتب والمخرج يعيد صياغة قصة الخلق ولكن من خلال قصة محبوكة بإتقان ودراية بمواضع الإبهار فيها، رغم كلاسيكيتها، أي القصة، بالنسبة للجمهور؛ وهنا يكمن جوهر تقديم فكرة أو عمل حاضر وماثل بذهن الجمهور، ليس ما تقدم، بل كيف تقدم، جواب أجاب عنه أرنوفسكي بعبقرية وعلى مختلف المستويات الفنية والتقنية.

فيلم mother من إنتاج 2017، ويقع تحت تصنيف الرعب النفسي، كتبه وأخرجه دارين أرنوفسكي، وبطولة جينفر لورانس، وخافيير بارديم، واد هاريس، وميشيل فايفر، وتم اختيار الفيلم لينافس على الأسد الذهبي في مهرجان فينيسيا الـ 74، حصد إيرادات حتى الآن حوالي 42,6 مليون دولار حول العالم.

تمّام علي بركات