د. فتح الله عمر: الكتابة بلا مهارة نتيجتها نصوص غير جيدة
لم تكن الكتابة الدرامية بالنسبة له إلا تتويجاً لخطوات سابقة خطاها في حياته، فهو الحاصل على شهادة الدكتوراه في هندسة الاتصالات من جامعة حلب، ومن خلال الرواية دخل عالم الكتابة، وفي رصيده “مدائن الالتهاب”، و”رقصة البيدق”؛ ولأسباب مادية انتقل إلى عالم الدراما، وكانت له بصمة في دراما المقاومة: “الشتات”، “الواهمون”، “الغالبون”، “بوح السنابل”، إلى جانب أعمال اجتماعية أخرى مثل “وصمة عار”، و”وجوه وراء الوجوه”، و”مرايا الزمن”، و”لست جارية”.
للوقوف على تفاصيل أكثر حول تجربته كان هذا الحوار مع د. فتح الله عمر:
– ما تقييمك ككاتب بالدرجة الأولى وكمشاهد بالدرجة الثانية لما قُدم في الموسم الدرامي الرمضاني؟
— لم تكن الأعمال التي قُدمت في هذا الموسم جيدة بالمجمل، لا بنظر الجمهور، ولا بنظر الكتّاب والمخرجين، ومن يعمل في هذا المضمار، وأعتقد أن السبب يعود للانحدار العام الذي شهدته معظم المناحي في سورية التي تعيش اليوم أزمات كثيرة وفي جميع المجالات، وبالتالي لا يمكن أن تنجو الدراما من هذا الانحدار لأنها أيضاً تعيش أزماتها المختلفة.
– كيف تفسر غياب العديد من كتّاب الدراما المهمين عن هذا الموسم والذي قبله؟
— معظم كتّاب الدراما يحاولون العمل مع جهات خارجية، لأن العمل داخل سورية غير ملائم على الصعيدين المادي والمعنوي، فعلى الصعيد المادي مازالت أجور الكتّاب غير مقبولة، أنا مثلاً إذا أردت أن أكتب عملاً داخل سورية أتقاضى عليه أجراً لا يُقارن أبداً بالأجر الذي أتقاضاه في حال قمت ببيعه لجهات خارج سورية، وبالتالي إذا كان عند الكاتب نص مهم سيسعى لبيعه إلى جهات خارجية، وعلى الصعيد المعنوي أي عمل سينفذ داخل سورية سيكون غالباً أميل للرداءة بسبب الإنتاج الشحيح الناجم عن الظروف الاقتصادية الناتجة عن الحصار، بمعنى سيؤثر هذا على الشكل النهائي للعمل.
– ما أخطر ما يواجه الكتابة الدرامية برأيك؟
— أكبر عائق يواجه الكتابة الدرامية هو وجود المنتج غير المثقف الذي يحاول فرض ما يريده على الكاتب من أفكار.
– بدأت من خلال الرواية، ومن ثم دخلت عالم الكتابة الدرامية، حدثنا عن هذين العالمين، وخصوصية كل منهما؟
— أنا بدأت فعلاً بالرواية، ولكني وجدت بعد فترة أن الحياة المادية تقتضي أن أنتقل إلى عالم الدراما، الرواية عالم رحب، وفيه من الاختزال الشيء الكثير، فمثلاً في الرواية يكفي أن أقول باتت المدينة خائفة، في حين تحتاج هذه الجملة إلى خمسة مشاهد في الدراما على الأقل لإيصال المعنى إلى المُشاهد.
– أصبحت الكتابة الدرامية مقصداً للجميع، فأي إغراء فيها برأيك؟ وهل هي حرفة أم مهنة أم موهبة؟
— أصبحت الكتابة الدرامية مقصداً للجميع لأن الغالبية يعتقدون أن فيها دخلاً مادياً رهيباً، ولنعترف أن معظم من يعمل الآن في سورية في هذا المجال يعمل لأسباب مادية أولاً وثانياً وثالثاً، ثم تأتي أسباب أُخرى، الكتابة تحتاج إلى الموهبة والخبرة والحرفة، لأن الكتابة بلا مهارة تكون نتيجتها نصوصاً غير جيدة.
– مازلت بعيداً عن الكتابة الكوميدية، لماذا؟
— أنا بعيد كلياً عن الكتابة الكوميدية لأنني شخص جاد جداً في حياتي العامة والخاصة، لذلك لم أجد في نفسي قدرة على كتابة الكوميديا، وأنا لا أعمل في حياتي عملاً حين أجد نفسي غير قادر على إنجازه بالشكل الذي أريده، وبالشكل المهم والأفضل الذي يُقدم الفائدة، مع تأكيدي على وجود كتّاب أقوى وأجدر مني في هذا النمط من الكتابة، وأعترف أن الكوميديا لم تكن في يوم من الأيام من ضمن حساباتي إلا في مرات قليلة حاولت أن أكتب فيها لوحات قصيرة.
– المخرج هو كاتب ثان للعمل، فكيف تعامل المخرجون مع نصوصك؟ وما شكل العلاقة التي تربطك بالمخرج عادة؟
— تعامل معظم المخرجين مع أعمالي بشكل مقبول باستثناء عدد قليل من الأعمال التي نُفّذت وكانت غير جيدة، علاقة الكاتب بالمخرج غالباً مرتبطة بما يتمتع به المخرج من أخلاقيات، فالمخرج الذي يكون أخلاقياً في بيته ومع الناس يكون أخلاقياً في التعاون مع النص، ويكون أميناً له، وكل همّه أن يُخرج النص بأفضل وأبهى حلّة.
– إلى ماذا يحتاج الكتّاب لضمان حقوقهم المادية والمعنوية؟
— التعامل مع منتجين مثقفين، والتدقيق في تفاصيل العقد وكتابة كل الحقوق ضمنه ليصبح ملزماً للطرف الثاني، بكل بساطة لا أحد يضمن حق الكاتب كالعقد، ولا ينبغي لأي كاتب مهما كانت ظروفه أن يتساهل في شروط العقد إن كانت مجحفة بحقه، والتأكيد على ضرورة أن يضع الكاتب دائماً شرطاً في نهاية العقد هو أن يعود العمل إليه في حال نكث الفريق الثاني بأحد الشروط.
– في رصيدك عدد كبير من الأعمال الدرامية، ما الذي دعاك للقول إن مسلسل “وصمة عار” من أحب الأعمال إلى نفسك؟
— مسلسل “وصمة عار” أحد الأعمال القريبة إلى نفسي، وهناك أعمال أُخرى قريبة إلى نفسي أيضاً مثل: “لست جارية، وراء الوجوه، مرايا الزمن”، ولكنني أعترف أن “وصمة عار” له مكانة خاصة عندي لأنه كان يناقش فكرة الإساءة إلى الرموز من خلال وسائل الإعلام، وكيف يمكن لأية وسيلة إعلامية أن تدمر رمزاً حين تستهدفه بكثافة وتركيز، ومن ثم تنجح في أن تجعل الجمهور يصدقها باستهدافه.
– لك تجربة مهمة على صعيد دراما المقاومة، حدثنا عنها وعن أهميتها، خاصة في وقتنا الحالي؟
— كتبت سبعة أعمال عن المقاومة، وتنبع أهمية هذه الأعمال من أهمية المقاومة، فأنا دائماً أقول إن شرف الكتابة من شرف المكتوب عنه، وكلما كان المكتوب عنه شريفاً كانت الكتابة شريفة وجيدة ومهمة، الأعمال التي تحكي عن المقاومة ضرورية جداً من أجل تعريف الأجيال اللاحقة كيف كانت الأمور، ودونها قد ينتهي تاريخ المقاومة إلى التشويه والتحريف.
– ما الذي أوصل الدراما إلى ما وصلت إليه من تراجع؟
— وجود منتجين جهلة وغير مثقفين، مع الاعتراف أن إنجاز أعمال خلال فترة الحصار أدى إلى خسائر مادية للمنتجين، لذلك ولتخفيف حدة هذه الخسائر قاموا في السنوات اللاحقة بتقليص التكاليف الإنتاجية التي كانت نتيجتها أعمالاً متواضعة واجهت عائقين: سوء العمل والحصار، فكانت النتيجة خسارة أخرى، لذلك وفي العام الذي يليه عاد المنتج وقلل التكاليف أكثر، ونتجت عن هذا الأمر أعمال سيئة أكثر، وهكذا بدأنا نعيش في دوامة وحلقة مفرغة من السوء والرداءة، وإذا استمر الوضع على ما هو عليه فإن الصنعة الدرامية ستنتهي إلى ما لا تُحمد عقباه، وبالتالي فإن تطوير الدراما السورية يقتضي قبل كل شيء إيجاد أسواق خارجية لتصريف الأعمال، لأن العمل الفني مثله مثل أي مُنتَج آخر يحتاج لسوق لتصريفه.
– ماذا عن مشاريعك الحالية والمستقبلية؟
— هناك عمل ضخم مع منصة الكترونية لا يمكنني الحديث عنه حالياً لرغبة الجهة المنتجة، ومن المتوقع أن يبدأ التصوير قريباً، وهناك عمل آخر للخليج تحت عنوان “الجائزة”، وعمل لبناني بعنوان “الحلم”، إلى جانب مشروع آخر مع المخرج فراس إبراهيم بعنوان “مورفين”، وهو عمل سوري لبناني مشترك.
أمينة عباس