تحقيقات

برامج العنف التلفزيوني.. اصطياد ممنهج لمستقبل الأطفال وانزلاق في السلوك العدواني

 

حذرت دراسة اجتماعية حول البرامج الموجّهة للأطفال في الفضائيات العربية من آثار العنف المتلفز على شخصياتهم ومستقبلهم، وعلى أمن واستقرار مجتمعاتهم، ودعت الدراسة إلى إنشاء مؤسسة عربية لإنتاج أفلام الكرتون تُركّز على أمجاد الأمة العربية، ومستوحاة من بيئتها، معتبرة أن العنف تجاوز للسوية في السلوك ينعكس سلباً على أمن المجتمعات، واستقرار وفرص التنمية والازدهار الاقتصادي، وتنبع أهمية الدراسة من كون الأطفال ركيزة مهمة من ركائز المجتمع، ومن ازدياد تأثير وسائل الإعلام على مسيرة حياته، وشملت الدراسة عينة تمثل الطلاب والطالبات الدارسين في مدارس حكومية وخاصة، وتتراوح أعمارهم بين سبعة وثمانية أعوام .

شخصية الطفل
للعنف المتلفز تأثيرات كثيرة على شخصية الطفل ومستقبله، وأن الطفل المشاهد للتلفاز دون رقابة أو انتقائية يصبح أقل إحساساً بآلام الآخرين ومعاناتهم، وأكثر رهبة وخشية للمجتمع المحيط به، وأشد ميلاً إلى ممارسة السلوك العدواني، ويزيد استعداده لارتكاب التصرفات المؤذية، وتفيد الدراسة المعنونة: (مواد وبرامج الأطفال في القنوات الفضائية العربية) بأن ذروة المشاهدة في الفترة المسائية تعرض خلالها مشاهد عنيفة بمعدل خمسة مشاهد في الساعة، وهذا يعني أن الطفل في عمر 11 عاماً يكون قد شاهد نحو 20 ألف مشهد قتل أو موت، وأكثر من 80 ألف مشهد اعتداء، وتضيف مستعينة بدراسات علمية أجرتها منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (يونسكو) لمعدلات مشاهدة الأطفال العرب للتلفزيون، أن الطفل قبل أن يبلغ الـ 18 من عمره يقضي أمام شاشة التلفاز 22 ألف ساعة مقابل 14 ألف ساعة يقضيها في المدرسة خلال المرحلة نفسها، مشيرة إلى أنه مع بدء القرن 21 زاد المعدل العالمي لمشاهدة الطفل للتلفزيون من ثلاث ساعات و 20 دقيقة يومياً إلى خمس ساعات و 50 دقيقة نتيجة الانتشار الواسع للفضائيات التلفزيونية، وتؤكد الدراسة أن مشاهدة الأطفال لبرامج التلفزيون لفترات غير محددة ودون رقابة وانتقائية تفرز سلوكيات أبرزها السلبية، والأنانية، وعدم التعاون مع الآخرين، وعدم الإحساس بمشاعرهم، بل والسخرية منهم، إلى جانب التقليد الأعمى للآخرين في الملبس والمأكل والمشرب والسلوك الاجتماعي، وتطوير نمط حياة استهلاكي، كما تؤدي مشاهدة الأطفال برامج التلفزيون بإفراط ودون ضوابط إلى تأثيرات سلبية عليهم تتمثل بالعجز عن ضبط النفس، واللجوء إلى العنف بدل التفاوض، والافتقار إلى الأمان، والشعور الدائم بالخوف والقلق، وترسيخ صور نمطية في عقل الطفل حول المرأة والرجل والمسنين والطفل، وأصحاب المهن، والمسؤولين، ورجال الأمن، وغيرهم، وإلى قتل روح الإنتاج والإبداع لدى الأطفال .

زيادة القدرة
لكن الدراسة لا تغفل آثار التلفزيون الإيجابية على الأطفال باعتباره ثنائي التأثير، فهو من جهة أخرى يحفز الطفل لإدراك مفاهيمه وتصوراته وطموحاته، ويعزز لديه قيم الاستقلال في الرأي، والرغبة في الحوار، والميل إلى التفكير النقدي، وانتهاز فرص التعلم الذاتي، كما يوسع مدارك الطفل، وينمي خياله، ويرفع مستواه الثقافي والعلمي، كما أن مشاهدة التلفزيون باعتدال تزيد قدرة الأطفال على الاستيعاب والتذكر لاعتمادها على حاستي السمع والبصر، ولجاذبيتها في الحركة والصورة طبقاً للدراسة، وتضمنت الدراسة تحليلاً لفرضية تأثيرات التلفاز على نمو دماغ الطفل، أولها تخفيف حفز نصف الدماغ الأيسر المسؤول عن نظام اللغة والقراءة والتفكير التحليلي، وثانيها تقليل الأهلية الذهنية وقوة الانتباه عبر خفض مستوى التواصل بين نصفي الدماغ، وثالثها إعاقة نمو النظام الضابط للانتباه والتنظيم والدوافع السلوكية، وفيما يتعلق بالنمو الجسدي قالت الدراسة: إن الأطفال الذين يشاهدون التلفاز ويتصفحون الأنترنت أكثر من نظرائهم يميلون عادة إلى البدانة وقلة الحركة، ما يؤكد فرضية وجود علاقة عكسية بين زمن المشاهدة والنمو البدني المتوازن للطفل .

فريق متخصص
وأكدت الدراسة ضرورة وأهمية تعريب لغة وسلوكيات الإنتاج التلفزيوني الموجّه للأطفال، داعية إلى إنشاء مؤسسة عربية لإنتاج أفلام الكرتون تركّز على أمجاد الأمة العربية، ومستوحاة من بيئتها، وحثث المعنيين على تبسيط اللغة في البرامج والمسلسلات المدبلجة الموجهة للأطفال، وتعريب أسماء الشخصيات المشاركة فيها، لافتة الانتباه إلى الحاجة لإشراف فريق متخصص في علم تربية الأطفال على إعداد البرامج الموجهة لهم كي يضع الفريق الأنظمة العامة للنص ليلائم ثقافة الطفل العربي، ولا يسيء إلى عاداته وتقاليده، أو يشكّل غزواً فكرياً يشوّه ثقافته، وفي تحليلها للبرامج التي تبثها الفضائيات العربية للأطفال العرب وجدت الدراسة أن خمسة في المئة فقط من تلك البرامج منتجة محلياً، مرجعة هذه النتيجة إلى عدم وجود سياسة أو رؤية واضحة تنتهجها المؤسسات التلفزيونية العربية تجاه الأطفال، إذ تعاني برامج الأطفال من تهميش هذه المؤسسات لها، سواء لجهة وضعها في الخطة البرامجية، أو ساعات البث سنوياً، وحددت الدراسة أسباب ضعف الإنتاج التلفزيوني العربي لبرامج الأطفال في عدم امتلاك المؤسسة التلفزيونية العربية رؤية واضحة لأهداف برامج الأطفال ومعاييرها، والنقص في المختصين بثقافة الأطفال المقدمة عبر التلفاز، وضعف خبرة المختصين المتوفرين، وطبقاً للدراسة فإن التكاليف المالية الباهظة تشكّل عائقاً كبيراً أمام إنتاج برامج الأطفال مقارنة بمجمل الدخل المحلي في معظم أنحاء العالم العربي، ما يجبر شركات الإنتاج العربية على اللجوء إلى الدبلجة.

إعداد: إبراهيم أحمد