دراساتصحيفة البعث

الفيروسات ليست عنصرية !!

ترجمة: عناية ناصر

عن غلوبال تايمز 4/6/2020

 

كل الناس خلقوا متساوينهذا هو التعبير الذي تم الإعلان عنه في بيان الاستقلال الأمريكي، لكن لماذا قتل جورج فلويد؟. لقد توفي فلويد، وهو رجل أسود يبلغ من العمر 46 عاماً، بعد أن تم تثبيته من قبل ضابط شرطة في مينيابوليس، داس بركبته على عنقه لمدة تسع دقائق تقريباً، كما بدا واضحاً في مقطع الفيديو الذي تم التقاطه للحادث، والذي ظهر فيه فلويد وهو يقول “لا أستطيع التنفس”. أثار موت فلويد غضباً شديداً بسبب العنصرية، وتجلى هذا الغضب باندلاع التظاهرات التي عمت الشوارع، وامتدت من مينيابوليس إلى عشرات المدن الأمريكية الأخرى.

والسؤال لماذا لم يؤد سقوط أكثر من مائة ألف شخص نتيجة جائحة فيروس كورونا إلى حدوث موجات ارتداد تصادمية؟! ولماذا كان قتل رجل أسود واحد سبباً في إثارة مثل هذه الاحتجاجات الكاسحة؟.

سبب ذلك هو أن الفيروسات لا تفرق بين الناس (سواء من حيث مكانتهم أو عرقهم أوسنهم)، بينما تفعل العنصرية ذلك!!. ومع أن الولايات المتحدة توصف بأنها “خليط عرقي”، إلا أن هناك تمييزاً بين أعراق البلاد المختلفة. ورغم أن المساواة بين الأعراق مكفولة في الدستور، فإن الصراعات العرقية في المستوى الاجتماعي، وفي عقلية الناس تتفاعل تحت الرماد. انعكس التمييز طويل الأمد أيضاً في الصحة وعدم المساواة في الحصول على الرعاية الطبية، وبرز في الانقسامات الواضحة خلال جائحة كورونا في الولايات المتحدة، فوفقاً للبيانات الصادرة عن عدة ولايات ومدن كبيرة، كانت نسبة موت الأمريكيين من أصل أفريقي بسببCOVID-19، هي الأرجح، ما دفع وسائل الإعلام الأمريكية إلى القول: “عندما تصاب أمريكا البيضاء بالفيروس التاجي الجديد، يموت الأمريكيون السود”، كذلك فإن فقدان الوظائف خلال الوباء يميل إلى أن يكون أعلى نسبة بين الملونين.

لقد أدت أشهر من المخاوف إلى البطالة وتراجع الحرية الفردية في ظل الإغلاق، والمخاوف من المستقبل، بالإضافة إلى التمييز العنصري طويل الأمد، إلى إشعال فتيل الاحتجاجات العنيفة وتفجرها.

لم تكن وفاة فلويد سوى أحدث حلقة من سلسلة حوادث مشابهة خلال السنوات الأخيرة في الولايات المتحدة، والتي أدى كثير منها إلى احتجاجات واسعة النطاق. ويعكس شعار “حياة السود مهمة” التوتر المتصاعد بين السود والشرطة البيضاء، فقد أظهرت دراسة أجريت عام 2017، حول تعاطي ضباط الشرطة الأمريكية مع الأمريكيين، من خلال كاميرات مراقبة، أن ضباط الشرطة يظهرون احتراماً أقل تجاه السود، ما يظهرونه تجاه مجتمع البيض.

وكان قتل رجلين من السود برصاص الشرطة، في عام 2016، قد أدى إلى اندلاع احتجاجات، انتهت بإطلاق النار على مجموعة من رجال الشرطة، ما أسفر عن مقتل خمسة منهم وإصابة تسعة آخرين. وقال القاتل، الذي كان من السود، إنه مستاء من إطلاق الشرطة النار، وأنه أراد قتل ضباط الشرطة من البيض.

ولكن ذلك الحادث لم يتطور إلى احتجاجات عنيفة واسعة، بفضل رد الرئيس باراك أوباما حينها، الذي أدان عمليات إطلاق النار، وطالب بتحقيق العدالة، تجاه ممارسات الشرطة، وتأكيده بعد مقتل الرجلين الأسودين، أن الأمريكيين من أصل إفريقي هم أكثر من يعاني من السلطات المخولة بتطبيق القانون، وقوله: إنه يجب على الأمريكيين أن يشعروا بالغضب تجاه النوبات الوحشية التي تنتاب الشرطة، وكانت تلك خطوة أسهمت في تخفيف التوترات العرقية.

لم يفعل خليفة أوباما دونالد ترامب، وفي تباين ملفت للنظر، أي شيء في هذا الصدد، ورغم أن الرئيس ترامب  أقرّ بأن الأمريكيين من أصل إفريقي يمرضون بفيروس كوفيد-19  بنسب أعلى ويموتون بسببه، لكنه لم يبذل أي جهود واضحة لمعالجة التفاوتات العرقية المتفاقمة، وهذا يتماشى مع عادته في التحدث بصوت عالٍ دون أن يفعل إلا القليل. فقد غرد رداً على مقتل فلويد والاحتجاجات بقوله: “عندما يبدأ النهب، يبدأ إطلاق النار”، وقد أثار هذا التلميح رد فعل واسع النطاق بسبب ما اعتبر تذكيراً بوحشية الشرطة والعنصرية المترافقة بالعنف في الستينيات.

في عام الانتخابات ذي الأهمية الخاصة لترامب، لا يبدي ترامب اهتماماً بأصوات السود كثيراً، فترامب لم يفز، قبل أربع سنوات، إلا بـ 8 بالمئة من أصوات الناخبين الأمريكيين من أصل إفريقي، فالناخبون السود كانوا على الدوام قاعدة للحزب الديمقراطي.

ولذلك عاد ترامب، ومع تصاعد الاحتجاجات في جميع أنحاء البلاد، إلى ممارسة الألعاب السياسية القديمة ذاتها، فحاول التشهير بعمدة مينيابوليس الديمقراطي، وعاد للتغريد على تويتر حاثاً أبناء مينيسوتان على التصويت للديمقراطيين الجمهوريين ليستعيدوا حكم الولاية.

ومع اشتداد حدة الوباء، لم تعد الورقة الاقتصادية تخدم ترامب، فلجأ إلى إلقاء التهم، وتحميل  المسؤولية للآخرين، وهي البطاقة التي طالما اعتاد التلويح بها.

في عام 2016، فاز ترامب بدعم البيض وأبناء الطبقة المتوسطة الذين شعروا بالتمييز عكسياً، في عهد أوباما. وترامب، كما يقول الديمقراطيون، ما هو إلا رئيس عنصري، والاحتجاجات الأخيرة قد تؤدي إلى تقويض التفوق الأبيض.