محليات

“الرهان الحقيقي”

حذرنا غير مرة من مخاطر التأخير في إيجاد الحلول للمشكلات والأزمات المعيشية على وجه التحديد، وطالبنا مراراً وتكراراً بوضع سياسات واضحة وشفافة للتعامل مع الحالات الطارئة، واتخاذ الإجراءات الاستباقية لمواجهة أي مستجد ناتج عن الظروف الصعبة والمعقدة التي أفرزتها الحرب الإرهابية، والحصار الاقتصادي، ووباء كورونا، وحالياً ما يسمى بقانون “قيصر” سيىء الذكر.

اليوم، ومع إصرار البعض على اتباع سياسة تدوير الزوايا، والتراخي الواضح في طرق وأساليب المعالجة، والهروب من المسؤولية، يتضح جلياً أن المشكلة لا ترتبط بالظروف الاستثنائية التي نعيشها اليوم وحسب، بل لها علاقة وصلة مباشرة بالقرارات الارتجالية، وبالآليات التنفيذية غير المنضبطة، وبالمزاجية التي تتحكم بمفاصل العمل المؤسساتي الذي بدوره أنتج واقعاً متفاقماً وفوضوياً بدأت منعكساته السلبية تظهر بوضوح ليس على الواقع المعيشي فقط، وإنما على مختلف قطاعات العمل والإنتاج، والمفترض أن تكون في مثل هذه الحالات الضامن الوحيد للخروج من دائرة الأزمات، وبما يعزز من حالة الصمود الشعبي إن صح التعبير.

لا شك أن حالة القلق التي نعيشها اليوم مشروعة ومحقة، ولكن ليست بالسوء الذي يحاول أن يصورها البعض به، وبعيداً عن الإنجازات الحكومية التي لم ينجح الإعلام في تسويقها كما يجب لبعث الطمأنينة في نفوس المواطنين، نجد أن حالة العجز والصمت مازالت هي السائدة تجاه ما يحدث في الأسواق من انفلات وارتفاع جنوني في الأسعار، وغياب مفاجىء لبعض السلع والمنتجات الأساسية دون أي مبرر أو رادع، وهذا بحد ذاته إن لم يتم التعامل معه بكثير من الحزم والشدة سيبطل مفاعيل كل القرارات الحكومية السابقة واللاحقة.

نعتقد أنه من المفيد هنا العودة إلى تطبيق قانون خاص بالأمن الغذائي الوطني، وسن تشريعات جديدة تتوافق مع الظروف الاستثنائية الطارئة، وتكون رادعة لكل من يحاول المساس بأمن الوطن والمواطن على السواء.

وللعلم فإن الأيام القادمة ستكون أصعب وأقسى، وأكثر ما نحتاجه هو التضامن والتكاتف والسعي المخلص والجاد من قبل الجميع، ليس لوضع حلول إسعافية وجزئية، بل ‎لرسم سياسات حقيقية فاعلة وناجزة تمنع من الانزلاق إلى المجهول، وتكون، أي هذه السياسات، قادرة فعلياً على مواجهة التحديات والصعوبات، وهو الرهان الحقيقي الذي يواجه الحكومة والجميع خلال هذه المرحلة الدقيقة والعصيبة التي نمر بها.

المؤكد أن الحاجة باتت أكثر من ماسة في وقتنا الراهن لاستباق الوقت المتبقي، وتحقيق أعلى درجات الشفافية في العمل الخططي والتنفيذي، ووضع قواعد جديدة لمحاربة كل أشكال الفساد، بما في ذلك الفساد الأخلاقي.

معن الغادري