سلايد الجريدةصحيفة البعثمحليات

الحصار خارجياً والفساد داخلياً.. هل نفدت الحلول أمام سطوة الجشع والاستغلال؟

دمشق – ريم ربيع

“خبي قرشك الأبيض ليومك الأسود”، لطالما شكّل هذا المثل عنواناً عريضاً أمام استهلاك الشارع السوري وتدبيره لموارده، ولم تخل جعبة أحد من ذاك القرش الأبيض المخبأ للأزمات، ودائماً ما أثبت جدواه في مواجهة كل التقلبات، إلا أن رحلة استنفاد القروش البيضاء خلال السنوات العشر الماضية وصلت اليوم إلى نهايتها، ومن تمكّن من تدبر أمره في 2011 مع بداية الحرب، وفي 2014 مع بداية الضائقة الاقتصادية، وجد نفسه الآن أمام الفصل الأشد قسوة في استنفاد كل المدخرات “إن وجدت”، فاليوم أطبق قانون قيصر الحصار علينا خارجياً، تاركاً الفساد لينهش ما تبقى من الموارد في الداخل، وفي حين وجد كُثر شماعة جديدة لما يحصل من تدهور، اتجه آخرون للحد من التهويل الحاصل إثر العقوبات التي اعتدنا عليها بشكل ما، دون أن تقدم هذه الفئة شماعة أخرى تعلّق عليها الأخطاء، لنبقى حيارى أمام السؤال الأهم وهو: لماذا الآن؟.. فإن كان “قيصر”، فتلك مصيبة، وإن لم يكن فالمصيبة أكبر!!

عجز

يشعر الشارع السوري اليوم أن الوضع خرج عن السيطرة، والأسعار المتزايدة بشكل لحظي أصبحت أقوى من أن تُضبط، وأمام المخاوف والقلق المتزايد، لم يتبرع أحد بتفسير ما يحصل، أو تقديم أدنى حد من التطمينات، وكان اجتماع الحكومة تحت قبة مجلس الشعب أشبه بشرح المشروح، فلا شيء جديداً، ولا شيء بجعبة أي وزير ليقدمه، ما أعطى انطباعاً بجفاف الحلول، والاستسلام لمتابعة ما يحصل دون حراك.. وهذا الانطباع عبّر عنه الشارع بوضوح خلال الأيام القليلة الماضية، ما دفع وزير المالية لمواجهة الموقف بالحديث عن حلول سترى النور قريباً حول تخفيض أسعار الصرف أمام الليرة، مؤكداً أن الحكومة لن تقف متفرجة، فيما يجلس المواطن متفرجاً على العجز الذي يطبق عليه ويمنعه حتى من تأمين لقمة العيش.

الاكتفاء

“الحلول بسيطة ويمكن تطبيقها آنياً”، هي عبارة ترددت كثيراً على لسان عدد من الخبراء الاقتصاديين، والأساتذة الجامعيين، ومنهم من اقترح قوائم من الحلول للوقوف بوجه التدهور الحاصل، أولها الإنتاج والزراعة والاكتفاء الذاتي. وفي حين كانت زيارة الفريق الحكومي لمنطقة الغاب، وإطلاق الخطة الزراعية الإسعافية خطوة هامة وضرورية، إلا أنها تأخرت كثيراً، وكان من المفترض أن نكون اليوم نحصد ثمار هذا النوع من الخطط فيما لو استدركناها باكراً، فالأيام المقبلة تشي بحصار أكثر قسوة من كل ما واجهناه حتى الآن، والقطاع الزراعي بشقيه النباتي والحيواني هو الملاذ الأخير، غير أنه هو الآخر يعاني من تدهور تلعب السياسات الخاطئة والقرارات المتسرعة دوراً كبيراً فيه!.

قرار حاسم

يرى الخبير الاقتصادي د. زكوان قريط أنه لايزال بالإمكان تدارك ما يحصل عبر إجراءات حاسمة، منها توجه المصرف المركزي لضخ كتلة نقدية من العملة الصعبة، إذا كان قادراً على ذلك، لإشباع حاجة السوق من الطلب الزائد، وخفض سعر الدولار الذي سينعكس بدوره على الأسعار بشكل عام. وفيما كان لتجربة ضخ العملة نتائج سلبية في السنوات الأولى للحصار، يؤكد قريط أن الأمر يجب أن يتم بحذر ورقابة شديدة حتى لا يُستثمر في المضاربات، أما السيناريو الأسوأ – برأيه – فهو ألا يكون لدى المصرف ما يغطي حاجة السوق، وهنا يجب التوجه للاعتماد على أنفسنا، والاتجاه نحو الزراعة أولاً، الأمر الذي كان يفترض اتخاذه منذ 2011، فـ “قانون قيصر” معروف منذ أعوام، وكان يفترض أن تكون الخطط جاهزة مسبقاً لمواجهته، مشيراً إلى أن تركيز الاعتماد على الصناعة والتجارة ذات الربح الأسرع والأسهل أثر بشكل كبير على القطاع الزراعي، فيما يمكن التشجيع بكل الوسائل الممكنة على زراعة القمح والقطن والمحاصيل الاستراتيجية لتحقيق الاكتفاء الذاتي.

صرامة

مؤخراً، شهدت الأسواق في عدة محافظات إغلاقاً لبعض المحلات بحجة عدم ثبات الأسعار، فالتاجر ينتظر السعر الأعلى لمضاعفة أرباحه، ورداً على سلوك التجار، أكدت وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك على الملاحقة القانونية لكل من أغلق محله على اعتبار أنه شكل من أشكال الاحتكار، فيما اعتبر قريط أن الدولة يحق لها أن تكون أكثر حزماً في مثل هذه الأزمات، وصارمة تجاه المحلات التي أغلقت، مقترحاً أن تقوم وزارة التجارة الداخلية بمصادرة محتويات هذه المحال وبيعها وفق تسعيرة السورية للتجارة.

ليست قادرة

وفي حين توجه مؤخراً اتحاد غرف التجارة لمطالبة الحكومة بإشراكه وباقي الاتحادات الاقتصادية في مواجهة الغلاء الحاصل وضبط السوق، يعتبر قريط أن الاتحادات غير قادرة اليوم على القيام بأي شيء، لأن الموضوع خارج سيطرتها، وبطبيعة الأحوال ليس لها تأثير قوي على السوق، كما أن الاجتماعات واللقاءات لن تفيد بعد الآن، فالواقع يتطلب قرارات وإجراءات سريعة، وتشكيل خلية أزمة لتطبيق هذه القرارات بحزم وجدية.