دراساتصحيفة البعث

“فيس بوك” بوق السي أي أيه

ترجمة: سمر سامي السمارة

عن موقع كونسيرتيوم نيوز 6/6/2020

 

متجاهلاً وسائل إعلام الدول المتحالفة مع الولايات المتحدة، يُرفق “فيس بوك” علامة تحذيرية لوسائل الإعلام الحكومية التابعة للدول غير الحليفة للولايات المتحدة، حيث بدأت شركة “فيس بوك” بإضافة علامات على المقالات الإخبارية التي تنشرها “منافذ الإعلام الحكومي” للفت القراء إلى مصادر أخبارهم.

يقول التحذير: “يخضع هذا الناشر كلياً أو جزئياً للسيطرة التحريرية للحكومة. ويتم تحديد ذلك بناء على مجموعة من العوامل، مثل التمويل، الهيكلية والمعايير الصحفية”. قال ناثانيل جليشر، رئيس سياسة الأمن السيبراني في “فيس بوك” لـ” سي إن إن”: “قلقنا يأتي من أن وسائل الإعلام الحكومية تجمع بين أجندة أعمال وضع سلطة كيان إعلامي والدعم الاستراتيجي للدولة. إذا كنت تقرأ التغطية الصحفية لحركة احتجاجية، فمن المهم أن تعرف من يكتب هذه التغطية وما هي دوافعه، وذلك بهدف ضمان رؤية الجمهور وفهم من يقف وراءها”. إلا أنه في حقيقة الأمر، يقوم “فيس بوك”  بوضع علامات على أخبار “سبوتنك” المملوكة للحكومة الروسية، ووكالة الأنباء الرسمية في الصين فقط، كما سيحظر الإعلانات على منصته، من وسائل الإعلام الحكومية التي لا تعجبه، وإلى الآن لا يُطبق ذلك إلا على روسيا والصين. الأمر الذي يؤكد أن هذه القرارات السياسية التي اتخذها “فيس بوك” تحت ضغط مباشر من حكومة الولايات المتحدة في جلسات استماع مفتوحة في الكونغرس لا علاقة لها بالحفاظ على الدقة في وسائل الإعلام. تُستخدم وسائل الإعلام الاجتماعية كخوادم وكيلة من قبل الحكومة التي لا يسمح لها بموجب الدستور بفرض الرقابة المباشرة. وقد كانت شركات وسائل التواصل الاجتماعي  في البداية تمانع الاستسلام، مدركة أن ذلك ليس ما يريده عملاؤها لكنها استسلمت في النهاية. وهنا لابد لنا من طرح سؤال بديهي: لماذا لن تكون هناك علامات تحذيرية على الأخبار التي تنشرها وكالة الصحافة الفرنسية المملوكة للحكومة الفرنسية، أو بي بي سي، وسي بي سي، وراديو فرنسا، وهيئة الإذاعة الاسترالية، وصوت أمريكا أو إذاعة أوروبا الحرة – وهي وسائل إعلام تعتمد بتمويلها على الحكومات؟ الإجابة البديهية، لأن هذه المنافذ تديرها الولايات المتحدة والحكومات الحليفة. إذ يرفض الغرب رؤية تحيزهم، حتى في وسائل إعلامهم الخاصة، حيث يمكن لوسائل الإعلام الغربية أن تقدم أخباراً من وجهة نظر أمريكية أو أوروبية، لكنها تدين الأخبار التي تنشرها روسيا أو الصين. فقد اعتادت المؤسسات الغربية، التي تعتبر نفسها متفوقة عالمية بشكل عام، على عدم تعرضها لانتقادات كثيرة من وسائل إعلامها، ولا سيما في تورطها في قضايا خارجية. تعد وسائل إعلام المؤسسات الكبرى في الولايات المتحدة، خاصة في تقديم تقاريرها المتعلقة بالأمن القومي والشؤون الخارجية أبواقاً لوكالات الاستخبارات. ولهذه الغاية، أصبحت وسائل الإعلام الأمريكية امتداداً للدولة، حتى المملوكة للقطاع الخاص منها، فقد عملت امبراطورية “مردوخ” الإعلامية في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة واستراليا لعقود من خلال أجندة سياسية يمينية بارزة، لكن القادة والصحفيين الغربيين أقنعوا أنفسهم بأن إعلامهم يتم وفقاً لمبادئ العالمية والموضوعية، حتى عندما يقودون الدولة ويوجهونها إلى حرب عدوانية قائمة على الأكاذيب.في الحقيقة، أسوأ خطيئة ترتكبها وسائل الإعلام الرئيسية هي خطيئة التغافل: تجاهل القصة، أو تهميش وجهات النظر التي تتعارض مع أجندة الولايات المتحدة. على الرغم من أن المهمة المفترضة للصحافة هي نقل كافة جوانب القصة فإن وجهات نظر الإيرانيين والفلسطينيين والروس والكوريين الديمقراطيين والسوريين وغيرهم لا يتم إدراجها بشكل صحيح في وسائل الإعلام الغربية. لذا من المستحيل فهم أزمة دولية دون سماع هذه الأصوات. إن إسكاتها الممنهج يحرم الناس في تلك البلدان من التماس الحقيقة، ما يجعل من السهل كسب التأييد الشعبي في الولايات المتحدة لخوض حرب ضدهم. فكلما برزت وجهات النظر المتنوعة في العديد من الدول التي يتابعها الجمهور، يكون من الأفضل لهم التوجه إلى فهم مستنير للعالم، لكن “فيس بوك” يقوض مصداقية مقال ما حتى قبل أن تتم قراءته.